ليال وطفة تجسد المشاعر بالموسيقى وتحلم بالأوسكار
الأكثر مشاهدة
عندما تسمع عزفا على العود أو نوتة على الكمان ولحنا تشعر وكأنه سحبك من مقعدك وذهب بمشاعرك إلى عالم آخر، تدرك عندها كيف يمكن للموسيقى أن تحتل كياننا وتحملنا إلى أجواء ومواقف قد لا نختبرها إلا مع نغمة صادقة، وليال وطفة واحدة ممن يمكنهم أن يثيروا الشجن أوالراحة في نفسك بمقطع وضعت فيها من روحها جزءا يسيرا، فتعتبر نفسك محظوظا لأنك عشت بزمن جادت فيه ليال وطفة بأعمالها.
الملحنة ليال وطفة
من النادر أن نلمح اسم لسيدة في مجال صناعة الموسيقى والألحان وتأليف المقاطع الموسيقية للأفلام والأعمال الدرامية، فالأمر يبدو وكأنه مجال يحتكره الرجال ويسيطرون على إنتاجه، ولكن ليال وطفة كانت تملك من الشغف تجاه الموسيقى والصوت ما يكفي ليجعلها من أشهر صانعي الموسيقى التصويرية في العالم العربي في الوقت الحالي.
في سوريا وتحديدا في دمشق، ولدت ليال وطفة في 14 فبراير عام 1980، لاحظت والدتها اهتمامها بمؤثرات موسيقى الأفلام والمسلسلات "من طفولتي، كنت بتأثر بموسيقى الأفلام وأبكي لما أسمع لحن حزين من دون ما أفهم القصة" مما شجع والدتها على أن تلحقها بالمعهد الموسيقي في دمشق لتعلم عزف الكمان، حين كانت في التاسعة من عمرها، وأحضرت لها "كيبورد" موسيقى، ومنه خرجت أولى مقطوعاتها الموسيقية.
لم تستمر إقامة ليال في دمشق طويلا، فانتقلت مع أسرتها إلى الإمارات العربية المتحدة عندما بلغت الحادية عشر من عمرها، واستمرت في تعلم الموسيقى بالعزف على البيانو لمدة عامين، ولكن اتجهت لعدها قليلا نحو الأداء الصوتي، وحصلت على فرصة للعمل في التعليق الصوتي للإعلانات التجارية في التلفزيون والإذاعة.
درست الإعلام، وقررت أن تترافق دراستها مع خبرة عملية، فالتحقت للتدريب والعمل بأكثر من شركة في مجال الإنتاج الموسيقي والفني في دبي، وكانت تلك فرصتها للتعلم ذاتيا حول هندسة الصوت، تقول في أحد اللقاءات الصحفية إنها كانت تنتظر انتهاء ساعات عملها لتبدأ في التجريب ومحاولة فهم كل ما يتعلق بتقنيات الصوت وخطوات صناعته "كانت فرصة عظيمة، قدرت فيها أعتمد على نفسي، وساعدتني أمتلك الاستديو الخاص بي فيما بعد عام 2009"، رغم ما واجهته من "تنمر"- كما تقول- من زملائها الرجال مستنكرين خوضها لمجال يحكمون السيطرة عليه.
عام 2002، تعاقدت شبكة قنوات MBC مع ليال وطفة من أجل إنتاج الأعمال الصوتية والموسيقية، فكانت تعمل في الهندسة الصوتية وكمصممة صوت وملحنة موسيقية، وهي المرحلة التي تعتبرها ليال نقطة انطلاقها، فعملت مع القناة على مدار 6 سنوات استطاعت خلالهم أن تكون مسئولة عن أنتج الموسيقى للفواصل الإعلانية بالقناة، وتطور إمكانياتها وإدارة القسم الذي كانت تعمل به وأن يصاحب تعليقها الصوتي إعلانات القناة، ولكنها قررت أن تعود لشغفها الأول وهو صناعة الموسيقى للأفلام والمسلسلات.
"أحب أن أخبر القصص عبر الموسيقى" ولذلك قررت أن تستقيل من عملها في قنوات MBC كونها لم تعد تشعر نحوه بالاكتفاء، وشرعت من خلال الاستديو الخاص بها في إنتاج وتأليف الموسيقى للإعلانات التجارية والمسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية والقصيرة والروائية، وكان أول مسلسل تقوم بتأليف موسيقاه التصويرية هو "4- صفر"، ليكون بدابة أعمال موسيقية مميزة، استطاعت من خلالها أن تترك بصمتها.
موسيقى ليال وطفة
تميل ليال- كما هو شائع عنها- إلى الموسيقى الغربية وإلى الاستماع لأعمال ومقطوعات أجنبية مختلفة، ولكنها أيضا شامية عربية تمتلك مخزون ثقافي شرقي لا يمكن لها أن تنفصل عنه، ولذلك كانت موسيقاها مزيج بين النغمات الشرقية وموسيقى الأوركسترا الغربية، الأمر الذي ميزها بالفعل وجعل كثيرون يدركون بصمتها في اللحن "سعادتي بتكبر لما الجمهور يتعرف على مقطوعتي الموسيقية قبل ما يقرأ اسمي على التراك، أحس وقتها أني صنعت بصمتي في التأليف".
ألفت ليال وطفة الموسيقى التصويرية والألحان لأكثر من 25 عمل درامي مصري وخليجي، تنوعت هذه الأعمال بين أفلام ومسلسلات، وكان كل واحد منهم خطوة نحو مسيرة فنية استطاعت ليال أن تجعلها مميزة وتتمكن من خلال الألحان والمقاطع الموسيقية أن تخلق رابطا مع الجمهور الذي صار يمتعه أن يرى المشاهد التمثيلية وهي تتوحد مع موسيقى صنعتها ليال وطفة بإحساس عالي ودقة في التعبير عن المشاعر، فتتجسد أمامه وتحركه من مكانه إلى قلب الأحداث.
يتذكر كثيرون تعاون ليال وطفة مع المخرج الراحل محمد خان في فيلم "قبل زحمة الصيف" عام 2015، وكذك فيم "نوارة" و"فوتوكوبي" 2017، ومن قبله موسيقاها لمسلسلات (بركان ناعم 2013، كعب عالي 2014، ذاكرة من ورق 2015، حب بلا حدود 2018، جمان 2019، الخطايا العشر 2018، دانتيل 2020)، وكذلك الفيلم القصير "وهن راغبات" عام 2017.
ومن بين الأعمال التي ألفت ليال موسيقاها، تعتبر تجربتها مع مسلسل "موجة حارة" هي الأكثر تميزا والأقرب لها، واستطاعت من خلالها أن تجسد صراعات المسلسل وتعبر عن طابع كل شخصية، فيعد تجهيز موسيقى كل مسلسل أو عمل درامي أمر يحتاج إلى مجهود دقيق بداية من قراءة النص ومشاهدة العمل، والتعرف على خلفية الأشخاص، والمكوث لفترة طويلة في إنتاج لحن ومقاطع موسيقية تناسب كل شخصية وتتوافق مع رؤية المخرج والرسالة التي يريد للمشاهد أن يشعر بها في النهاية.
كان لليال وطفة إسهامات غناية أيضا، كونها تملك صوت مميز استثمرته في التعليق والأداء الصوتي لسنوات، واستطاعت أن تنتج عام 2004 أليوم غنائي بعنوان Lemonada، وكان يعد تجربة موسيقية مختلفة.
لم تقتصر أعمال ليال الموسيقية على الدراما العربية، ولكنها استطاعت أن تؤلف موسيقى وصلت إلى كندا والولايات المتحدة، على مدار السنوات الماضية، استطاعت موسيقاها أن تحظى أيضا بتقدير عالمي، فنالت عنها كثير من لجوائز، من بينها جائزة بروماكس العالمية كأفضل مصممة صوت في 2006 و 2007، ونالت الجائزة البرونزية عام 2011 من مهرجان نيويورك، وعن موسيقى الفيلم القصير Slums Of India حصلت على جائزة هوليوود لموسيقى وسائل الإعلام عام 2016، ومنحتها جمعية الفيلم المصرية جائزة أفضل موسيقى فبلم طويل عن "قبل زحمة الصيف"، كما نالت الميدالية الفضية من مهرجان الموسيقى العالمية عن مقدمة مسلسل "الخطايا العشر" في 2018.
تعتبر ليال أن هذه الجوائز تقدر مشوارها الفني "والجوائز اللي جاتني من أوروبا وأمريكا بتحسسني أن موسيقاي وصلت لهناك"، وتحلم يوما أن تحصد الأوسكار كأول مؤلفة موسيقية عربية، ليكون تتويج لمشوار لم يكن سهلا على الإطلاق.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا