أمل صلاح مهندسة تلعب بالخامات فتنتج فن وتصميم مختلف
الأكثر مشاهدة
من الهندسة المعمارية إلى اللعب بالمسامير والدبابيس وحتى الأسلاك وحبوب الأدوية، قد يبدو الفارق بينهم بعيدا، ولكن تجربة أمل صلاح تخبرنا أن الأمور متصلة ببعضها بشكل أو بآخر، وأن القصة كلها متعلقة بالفن ومحبتها له، وبرحلة البحث عن ما تجيده، ليبدو أن ما بدأ بهدية أرادت لها أن تكون مميزة، انتهى ليكون مشروع استديو متكامل باسم Shuffle Designs يرى في كل مادة كنز يمكن استخدامه في تصميم مختلف.
المهندسة أمل صلاح
درست أمل صلاح الهندسة المعمارية، وكانت مهتمة بالفنون ومحبة لها بصورة عامة، وعملت لمدة سنتين في عدد من مكاتب الهندسة، وخلال تلك الفترة كانت سعيدة بعملها وتشعر تجاهه بالرضا، ولكن جاء حملها بطفلها الأول ثم الولادة وحاجتها لإجازة وضع، ليجبرها على المكوث في المنزل ويكون فرصة لتنتقل من عالم الرسومات والتصميمات الموجودة على الورق إلى الخامات التي يمكنها أن تتحول إلى منتجات ولوحات وإكسسوارات أحب كثيرون اقتناءها.
اضطرت أمل أن تستقيل من عملها كمهندسة، فور ولادتها لابنها سليم، وعملت على رعايته خلال إجازة الوضع، وكونها معتادة دوما على استعمال الخامات المتاحة في تصميم إكسسوارات خاصة بها، فقد تصنع حلق أو سلسلة من بقايا لوحة مفاتيح أو دبابيس وأزرار، قررت أن تعبر لزوجها عن محبتها بتصميم لوحة تجمعه وطفلهما الأول.
"جربت المواد الموجودة حواليا في البيت، مرة الدبابيس أو الخل وحتى المسامير" كونها أرادات للهدية أن تكون مصنوعة بيديها، فتعبر عن مشاعرها بالامتنان والحب، إلى أن لجأت إلى المسامير لتصنع لوحة صغيرة مبهجة، قد تعود لها أمل الآن وتتمنى لو أنها تمتلك خبرتها الحالية لتصنعها بجودة أفضل، ولكنها كانت نقطة الانطلاق إلى مشروعها، غير أنها نالت إعجاب زوجها والمحيطين بها.
استمرت أمل في الاعتماد على المسامير لصنع لوحات في منزلها، دون أن تخطط أن يتخطى الأمر أكثر من ذلك، وكطريقة لتمضية الوقت، فصنعت لوحتين لأكثر الأفلام التي تحبهم، أحدهما لفيلم "الكيت كات" والأخرى لفيلم Fight Club، "لقيت ناس كتير بعدها معجبين باللوحات، وبيطلبوا هدايا تكون شبهها" وكونها معتادة على "اللعب" بالخامات- كما تقول- فصنعت لوحة لمايكل جاكسون طلبها المخرج عمرو سلامة عقب فيلمه "الشيخ جاكسون" باستخدام دبابيس الورق.
وفي 2014 قررت أن تنقل الهواية إلى عمل خاص بها، فأسست استديو Shuffle Designs حتى يمكنها أن تنفذ التصميمات على مساحات أكبر وبصورة أكثر احترافية. "الناس في الأول مفهمتش الموضوع وتعاملت معاه على أنه شوية خامات متجمعة، لكن بدأت أماكن تطلب تنفيذه على مساحات كبيرة" وانتقلت اللوحات من أعمال فنية لها بُعد شخصي أو يمكن اقتناؤها من باب التقدير الجمالي لها، لتصبح أعمال يمكنها أن تساهم في ترسيخ العلامة التجارية لمطعم أو شركة أو أي مكان عمل.
وأصبح استخدام الأدوات يعتمد على طبيعة المكان الذي يريد تنفيذ التصميم، فمع شركة سيارات من الممكن أن تستخدم الصواميل، وقد تعتمد على أسلاك الكهرباء أو الخيوط وكذلك الورق والدبابيس، المهم أن يكون التصميم مرتبط بخلق روح عامة للمكان، فنفذت تصميمات لشركة ريد بول ومطعم الثور وشركة عقارات، وأماكن أخرى قررت أن تستخدم تقنية أمل صلاح في استخدام الأدوات والخامات المتاحة، وأن تعتمد على تصميماتها حتى تتميز وتُظهر "البراند" الخاص بها.
واستطاعت أمل أن تعبر عن مشاعرها من خلال هذه الاعتماد على هذه الأدوات أيضا، فكانت تصنع لأطفالها لوحات بالأبطال الخارقين المفضلين لهم من مازجر وباتمان باستخدام المسامير والدبابيس، كما أهدت الفنان اللبناني إبراهيم معلوف لوحة بورتريه له في أحد الحفلات، كانت قد أعدتها بنفسها له وهو يحمل الآلة التي يعزف عليها.
الموسيقى هي دوائي
الفقد هو واحد من أقسى المشاعر التي يمكن أن يختبرها أي شخص، وهو التجربة الإنسانية التي لا نعود بعدها كما كنّا، ونصبح بعدها في حالة من الإنكار والرفض ثم الغضب والحزن، وكان لأمل تجربة ليست هينة مع ألم الفقد، فمع رحيل والدتها في أغسطس 2019 بعد ورم خبيث أصاب جسدها ولم يمهلها سوى 3 أسابيع، شعرت أمل "كنت حاسة بغضب وضعف أنه مكنتش عارفة أعملها حاجة".
أنهكها رحيل الأم بعد أن رأتها أمام عينيها تعاني من الألم، فجلست لشهور في منزلها منعزلة لا تقوى على التعامل مع الحياة، وتعيش حالة من الإنكار، حتى صادفتها الأشياء التي تركتها والدتها من ملابس وماكينة الخياطة والمجلات والأدوية، التي لم تدري ما الذي يمكنه أن تفعله بها، خاصة، بعد أن انتهت صلاحيتها.
"كان عندي طاقة غضب تجاه الأدوية بالذات، وكنت شايفة أنها معملتش حاجة وأنها ضعيفة زيي" فوجدت أصابعها تمسك بحبوب الأدوية والنشرات ويستفزها ألوانها وأحجامها "وكنت عاوزة أستخدمها في أي حاجة كأنه ليها فايدة"، فشرعت تصنع منها لوحات تتداخل فيها الألوان مع التصميمات، وعلى موسيقى أغنية I am alive لـ Sia، وأغنية Lift وHow to disappear التي كانت تساعدها على ان تفصل عن الواقع، أعدت أمل تشكيلة من اللوحات المصنوعة من حبوب الأدوية والنشرات الداخلية بعنونا "الموسيقى هي دوائي".
البداية كانت بكتابة مجموعة من الجمل، ثم أنتجت أمل 6 لوحات، ما بين لوحة لمايكل جاكسون يصرخ فيها، وأخرى لمادونا باستخدام نشرات الأدوية، وثالثة تعبر عن مشاعرها بأنها رغم الفقد ما زالت حية تقاوم وتحاول أن تتجاوز "مفيش حاجة ممكن تخليكي تتجاوزي، أنا كنت بعبر عن اللي جوايا، وأنه أخرج مشاعر حاسة بيها" فجاءت تشكيلة لوحاتها لتعبر عن مشاعر كثيرين رأوا في لوحاتها ما يمكن أن يلمس تجارب مروا هم أيضا بها.
انتشرت لوحات أمل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وأجرت معها منصات دولية حوارات تقدر قيمة الفن الذي قدمته، وكيف جمعت بين مشاعر الفقد والحزن وبين استخدام الأدوية لخروج عمل فني مميز معبر عن هذه المشاعر، وكانت تلك فرصة لتستخدم الأدوية في تقديم أعمال أخرى مستقبلا، كما تعمل على تطوير الأعمال التي يتولاها الاستديو الخاص بها، بالمساهمة في الترويج للشركات وأماكن العمل المختلفة بصنع فيديوهات حركة تعتمد على الخامات، كأن تظهر علب اللبان تتحدث وتتحرك.
تتذكر أمل السنوات الأولى لبداية عملها، وكيف واجهها تحدي التعامل مع العمال، واستخفافهم بها كونها "بنت" لن تتمكن من تنفيذ وجهة نظرها وفرضها عليهم، أو أنه يمكن استغلالها بالمبالغة والمغالاة في الأسعار على اعتبار أنها ليست على دراية بما تفعل، "بصراحة كنت في الأول ببقى خايفة منهم، لكن مع الوقت عرفت أكون صارمة معاهم وأخليهم يقبلوا مني الأوردارات وينفذوها"، موضحة أن دخول السيدات لمجالات عمل مختلفة حاليا جعل الأمور تتجه للأفضل، وأن يتولد لدى العمال وفئات أخرى قدرة أكبر على التقبل.
دى أمل طفلين (سليم 9 سنوات، ويونس 4 سنوات) تعتبرهما مصدر أمان وإلهام، وخاصة طفلها الأول الذي كان كل شيء بسببه، فهو طاقة الإلهام الأولى التي أوحت لها بلوحة تجمعه مع والده، ومن ثم كانت بقية الخطوات "ابني الكبير هو بداية الموضوع وصاحب المشروع، وكان موجود في كل الخطوات، وبيحضر معايا الاجتماعات، وبيحاول يلعب ويعمل زيي"، وكانت دوما تتأثر بطفليها وتستلهم أفكار تصميمات منهما، ولم تشعر يوما بالضغط تجاه تربيتهما مع إدارتها لمشروعها، خاصة مع وجود زوج يقدر التصميمات والعمل الذي تنتجه، ويحاول دوما مساعدتها.
الكاتب
هدير حسن
السبت ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا