سومية زيدان أول مدربة للحام تحت الماء.. تنتظر الفرصة
الأكثر مشاهدة
6 سنوات مرت على عملها كمدربة لحام تحت الماء واقتحامها مجال الغطس التجاري وقدرتها على أن تكون أول سيدة مصرية وعربية تدخل لمجال اللحام تحت الماء، وما زالت سومية زيدان تبحث عن فرصة تهتم بإنجازها وتستوعب قدراتها دون أن تحجب عنها العمل لأنها "امرأة"، واعتبار ذلك عائق أو عيب فيها.
سومية زيدان
كونها ابنة الإسكندرية، جعل ذلك ارتباطها بالبحر طبيعيا، إن لم يكن أمر بديهي، فهو ما تطل عليه كل يوم تستنشق نسماته وتشعر بالألفة في صحبته منذ كانت بعمر العامين، تسبح مع امواجه دون خوف وكأنه جزء منها، ويبدو أن مصيرها صار مرتبطا به أيضا، حتى وإن كان الطريق صعبا وغير ممهد والتحديات دوما في مواجهتها تمنع عنها الوصول.
دخلت سومية بسيوني زيدان كلية التكنولوجيا وأجبرها مجموعها على أن تلتحق بقسم التبريد والتكييف، وكانت سنوات الدراسة تمر ثقيلة كونها لم تكن تحب ما تدرسه ولم بكن لدها النية أن تعمل بهذا المجال، ولذلك فور تخرجها في 2014، صارت تبحث عن فرصة أخرى في مجالات مختلفة قد تستهويها.
علمت سومية بمؤتمر مجمع خدمة الصناعة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنفل البحري في الإسكندرية، فحضرت المؤتمر عسى أن تجد ما يمكن أن يناسبها، ولفت انتباهها وجود قسم "اللحام تحت الماء"، لتكون تلك واحدة من اللحظات التي تغير حياة الأشخاص بصورة كبيرة، بحثت على الإنترنت عن هذا المجال وشعرت أنه يناديها، هاتفت والدها على الفور "قولت له أنا عاوزة أقدم في القسم ده، مختلف ومفيش بنات بتدخله، قالي طالما عايزاه قدمي".
أظهر لها والدها دعمه فور أن باحت برغبتها في الدخول للقسم، الذي يعد من الأعمال الخطرة التي تتطلب مجهود بدني وتركيز عالي، ولم يسبق أن التحقت وعملت به أي سيدة في البلاد العربية والشرق الأوسط، اشتعلت روح المغامرة داخل نفس سومية، أرادت أن تكون الأولى، فاتجهت على الفور لمسئولي الورش وعبرت عن رغبتها في تعلم اللحام تحت الماء.
في البداية، كانت الخطوات تسير بسلاسة، رغم صعوبتها، فوالدها تقبل رغبتها وشجعها على أن تخوض مجال احتكره الرجال لسنوات طويلة، وجلب لها المعدات اللازمة للدخول، كما أعرب مسئولو الورش عن حماسهم لها "لما روحت لمدير مجمع الصناعات، قالي أنتي متأكدة أنه مش هيبقى تعب عليكي"، ولكنها أصرت ألا تستسلم للخوف من التجربة.
أول عربية تدخل مجال اللحام تحت الماء
"أغلب الشركات بتجيب بنات من برة مصر وترحب بيهم ويدفعوا لهم بالدولار، لكن المصريات يمنعوهم من الشغل" ليبدو أن الإنجاز الذي حققته سومية زيدان كأول سيدة عربية تدخل لمجال الغطس التجاري واللحام تحت الماء، وتعمل مدربة به، لم يغير الطريقة التي يفكر بها أغلب أصحاب الشركات.
مشوار سومية لم يكن سهلا على الإطلاق، بداية من الاختبارات التي خضعت لها لتحدد إمكانية دخولها للورشة من الأساس، والتي استطاعت أن تجتازها بنجاح من السباحة لـ 200 متر في البحر، وحتى الوقوف بثبات مع قدم ويد مرفوعة في المياه لما يقرب من 6 دقائق، إلى جانب تمارين الضغط والبطن، وحتى تمارين وتدريبات الورشة نفسها، وإلى تعليقات المستنكرين والرافضين لوجود "بنت" في هذا المجال.
وفر لها مجمع الصناعة فرصة التعلم على اللحام خارج المياه قبل بدء الورشة، وتمكنت من أن تتقنها على مدار شهر ونصف، ثم التحقت بتدريب اللحام تحت الماء، لتبدأ رحلة شاقة وغير طبيعية، ولكنها ممتعة، مع الغطس واستخدام المعدات تحت المياه والتصرف في حالات الخطر، والقدرة على اللحام، "أول مرة نزلت المياه كنت حاسة أني تايهة ومش فاهمة أنا يعمل إيه هنا؟ كأني مش عارة نفسي" لكن استطاعت سومية زيدان مع كثير من الظروف الصعبة والأجواء الداعمة من زملائها ومدربيها كذلك أن تنهي ورشة اللحام تحت الماء بتفوق.
"مكنتش عاوزة أقف، قررت استمر في التقديم على دورات تانية في مراكز خاصة" أردات سومية أن تتقن عملها الجديد، فخضعت لعدد كبير من التدريبات للغطس واللحام تحت الماء حتى تتقن كل تقنياته، وبالفعل استطاعت أن تطور من إمكانياتها متحملة كثير من الصعوبات المتعلقة باضطرارها للسفر بعيدا عن أسرتها لفترات طويلة أو التعرض لظروف طقس سيئة، وكذلك مخاطر العمل نفسه كإصابتها بـما يعرف بـ "سُكر الأعماق"، وهي حالة عقلية وجسدية تصيب الغطاسين عند عمق شديد وتجعلهم في حالة يفقدون معها السيطرة على تصرفاتهم، ولكن حسن تصرفها مكنها من النجاة.
اعتقدت سومية أن إنجازها والخبرة التي اكتسبتها وجعلتها مميزة في عملها كمدرربة للحام تحت الماء، يمكن أن يكون فرصة كي تعمل في واحدة من الشركات الكبرى لاستخراج البترول أو غيره من المشتقات في البحر، ولكن محاولاتها للتقديم والحصول على عمل تقابل دوما بالرفض لأنها "بنت"، بينما تجلب هذه الشركات عاملات أجنبيات ليؤدين نفس عمل سومية، كما تقول- ولكن ما يمنحهن الفرصة هو أنهن لسنا "مصريات".
اتجهت سومية زيدان للعمل والتخصص في مجال التدريب منذ 2015، وكانت أول سيدة مدربة للحام تحت الماء في العالم العربي، وعملت في عدد من الشركات والمؤسسات، آخرها الاتحاد المصري للغوص والانقاذ، واستطاعت أن تدرب عشرات من الأشخاص على الغطس التجاري واللحام تحت الماء، وكانوا من بلاد متفرقة من الجزائر والإمارات والسعودية "لما حد بيكون مستنكر اني بنت، بقصد أتعامل معاه أني مدربة وبعلمه مش بنت ومش عاوزة معاملة مختلفة".
رغم إمكانياتها وقصة نجاحها التي انتشرت في مختلف وسائل الإعلام، وكانت فرصة لحضورها مؤتمر شباب العالم في 2019، تواجه سومية كثير من الإحباطات والتحديات التي تعوقها من تحقيق حلمها، فحتى بعد مقابلتها للفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، في مؤتمر الشباب وأفصحت له عن تجربتها، عر عن سعادته واستعداده لمشاركتها العمل في الهيئة "لكن لما روحت الموظفين منعوني أدخل له".
يحزنها أن تأتي لها عروض العمل من الكويت والسعودية، بخلاف من يرغبون في التدرب على يديها من بلاد مختلفة واستطاعوا أن يتميزوا في عملهم، وأن تكون قصة نجاحها سبب في اقتحام فتيات أخريات لمجال اللحام تحت الماء، وقدرتها على الدخول لموسوعة جينيس في 2015 هي و300 غطاس آخر في مهمة لتنظيف قاع البحر الأحمر، تجد أنها في مصر "غير مرئية" ولا توجد جهة تدعمها.
سومية زيدان مع صغر عمرها، الذ لم يتخط الـ 26 عاما، وزواجها وإنجابها لطفلها حمزة، 4 سنوات، ورعايته، وانتقالها إلى الغردقة مع زوجها، لم تستسلم لأي ضغوط، وقادرة دوما على أن تبحث عن فرصة جديدة وطريق تشق خطواته بنفسها، معتزة بقدرتها على تحمل المسئولية والتفاني وحبها لما تعمل.
الكاتب
هدير حسن
الأحد ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا