أم كلثوم.. سيرة الحب والمجد الممتدة عبر العقود
الأكثر مشاهدة
المحتوى:
إذا أراد غريبا أن يثبت مصريته ويتحدث كأنه ابنا لهذا البلد، فلا بدّ وأن يأتي ذكر "أم كلثوم" كعاشق لها وحافظ لأغانيها، لتبدو عن جدارة مستحقة للقب "الهرم الرابع"، ومَنْ يشار لها دوما كعلامة تميز بلد صاحبة حضارة تخطت الخمسة آلاف عام، صارت هي جزء أصيل منها بصوت قوي كثيرا ما تم اعتباره "معجزة" تمكنت من خلالها اختزال المشاعر والأصالة والسحر و"العظمة" أيضا.
في كلمات تصف خروجها على المسرح، قد تتباين مدتها من الدقيقة وحتى الخمس، يبدأ المذيع في الحديث عن مكان استقبال "كوكب الشرق" وأي مسرح وفي أي محافظة ستشدو بصوتها ليلتها، يذكر أسماء بعض الحاضرين من المشهورين وأصحاب المكانات الاجتماعية والسياسية، ثم ينهل في وصف الصوت القوي الصادح ويشير للملحن والمؤلف، وما أن يلوح في الأفق موعد صعودها على المسرح، تستشعر الجلال في صوته "أيها السيدات والسادة في هذه اللحظات، ينفرج الستار عن كوكب الشرق أم كلثوم والفرقة الموسيقية..".
أم كلثوم
لا يمكن لموضوعات وأعمال درامية ووثائقيات أن تلخص سيرة أم كلثوم، والأهم أنها لن تستطيع أن تُعطي للفارق الواضح الذي أحدثه حضورها على الساحة الفنية مهما حاولت، حقه وقيمته. ما بالك إذا أردت أن تحكي سيرتها، ستبدو الكلمات دوما قاصرة وعاجزة، وتشعر كأنك تعيد ما يحفظه الجميع عن ظهر قلب، ولكن تتمنى أن يكون لك مساهمة في سرد سيرة اختلطت بتاريخ مصر وصارت لا تنفصل عنه، ونسجت فصولا من أحداثه.
السيدة التي جابت بلاد الله شرقا وغربا، واستُقبلت فيها جميعا استقبال الرؤساء والزعماء، كانت مجرد فتاة لم تتخطَ التسعة أعوام تردد الموشح الديني، الذي كان والدها يحاول أن يحفظه لأخيها الأكبر، وفوجيء أنها تتقنه وتشدو به، فلفتت موهبتها انتباهه وقرر أن يعلمها ويصحبها معه في حفلات غناء التواشيح الدينية، فهو الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي، مؤذن وإمام قريته طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية، الذي كان يلجأ للتواشيح والأداء في الحفلات كطريقة يزيد بها دخله.
في 31 ديسمبر 1898 (التاريخ الأقرب ليوم ميلادها)، أنجبت فاطمة المليجي ابنتها الصغرى "أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجي" الذي أصر والدها على أن تحمل اسم إحدى بنات الرسول، فتاة صغيرة تحب اللعب مع فتيات قريتها وتعمل أحيانا في جمع المحاصيل، حيث كان الغناء مع الجموع تسلية وطريقة لتمضية الوقت، ذهبت للكُتّاب مدة قصيرة أراد بعدها والدها أن تكتفي بها، لكن والدتها أصرت أن تستمر في التعلم على أن تحاول توفير المال الذي يضمن ذلك، فضيق ذات اليد أمر ظلت تعانيه أسرتها لسنوات.
"قالي تعالي معايا وهجبلك طبق مهلبية" هل يمكننا أن نشكر "طبق المهلبية" الذي أغرى أم كلثوم في طفولتها حتى تقتنع بالذهاب مع والدها لحضور حفل لدى شيخ البلدة؟ حين رأت انبهار الحاضرين وكان عددهم 15 "مكنوش معجبين بصوتي، قد ما كانوا مبسوطين بإني طفلة صغيرة بتغني"، وظلت من وقتها ترافق والدها وأخيها في الحفلات والموالد، "مكنتش عاوزة أكون مغنية ولا فنانة" كانت تريد فقط أن تلعب وتساعد عائلتها في زيادة دخلهم.
بعقال وملابس تشبه الأولاد، عُرفت أم كلثوم في الحفلات التي كان يصطبحها لها والدها، بعد أن دربها وعلمها على التواشيح الدينية، واهتم بحفظها للقرآن الكريم فكان صوتها القوى ونبرته الحادة لافتة دوما لانتباه الحضور، وإلى جانب العدد والأدوات التي يتجهزون بها في كل رحلة، كانت تحوطهم توصيات والدتها لوالدها فتطلب منه أن يرعاها ولا يجعلها تحتك بأحد، وتدعو لله أن يعودوا جميعا سالمين.
في خلال هذه الفترة في مصر، قبيل ثورة 1919، لم يكن غناء المرأة أمرا من السهل قبوله، والغناء بالأساس لم يكن مهنة لها وضع اجتماعي مميز أو يتم تقديرها، كما هو حادث الآن، ولذلك كان ظهورها دوما في الحفلات والموالد محفوفا بكثير من المخاطر والتداعيات التي من الممكن ألا تكون في الحسبان.
في أحد المرات ذهبت إلى إحياء حفل مع عائلتها وجدت الصوان فارغا، فهذا الشتاء والجو برودته لا تُحتمل، وتضطر العائلة إلى العودة من مشوار كلفهم المال والوقت، ومرة أخرى بعد الوصول إلى قرية تبعد عنهم الساعات لإحياء فرح، يجدو أن الحفل قد تم إلغاؤه، وثالثة يهاجمهم أحد الحاضرين- الذي كان مخمورا- بمسدس محاولا أن يجبرها أن تقول "يا ليل"، وأن تتوقف عن غناء التواشيح الدينية، حينها لم ترتعد أم كلثوم رغم صغر عمرها، تملكها العند ورفضت وواجهته "إذا كنت راجل أضرب"، أنقذهم حينها أحد المعارف، ولكن تأكد للجميع أنه لا يمكن إجبارها على فعل ما لا ترغب، وأنها صاحبة شخصية قوية وقادرة على الصمود.
تعرّض أم كلثوم لهذه المواقف وأكثر منها في أثناء جولاتها مع أسرتها في القرى والنجوع والعزب، يجعلنا ندرك عن حق أن المشوار لم يكن أبدا سهلا، وأن حضورها القوي على المسرح وآهاتها القادرة على أن تنتزع قلبك من مكانه نتج عن خبرة سنوات طويلة كافحت على مدارها أم كلثوم حتى تكون "كوكب الشرق".
"أبويا له فضل كبير قوي عليّا" تعلم أم كلثوم أنه لولا والدها ما كان يمكن لها أن تغني وتصبح واحدة من الرموز التي يشار لها كأعظم مطربات كل العصور، والسيدة التي لم تتوقف شهرتها عند الغناء والطرب ولكنها تعدت ذلك لتكون سفيرة لمصر في كل بلاد العالم، وكأنها تحمل في صوتها أحياء القاهرة وتراثها وحضارتها.
أم كلثوم في القاهرة
كان يمكن لموهبة بقدر عظمة صوت أم كلثوم أن تُنسى وتُدفن، كونها بعيدة عن العاصمة قلب الفن والشهرة وصانعة المجد، ولكن القدر أبى أن يمنع عن العالم هذه المتعة، فكانت الترتيبات دوما تقف في صفها. الشيخ أبو العلا محمد، الذي يعد واحد من أشهر ملحني القرن العشرين، ويعود له الفضل في أن يصدح صوت أم كلثوم بحرية أكبر، ففي أحد مرات رجوعها وأسرتها من حفل ما، وعلى محطة قطار السنبلاوين علمت أن أبو العلا في المكان، وأصرت على أن تلتقي به وأن تصحبه في جولة بقريتها ومنزلها، واستطاع أن يقنع والدها بالانتقال إلى مصر (القاهرة).
"كانت تستهويني القصايد من صغري"، ولذلك كان أبو العلا مطربها المفضل حتى قبل أن تلتقيه، ومع ارتحالها وأسرتها إلى القاهرة في عام 1921، بدأت مسيرتها الغنائية تتخذ شكلا أكثر احترافية، في البداية لحفلات ومناسبات محدودة، ثم أحيت حفلات في دار الأوبرا المصرية ومسرح حديقة الأزبكية، واشتهرت بغنائها لقصيدة "وحقك أنت المنى والطلب" تلحين أبو العلا التي كانت أول إسطوانة تصدرها وبيع منها ما يقرب من 18 ألف نسخة، وصارت تسجل الإسطوانات التب تبدأ بـ "الآنسة أم كلثوم"
استمر دور الشيخ أبو العلا محمد في حياة أم كلثوم لفترة طويلة، خاصة مع بدايات الاحتراف الغنائي في القاهرة، فكان بوابتها لفهم القصائد التي تحب غناءها والتعرف على شعراء وملحنين آخرين، ففي إحدى الحفلات عام 1924 قدمها إلى الشاعر أحمد رامي، الشاعر الذي رافق مشوار "الست" منذ بدايته"، ولحن لها أبو العلا قصيدته "الصب تفضحه عيونه" لأحمد رامي.
"كان يوم 24 يوليه سنة 1924، وكان يوم خميس" في أحد الحوارات الإذاعية، يتذكر الشاعر أحمدرامي اليوم الذي التقى فيه أم كلثوم بدقة، "يومها قولت لها عاوز أسمع قصيدتي، فقالت لي: أهلا سي رامي" كان واحدا ممن اعتبرتهم أم كلثوم أصحاب فضل كبير عليها، فكان يعلم بمحبتها للشعر ويجلب لها الكتب والدواوين الشعرية ليتناقشا معا حولها، وظلت تنهم القراءة في الأدب، وكان دوما أحمد رامي ومعه بيرم التونسي والشاعر أحمد شوقي هم أكثر الشعراء الذين تأثرت بهم.
في الليلة التي رحل فيها الشيخ أبو العلا من عام 1927، خيم الحزن على قلب أم كلثوم وصارت ترتجل على قدميها وتطوف شوارع القاهرة متحسرة على فقدان واحد من أكثر من أثروا في حياتها الفنية، وكان صاحب الفضل في خطواتها الاحترافية الأولى، تعرفت من خلاله على الوسط الغنائي في مصر، واهتدت إلى الطريقة التي يمكنها أن تبني عليها مشوارها الفني.
ومثل أبو العلا، كان الموسيقار والملحن محمد القصبجي، واحد من المحطات المهمة في حياة أم كلثوم، فتعلمت على يديه عزف العود، وبدأ ظهورها على المسرح يتغير ويتعدل من الشكل الصبياني للعقال والعباءة إلى الفساتين، وشكّل القصبجي فرقة موسيقية ضمت أفضل العازفين وقتها، وباتت الفرقة مصاحبة لأم كلثوم.
أشهر أغاني أم كلثوم
قبل أم كلثوم، لم تكن الساحة الفنية الغنائية مزدهرة بالشكل الذي حدث في السنوات التي تلت ظهورها، ومن أولى أغنياتها "الصب تفضحه عيونه" التي كتبها رامي ولحنها أبو العلا عام 1924، وحتى "حكم علينا الهوى" التي كتبها عبد الوهاب محمد ولحنها بليغ حمدي آخر أغنياتها في 1973، استطاعت ان تختار أشعار وكلمات أغنياتها ببراعة وثقة جعل هذه الكلمات تعيش عقودا.
ولأن كل شيء كان مرتبا بدقة، فترافق ظهور أم كلثوم مع وجود شعراء أصحاب أقلام مميزة صنعوا بها مجد فترة ليست بالهينة في هذا البلد، وتعاونهم مع "كوكب الشرق" منح لكلماتهم خلودا أبديا، وكان أهم وأبرز من تعاونت معهم، بخلاف أحمد رامي، كان يأتي دوما ذكر بيرم التونسي على لسانها كواحد من أكثر الشعراء الذين احبت التعامل معهم وتعلمت منهم، كما كتب لها مأمون الشناوي وعبد الوهاب محمد، وغنت لإبراهيم ناجي وأحمد شفيق كامل ونزار قباني ومرسي جميل عزيز ومحمود حسن إسماعيل وعبد الفتاح مصطفى وطاهر أبو فاشا.
وكان دوما يلزم الكلمات لحنا عبقريا، فلحن لها عمالقة هذا العصر من رياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد عبد الوهاب، فعاشت أعمالها يتغنى بها عاشقيها ويحفظون أغنياتها الفصحى قبل العامية عن ظهر قلب، يرددون معها الكلمة بالكمة والعُربة أيضا ويسبب ظهورها- حتى الآن- بهجة وحنينا، فيرددون "إزاي تقول أنساك واتحول وأنا حبي ليك أكتر من الأول"، أو يهيمون "ليه نضيع عمرنا هجر وخصام وإحنا نقدر نخلق الدنيا الجميلة"، و"أولى بهذا القلب أن يخفق وفي ضرام الحب أن يُحرق ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى وأن أعشق".
من يمكنه أن ينسى "الأطلال" الأغنية التي حملت مشاعر الحب وأحلامه وآهاته ولوعته، غنتها أم كلثوم بعد رحيل إبراهيم ناجي بأكثر من 13 عاما، بعد ان ضمت لها أبياتا أخرى من قصيدة تحمل اسم "الوداع"، ولحنها لها رياض السنباطي، فتخلد "الست" مشاعر الحب التي عاشها ناجي مع فتاة قررت أن تتركه وتتزوج بغيره عندما ذهب لدراسة الطب، وجمعته الصدفة بها حين قام بتوليدها، فكتب هذه الأبيات، التي تم جمعها بأخرى ووصلت إلى 125 بيتا، بدل الشاعر أحمد رامي بعضها، وصدحت بها أم كلثوم في عام 1965.
ولا يمكن بأي حال حصر الحديث عن أغاني أم كلثوم في موضوع واحد، وهي من غنت للحب والوطن، وبالعامية والفصحى فتركت لنا "أراك عصي الدمع" و"زارني طيفك في المنام" و"عيني فيها الدموع" و"أنشودة الربيع" و"حبيبي يسعد أوقاته" و"أغدا ألقاك"، وغيرهم ما يقرب من 300 أغنية على مدار أربعين عاما، غير أنها "مع إيمانها بالتخصص" قامت بتلحين أغنيتين لها بنفسها هما "على عيني الهجر" من كلمات أحمد رامي و"ياريتني كنت النسيم" ولم تكرر التجربة ثانية.
مع مرور السنوات التي أكسبتها الخبرة والقوة، كانت تتحدد ملامح الشخصية التي ترغب دوما أم كلثوم أن تُظهرها للجميع، محافظة على صور عامة شديدة الحرص والذكاء والتحفظ، "ست" قوية قادرة على أن تتغنى بكلمات الحب وتعبر عنها بأبهى صوره، ولكنها تبدو وكأنها تغني لنا نحن وتعبر عنا، ولا تشعر أنها مرت بما تغنيه، فلا هي التاعت من هجرة محبوب أو فراق، ولا هي غارقة في الهيام.
في الحفلات يسمعها الجهور في القاعة، ويردد وراء كل أهة منها أو عُربة متغزلا في جمال ما يسمع "عظمة على عظمة ياست"، أو يخبرها أحدهم "أنا جايلك من طنطا"، أو يعقب ثالث "الله أكبر"، مع سيل من التصفيق المستمر الذي كانت تسكته بحركة من يدها تملؤها الثقة والقوة، لتعيد وصلتها مرة أخرى وتدير الحفل بطريقتها.
أفلام أم كلثوم
قدمت أم كلثوم للسينما ستة افلام، أولها فيلم "وداد" الذي أخرجه مخرج ألماني هو فريتز كرامب وتم إنتاجه عام 1935، وفيلم "نشيد الأمل" الغنائي الذي أخرجه أحمد بدرخان عام 1937، وفيلم "دنانير" الذي شاركخا بطولته سليمان نجيب وعباس فارس وأخرجه أحمد بدرخان وتم إنتاجه عام 1940، وفيلم "عايدة" الذي كتبه وأخرجه أحمد بدرخان وشاركها بطولته إبراهيم حمودة ومن إنتاج عام 1942، وفيلم "سلامة" الذي تم إنتاجه في 1944 من قصة للكاتب علي أحمد باكثير وإخراج توجو مزراحي، وآخرها "فاطمة" الذي كتبه مصطفى أمين وأخرجه أحمد بدرخان في عام 1947، ويقال إنها قامت بتسجيل أغنيات مسلسل "رابعة العدوية" الإذاعي في فترة الخمسينات.
مراحل مهمة في حياة أم كلثوم
مرّت حياة أم كلثوم الفنية والشخصية بكثير من المراحل المهمة، فمع افتتاح الإذاعة المصرية كانت أول من غنى بها عام 1934، كما عملت على تأسيس نقابة للموسيقين في عام 1943 وتولت رئاستها لما يقرب العشر سنوات، ولكن بعد ثورة يوليو واجهت أم كلثوم بعض الصعاب، حين قام البعض بالتعامل معها على أنها "مطربة العهد البائد" وأرادوا أن يزيحوا وجودها من المشهد الفني، فتم منع إذاعة أغانيها في الراديو، وإبعادها عن منصبها كنقيبة للموسيقيين.
وقتها، عمل جمال عبد الناصر على تصحيح الوضع، خاصة بعد أن قررت "ثومة" الاعتزال، فتمت محاولات تهدئة الأوضاع وإثبات أن ما حدث هو قرار فردي لا ينم عن ما يرغب به "مجلس قيادة الثورة"، وبالفعل عادت أم كلثوم مع احتفاظها بمكانتها، واستطاعت بعد وقوع النكسة في يونيو 1967 أن تكون مساندة للجيش المصري، وطافت العالم العربي تقيم الحفلات وتجمع التبرعات.
غنت أم كلثوم في بلاد الوطن العربي من الخليج للمحيط، وتركت شوارعا تحمل اسما في أغلب البلاد العربية، وكانت حفلاتها الوحيدة في أوروبا، حين استقبلها مسرح الأولمبيا بباريس على مدى ليلتين في 13 و15 نوفمبر عام 1967، وهو المسرح الذي شهد محاولات واحد من الجماهير الصعود للمسرح لتقبيل قدميها، مما تسبب في سقوطها، وتعتبر زيارتها لفرنسا واحدة من الزيارات التاريخية لدرجة أنه كانت واحدة من ثلاث مغنيين حفروا ذكراهم في مسرح الأولمبيا.
تعرضت أم كلثوم عام 1954 للإصابة بمرض الغدة الدرقية، واضطرت إلى تقليل حفلاتها، وكانت تظهر مرتدية نظارة سوداء تُخفي بها تأثير المرض على عينيها، وهو نفس العام الذي تزوجت به من الدكتور حسن السيد الحفناوي، وهي الزيجة الوحيدة التي نعرف بها، رغم تردد أقاويل أن هناك زيجات أو زيجة واحدة على الأقل سبقتها، ولكنها مجرد تكهنات لم يثبتها أحد، ليظهر حرص أم كلثوم الشديد على حياتها الشخصية.
جوائز أم كلثوم
بالطبع، كان لأم كلثوم نصيب من الجوائز وشهادات التكريم والتقدير، فتم انتخابها عام 1953 كعضو شرفي في جمعية مار توين العالمية، كما حصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1962، ومنحتها الحكومة العراقية وسام الرافدين عام 1946، والذي كان يعد أعلى وسام في الدولة، ونالت وسام الأرز من رئيس الوزراء اللبناني عام 1959، وتم منحها وسام النهضة من ملك الأردن عام 1975 ووسام الجمهورية من تونس عام 1968.
بخلاف الجوائز، نالت أم كلثوم- بالتأكيد- محبة الجماهير من أنحاء العالم كافة، فمنحوها ألقابا عدة وقالوا "شمس الأصيل، الست، صاحبة العصمة، كوكب الشرق، فنانة الشعب"، واعتبر الملحن محمد الموجي أن "صوتها يكفل الحياة لأي لحن"، وقال عنها الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول "لقد لمست بصوتك العظيم قلبي وقلوب الفرنسيين جميعا"، واعتبر المؤلف الموسيقي الإنجليزي دينيس جراي أن "صوت أم كلثوم فيه عمق حضارة الشرق، وهو تلخيص لتاريخ الحضارة الموسيقية الرفيعة التي انطلقت عن طريق علماء وفناني العرب إلى أوروبا"، وخلد كثيرون في أعمال درامية وكتب وأفلام ومسلسلات مسيرتها الفنية.
وفاة أم كلثوم
كان رحيلها مؤلما، فبعد معاناتها مع مرض التهاب الكلى الذي اكتشفته أثناء محاولة تسجيلها لأغنية "أوقاتي بتحلو معاك"، وظلت تعاني منه لسنوات تتلقى العلاج وانقطعت عن الحفلات، حتى تلقى الجميع خبر وفاتها في الرابعة من مساء يوم 3 فبراير 1975، وشُيعت جنازتها من مسجد عمر مكرم، وسط حضور جماهيري وصل إلى 4 ملايين شخص يحاولون حمل نعش "الست" قبل أن تذهب إلى مثواها الأخير، وينعون معها رحيل جزء من ذاكرتهم وتاريخهم وحضارتهم.
ورغم الرحيل، الذي مرّ عليه أكثر ما يقترب من نصف قرن، ما زال محبوها ينتظرون طلتها كل ليلة خميس على إذاعة الأغاني، ويحاول آخرون تجسيد طلتها المهيبة وحضورها المجلجل بتقنيات الهولوجرام في حفلات يحضرها الآلاف على مختلف مسارح الوطن العربي.
الكاتب
احكي
الثلاثاء ١٩ يناير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا