عطيات الأبنودي سفيرة السينما التسجيلية في مصر
الأكثر مشاهدة
"هتيجي أجيال هيكون الشغل ده وثيقة لها عن مصر في زمن ما.. اللي بعمله حقيقي والحقيقي هيعيش" كانت ترى عطيات الأبنودي أن تسجيل الواقع وتوثيقه في أفلام تحكي عن الناس والطباع والعادات هو الإرث الفني الذي ترغب في تركه لصناع السينما ولتاريخ مصر المرئي، وهو ما جعلها واحدة من عشاق التوثيق ورواد السينما التسجيلية في مصر، التي احتفظت كاميرتها بقصص المصريين الحقيقية وناقشت قضايا نساء هذا البلد.
المخرجة عطيات الأبنودي
تحمل عطيات الأبنودي تاريخ لا يستهان به في صناعة الأفلام التسجيلية والوثائقية في مصر، يقدر بـ 27 فيلما، واعتبرت الفيلم التسجيلي هو التعبير الحقيقي عن المجتمع والأحداث دون رؤى متداخلة من مؤلفين أو مخرجين، ونالت بسبب أفلامها الجوائز العالمية والتقدير الشعبي والدولي، كما حصدت الاستياء من الرافضين
عطيات الأبنودي هو الاسم الذي ظل ملازما لها، بعد زواجها من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وهو الاسم الذي لم ترغب في التخلي عنه حتى بعد الطلاق وحتى وفاتها، ولكن اسمها الحقيقي هو عطيات عوض محمود خليل، ولدت به في يوم 26 أكتوبر عام 1939 في السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، كانت الفتاة الأصغر من بين سبعة أبناء، أربع من البنات وثلاثة من الأولاد، وكانت الأكثر إصرارا وحماسة لما تريد أن تكون عليه.
كان يُشار لعطيات كفتاة متفوقة، خاصة مع قدرتها على أن تجمع بين عامين دراسيين في عام واحد، فأنهت وهي ما زالت بعمر 15 سنة المرحلة الأساسية والتوجيهية (الثانوية العامة)، ونوت أن تلتحق بالجامعة حتى وغن بدا ذلك أمر غير معتاد، فقليلات في مصر حينها هن من يكملن تعليهمن حتى المرحلة الجامعية.
سافرت عطيات البنودي إلى القاهرة، وبقيت عند أخيها الذي كان يعيش في العاصمة حينها أول سنوات دراستها بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ولكن سرعان ما التحقت بها والدتها لترعاها وتكون بجانبها، وفي أثناء الدراسة عملت بوظيفة إدارية في هيئة السكك الحديدية، ولكنها اكتشفت اهتمامات أخرى متعقة بالفن والأدب.
في أحد المرات، صادفت عطيات إعلان للعمل في المسرح القومي، وهو ما يمكن اعتباره الخطوة التي فتحت لها أبواب عالم الفن والسينما والأدب. داخل المسرح كانت البداية كممثلة في عدد من العروض الفنية، ووقفت بجانب عدد من كبير من الممثلين الذين صاروا رموزا بعد ذلك من سناء جميل وكرم مطاوع وحسن يوسف وحسين رياض، وشاركت في أوبريت الليلة الكبيرة كما عملت كمساعد مخرج لبعض الأعمال، منها مسرحية الفرافير عام 1964.
العمل في المسرح استهلك من وقت عطيات الأبنودي الكثير، وصارت مهتمة بأن تكون موجودة في المجال الفني، الأمر الذي أثر على دراستها الجامعية، فالفتاة المجتهدة التي كانت تدرس العامين في واحد، نالت ليسانس الحقوق بعد دراسة دامت 8 سنوات في جامعة القاهرة عام 1963، ولكنه أرشدها نحو الطريق إلى صناعة الأفلام الذي علمت أنه المجال الذي تريد أن تعمل به.
تزوجت عطيات الأبنودي من مهندس الديكور مصطفى كامل، ولم تستمر زيجتهما سوى 3 سنوات فقط، وبعد فترة من العمل في التمثيل المسرحي، قررت الالتحاق بالمعهد العالي للسينما، الذي تخرجت منه عام 1972، وقامت بصناعة أول أفلامها التسجيلية "حصان الطين" عام 1971، وقررت بعدها أن تختص في صناعة الأفلام الوثائقية "أنا بحب الناس لحم ودم من غير تزويق.. أنا مش عايزة أمثل، أنا عايزة الناس محتاجاهم حقيقين"، والتحقت بمدرسة السينما والتلفزيون الدولية في بريطانيا لتنال الزمالة عام 1976.
أفلام عطيات الأبنودي
"حصان الطين" كان أول أفلامها التسجيلية وأكثرها تميزا على الإطلاق، كونه أول فيلم وثائقي تقوم بإخراجه سيدة في مصر، وكان يتناول الطريقة التي تعد بها قوالب الطوب في القرى، واستخدام الأحصنة من أجل إتمام هذه الصناعة، وعمل الفتيات الصغيرات في مصانع الطوب البدائية وأحلامهن، وعن هذا الفيلم استطاعت عطيات الأبنودي أن تكرس لقدراتها الإخراجية في مجال السينما التسجيلية، وكان بوابتها لحضور مهرجانات ونيل جوائز عالمية قُدرت بأكثر من 30 جائزة، منها الجائزة الكبرى في مهرجان جرينوبل في فرنسا، والميدالية الذهبية في مهرجان قليبية في تونس.
توالت إسهامات عطيات الأبنودي في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، فأخرجت فيلمها الثاني "أعنية توحة الحزينة" عام 1971، وفيلم "الساندويتش" الذي تم تصويره في قرية أبنود عام 1975، واستوحت فكرته من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عن المراحل التي يتم من خلالها صناعة رغيف الخيز، وقدمت صورة مميزة في هذا الوقت عن الريف في صعيد مصر.
وأخرجت فيلم "التقدم إلى العمق" عام 1979، الذي قام بكتابته والتعليق الصوتي عليه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ويتناول تأسيس جمعية الصعيد في قرى الجنوب، وتوالت أفلامها التسجيلية من فيلم "بحار العطش" عام 1981، و"الأحلام الممكنة" عام 1983، الذي كان عبر عن رؤية عطيات الأينودي للنساء في مصر، وعرضت من خلالها نماذج حقيقية لسيدات مصريات رأت فيهن القوة والشجاعة والجمال أيضا، وفيلم إيقاع الحياة" 1988، و"حديث الغرفة رقم 8" عام 1990، الفيلم الذي تناول حياة الشاعر أمل دنقل وأيامه الأخيرة في حجرته بالمستشفى ولقاءات مع والدته وبعدد من المثقفين.
ويّكر لها أيضا فيلم "اللي باع واللي اشترى" 1992، و"راوية 1995، و"أحلام البنات" 1995، و"نساء مسؤولات"، وفيلم "قطار النوبة"، و"توشكى" و"إثيوبيا بعيون مصرية"، وآخر أعمالها فيلم "نساء من مصر" عام 2006، الذي تناولت من خلاله مشروع مصممة الجواهر والحلي عزة فهمي.
اهتمام عطيات الأبنودي بقضايا المراة المصرية والتعبير عنها بصدق كان واضحا في جميع أعمالها، كانت وصيتها أن تخلُد الافلام التي قامت بصناعتها، فطلبت من ابنتها سلمى يحي الطاهر عبد الله أن تقوم بإنشاء قناة على يوتيوب يتم تحميل جميع أفلامها التسجيلية عليها، والتي تُقدر بـ 27 فيلما، بعد أن حرصت على تحويل نسخ هذه الأفلام إلى الديجيتال، وتعاونت سلمى وصديقة عمرها نادية كامل وابن أختها على إطلاق هذه القناة وإدارتها، خاصة، وأن أفلامها لم يتم عرضها على التلفزيون إلا نادرا.
زواجها من عبد الرحمن الأبنودي
يمكن القول أنها تزوجت من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي خلال فترة السبعينات، ويبدو أنها تاثرت بشخصيته كثيرا وبحكاياته وقصصه عن الصعيد، للدرجة التي جعلتها تتعاون معه من أجل إنتاج أفلام وثائقية بتعليقه من قرى في جنوب مصر، ويصبح اسم شهرتها من لقب عائلته، وكانت تجمعهما قبل الزواج صداقة قوية كان ثالثها الأديب يحيى الطاهر عبد الله كاتب القصة القصيرة، الذي كان دوما ما يخبرها "لو الأبنودي متجوزكيش كنت هتجوزك".
وبسبب قرابتهم جميعا كفنانين وأصدقاء، تأثرت عطيات برحيله في سن مبكرة عام 1989، عقب حادث سيارة على طريق الواحات، وقررت أن ترعى ابنته أسماء لتمنحها الحب والعطاء وكأنها ابنتها التي لم تلدها، فعطيات لم تنجب أطفال، وظلت أسماء على العهد مقدرة ما فعلته عطيات من أجلها وحتى بعد وفاتها تخلد ذكراها دوما، وتسعى إلى تذكير الجمهور بمجهوداتها الفنية.
بعد سنوات طويلة، انفصلت عطيات الأبنودي عن زوجها الشاعر، ورغم شعورها بالألم والحزن، لم تتخل عن لقبه الذي أعقب اسمها، وكتبت عن علاقتهما في كتابها "أيام لم تكن معه" الصادر عام 1999، والذي ضم الرسائل التي كانت بينهما خلال فترة اعتقاله، وكتاب "أيام الديمقراطية: النساء المصريات وهموم الوطن" الذي تناولت فيه تجربة السيدات المصريات المرشحات في انتخابات مجلس الشعب لعام 1995.
شغلت عطيات الأبنودي عدد من المناصب، منها عضوية لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس القومي للمرأة، وعضو لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسة جنة التحكيم الدولية في مهرجان أوبر هاوزن بألمانيا، كما نالت عن مشوارها الفني عدد من الجوائز، منها جائزة جمعية نقاد السينما المصريين بمهرجان الإسماعيلية عن فيلمها "اللي باع واللي اشترى" عام 1992، وتم تكريمها من قبل المهرجان القومي للسينما.
في أيامها الاخيرة، كان اهتمام عطيات الأبنودي بصناعة الأفلام ما تزال تشغلها، فدوما ما تدور في بالها فكرة جديدة تبحث حولها وتتمنى لو أمكن تنفيذها، تحكي أسماء عن الروتين اليومي لعطيات قبل رحيلها، فكانت تستيقظ في الصباح الباكر تطالع الجرائد وتجلس إلى الكمبيوتر، ثم تقرأ قليلا مع وجبة الفطار، وتعود إلى واحد من مشروعات أفلامها محاولة أن تكمله، مستمعة إلى كارم محمود أو محمد منير.
كان آخر كتاب قرأته عطيات الأبنودي قبل رحيلها في 5 أكتوبر عام 2018 هو "المولودة" لنادية كمال، التي تعد صديقة عمرها، فكانت حتى آخر لحظاتها مهتمة بالمتابعة والمعرفة والاطلاع.
**أحد مصادر الموضوع: موقع مصراوي
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ٠١ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا