فرح حلابة تبسط الأنثروبولوجي بالعربي على يوتيوب
الأكثر مشاهدة
"الأنثروبولوجي زي نضارة أول ما تلبسها صعب متشوفش العالم من خلالها" فاستيعاب فرح حلابة لمفاهيم الثقافة ودوافع الأشخاص التي تجبرهم على تصرفات بعينها دون الأخرى، أمر لم يكن لها أن تعيه دون دراسة الأنثروبولوجي، الذي كان عالما غامضا لم تتفهمه سوى مع أيام دراستها الأولى للماجيستير، التي لم تكن هينة أيضا، ولكنه صار بوصلتها التي أردات أن تشاركها مع آخرين في "أنثروبولوجي بالعربي".
فرح حلابة
بقلب معلق بين القاهرة وإسطنبول عاشت فرح وائل حلابة الأعوام الأخيرة، ولكن سبقها ما يقرب من 18 سنة من الاستقرار مع أسرتها في الرياض بالسعودية، حيث أنهت دراستها الثانوية وقررت أن تنتقل منها إلى تركيا لدراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بإحدى جامعات إسطنبول.
كان غريبا أن تختار فرح دراسة العلوم السياسية، فكون والدها طبيب توقع كثيرون إلى أن تميل لدراسة الطب "أنا وقتها كنت متاثرة بالثورة، ومهتمة بعلم الاجتماع، شووفت أنه العلوم السياسية دراستها هتكون مثيرة لاهتماماتي" ففرح كانت معتادة على تنظيم الأنشطة المدرسية التي لها علاقة بالجانب الدبلوماسي والسياسة، وتنفذ مع زميلاتها نماذج محاكاة للجمعيات والمنظمات الدبلوماسية العالمية.
"لما الدراسة بدأت اكتشفت أني مهتمة بالمواد اللي بتتكلم عن تصرفات الشعوب والفلسفة" استمرت في دراستها في إسطنبول، التي تعتبرها القاهرة الثانية، وتشعر بالامتنان تجاه هذه المدينة، التي اكتشف من خلالها فضولها تجاه الأفراد والمجتمعات، واختبرت فيها العالم وحدها "كانوا أهم 4 سنين في حياتي" تغيرت شخصيتها فيهم إلى حد كبير، فإسكنبول بالنسبة لها مدينة حية تجمع بين الطابع الشرقي والأوروبي.
في أثناء دراستها الجامعية، جمعت فرح بين دراسة العلوم السياسية والسينما أيضا، وهو قسم تتيح جامعتها دراستها كمادة إضافية، واختارته وقتها بسبب حبها للسينما واهتمامها بالأفلام الوثائقية، وبعد أن تخرجت من الجامعة قررت أن نتنقل إلى القاهرة "قعدت سنة بعد الجامعة وقبل الماجيستير بحاول أقرب من المجتمع".
مكثت فرح في القاهرة بصورة منتظمة لمدة عام من 2018 وحتى 2019 "حياتي اتغيرت لما جيت القاهرة، وحاولت أحتك بالمشهد الفني بشكل أو بآخر"، لا تتذكر فرح كيف تعرفت على الأنثروبولوجيا خلال هذا العام، ولكنها تتذكر أن المصطلح جذب انتباهها وبدأت تحاول التعرف على معناه على المواقع الإلكترونية.
خلال هذه الفترة، كانت تحاول أن تلتحق جامعات أجنبية للحصول على الماجيستير وفي كل مرة لم يكن الأمر يكتمل بسهولة، ولم تكن متأكدة من أنها تنوي دراسة العلوم السياسية مرة أخرى، ولكن معرفتها الأولى بالأنثروبولوجي جعلتها تبحث عن توفره في أي من الجامعات، وبالفعل وجدته في جامعة كينت في بريطانيا وأسعدها أنه جمع بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية والإثنوجرافيا البصرية.
أنثروبولوجي بالعربي
بدأت فرح دراستها للأنثروبولوجيا بقدر كبير من المخاطرة "قدمت للجامعة وأنا مش متأكدة إيه هو الأنثروبولوجي، لكن مكنش عندي توقعات كنت عارفة أني هبسط وكنت متحمسة"، ورغم صعوبة أول درس حضرته في الجامعة وشعورها بالإحباط، قررت أن تبذل مجهود أكبر وتقرأ بشكل أوسع عن الأنثروبولوجي لتخبر نفسها "ياريت كنت عرفته قبل ما أدخل الجامعة".
والأنثروبولوجي هو علم الإنسان، العلم الذي يدرس الثقافة العامة والاجتماعية، فهو علم مهتم بالتعرف على ثقافة الشعوب، والأمر لا يعني الفلكلور الغريب لبعض القبائل أو الرقص وأنواع الطعام، وبسب سيطرة الغرب على علم الأنثروبولوجي فمحتواه المتاح دوما مكتوب بغة إنجليزية معقدة، وهو ما فتح الباب أمام "أنثروبولوجي بالعربي".
"كنت بحاول أبسط على نفسي المواد اللي بدرسها، وملقتش شرح بصري أو مكتوب بطريقة بسيطة حتى لو بالإنجليزي" فاختارت فرح أن تفعل ذلك بنفسها، وحولت ما تتعلمه في المحاضرات إلى حلقات على يوتيوب عن الأنثروبولوجي باللغة العربية، معتبرة أنها فرصة لإثراء المحتوى العربي، وكذلك طريقة يتعرف بها آخرون على هذا العلم "لأنه لو كان ده متاح ليا كنت قدرت أختاره، وفعلا لما بدأت الحلقات لقيت ناس كتير عاوزو تدرسه في الجامعة".
قبل البداية، وفي مرحلة إعداد كل حلقة تسأل فرح نفسها "يعني مين معقول هيشوف فيديو عن الأنثروبولوجي" ولكنها وجدت مع نشرها للحلقة الأولى على يوتيوب مشاهدات كبيرة لم تتوقعها، ومهتمون كُثُر بالمتابعة والمعرفة"متخيلتش أنه يتشاف، وكان كل فترة يحصل حاجة تخليه يتعرف، زي لما أحمد الغندر (الدحيح) شارك واحدة من حلقاتي على صفحته" وهكذا استطاعت فرح بمجهودات ذاتية ان تقدم محتوى عن الأنثروبولوجي بلغة عربية مصرية.
"أكتر تعليق عجبني لما حد قالي أنتي بتتعلمي مع الناس وبتشاركيهم معرفتك، مش بتتعاملي معاهم من فوق" فمع كل معلومة جديدة تتعرف إليها فرح تسال نفسها كيف يمكنها أن تحولها إلى حلقة ممتعة، وتمكنت بالفعل أن تربط المعرفة الجديدة التي اكتسبتها والمفاهيم التي قد تبدو غامضة ومعقدة بأمور متعلقة بالحياة اليومية للناس، فتتحدث في الحلقات عن أفلام ومسلسلات وأبطال لهم شعبية كبيرة لتصل بهم إلى معنى جديد في الأنثروبولوجي.
من نوفمبر 2019 وحتى الآن، قدمت فرح ما يقرب من 13 حلقة، واستطاعت أن تصل مشاهدات الحلقات إلى أكثر من 40 ألف مشاهدة، تحدثت خالها عن مفهوم الأنثروبولوجيا وعلاقتها بالطعام، ومراسم الموت، وكذلك وثقافة الطعام ورد الهدية، وكل فيديو أعدته بنفسها من الإعداد للتصوير والمونتاج، وبشكل أو بآخر أهدتها تلك الفيديوهات إلى موضوع رسالتها للماجيستير.
في واحدة من الحلقات تناولت فرح الطبقة الوسطى في مصر، وقارنت بين "الباز أفندي" في فيلم "ابن حميدو" و"عبد الغفور البرعي" في مسلسل "لن أعيش في جلبل أبي" محاولة التعرف على الطريقة التي تعرف بها هذه الطبقة عن نفسها، ومن هنا اختارت أن يكون موضوع الماجيستير الخاص بها عن الطبقى الوسطى في مصر.
تعتمد رسائل الماجيستير والدكتوراة في الأنثروبولوجي على رورة إجراء البحث الميداني، وحتى تتمكن فرح من تنفيذ دراستها عليها أن تجري لقاءات مع أشخاص من الطبقة الوسطى في مصر، وكان تطبيق ذلك من الصعب حدوثه في ظل إجراءات الأغلاق التي تم تطبيقها ومنع الطيران بين البلاد، ولذلك قررت أن تنفذها عن طريق الأنثروبولوجيا التشاركية، ومن خلال ورش عمل عن طريق الإنترنت.
"كنت عاوزة أعرف مين الطبقة المتوسطة، وكنت شايفة انها طبقة مضغوطة وضاغطة على المجتمع ومشوهة وبتشوه المجتمع" فحاولت من خلال ست ورش العمل أن تتعرف على الأشخاص الذين يعتبرون أنهم منتمون لهذه الطبقة، وجمعت حكايات أفراد الطبقة المتوسطة، وتنوى نشرها على موقع غلكتروني باسم "طبق كشري: حواديت من الطبقة الوسطى" يجمع بين النصوص والفيديو والرسوم كذلك.
نالت فرح الامتياز عن رسالة الماجيستير، واستطاعت أن تحصل على الثناء من أساتذتها بالجامعة، وعادت بعدها إلى القاهرة وتنوي أن تعمل في تدريس الأنثروبولوجي بالجامعة، كما تتمنى أن تكرر تجربة الفيديو الوثائقي "الزحف على التراب" الذي أنتجته مع المصور علي زارعي حول حياة البدو الرحل في دلتا مصر، مستهدفة أن تعمل على تطوير إمكانياتها في صناعة الأفلام والتصوير، مع الاستمرار في تقديم الفيديوهات.
ترى فرح أن الأنثربولوجي ليس علم للحفظ في الأدراج، ولكن يمكن للدول والمؤسسات أن تعتمد عليه في أبسط الأمور وعند اتخاذ القرارات المتعلقة بالناس، بداية من تسكينهم في مساكن جديدة أو إنشاء مرافق لهم، كونه يساعد على فهم ثقافة الناس وطريقة حياتهم ويناقش ما يناسبهم.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا