زينة يازجي إعلامية سورية حاورت الكبار ويعنيها الإنسان
الأكثر مشاهدة
الإعلامية السورية زينة يازجي صاحبة المشوار المهني الطويل، الذي كان دوما محفوفا بمخاطر التعامل مع واقع عربي متأزم، محاولة على طول الطريق الارتكان إلى المهنية والوضح، ورافضة لكل ما لا يمثلها. صنعت زينة مسيرتها المهنية بالثقة والأمل، تسلحت بالمعرفة وكرهت الجهل والحرب، وكان الإنسان دوما هو همها الأول، فصار المشاهدون ينتظرون حضورها، مهما غاب.
المذيعة زينة يازجي
لأب طبيب وأم معلمة في السوربون، ولدت أصغر شقيقاتها زينة يازجي في 2 أبريل لعام 1975 في مدينة اللاذقية بسوريا، وهي المدينة التي عاشت بها طفولتها ومراهقتها وإلى الآن تتذكر تفاصيل الحياة بها، تقول عنها "اللاذقية تحمل الذكريات الحلوة، فهي نموذج لنجاح مغمور، وأولاد البحر الذين كان يملكون طموحا، ولكن تعرضوا للظلم ولم يروا الضوء"، متألمة دوما أن تفقد مدينتها بريقها بسبب حروب وصراعات سياسية.
في مدينتها، درست زينة المراحل الأولى من التعليم، وكان دوما يشغلها الوضع الإنساني لكل المقهورين حول العالم، رافضة أن يُهان أحدهم أو يُترك آخر دون رد الظلم عنه، فقررت في عمر المراهقة أن تكون المحاماة هي مهنتها "كان حلمي صير (أصبح) محامية، كنت مقتنعة أنه لازم حدا يوقف (يساند) مع العالم"، متأملة ان تملك القدرة على أن تدفع القهر والظلم عن الآخرين.
لم يتحقق لزينة حلم الطفولة بدراسة المحاماة، والتحقت بجامعة تشرين في سوريا وحصلت منها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ولكنها لم تغفل حلمها في أن تكون صوتا للناس، فكان الإعلام ودراسة الصحافة هو الطريق الأقرب "اتجهت للإعلام كونه أقرب شيء للتعامل مع المشكلة وتوصيل صوت الناس.. بيخليكي تسمعي صوت العالم وتتعرفي عليه من دون ما تكوني محصورة بدائرة معينة"، فدرست الصحافة في الجامعة الأمريكية اللبنانية.
واختبرت مع انتقالها إلى لبنان تجربة مختلفة من السعي نحو هدف وضعته لنفسها، واستطاعت أن تلمس مدى قدرتها على أن تعيش مغتربة عن بلدها تتعامل مع مجتمع جديد وتكتشف نفسها. بعد حصولها على شهادة البكالوريوس، انضمت زينة يازجي إلى وكالة رويترز وكانت تعمل كمراسلة، ومنها إلى وكالية أسوشيتد برس، وتمكنت من خلال هذه التجارب أن تحتك بالواقع العملي للصحافة وتتعلم المهنية.
انتقلت بعدها زينة إلى العمل بشبكة سي إن بي سي السورية، ثم انتقلت إلى التلفزيون السوري "اتعلمت فيه أشوف الأخبار من وجهة نظر إخبارية بعيدة عن كوني مواطنة سورية محتكة بالأحداث"، واستطاعت على مدار هذه السنوات أن تكتسب الخبرة وتصقل مهارتها وشغفها بمساعدة الناس والدفاع عنهم بمزيد من المعرفة والمهنية، حتى تمكنت من أن تلتحق بقناة العربية في عام 2003.
على قناة العربية، قدمت زينة يازجي نشرة أخبار التاسعة لما يقترب من 8 سنوات، وهي النشرة الأساسية التي استطاعت أن تحقق نسب مشاهدة عالية وبدأ الجمهور يتعرف عليها ويهتم يمتابعتها. ولم تكتف زينة بمهمة متابعة الأخبار في النشرة اليومية، ولكنها ساهمت في تغطية كثير من الأحداث الكبرى على مستوى العالم العربي، فتناولت في تقارير مباشرة أحداث الحرب على العراق، والحرب في لبنان، والتغيرات التي شهدتها مصر وتونس.
مع وقوع أحداث الحرب في سوريا عام 2011، حين تصاعد الغضب الشعبي وانفجر معه كل شيء في سوريا والعالم العربي كذلك، وشعرت زينة أن سياسة قناة العربية تجاه القضية السورية لا تناسبها، كونها تمتلك قناعات شخصية رأت أنها لن تتوافق مع طريقة عرض القناة للاضطرابات التي يشتعل بها الشارع السوري، فقدمت استقالتها وانسحبت من المشهد الإعلامي لفترة، غير مُرتاحة أن تتعرض بلدها للضغوط ويتشتت السوريون.
محطتها التالية، كانت قناة دبي، حيث أعدت وعملت على تقديم برنامجها "الشارع العربي"، وهو البرنامج الذي حاورت من خلاله رجال السياسة وصناع القرار من كل بلاد العالم العربي، تواجههم بالحقائق وتؤكد على أنها "لن ننحاز إلا للناس"، وبالفعل تمكن البرنامج من أن يحظى بشعبية كبيرة وكانت تملك زينة مساحة واسعة من الحرية والجرأة في طرح السؤال والمناقشة والوقوف على الحقائق.
استكملت زينة يازجي سلسلة برامجها الحوارية السياسية، فقدمت على تلفزيون دبي برنامجا آخر حمل اسم "وجها لوجه"، وفي عام 2014، انتقلت إلى قناة سكاي نيوز عربية ببرنامج "بصراحة"، ولكن لم يتم إمهالها الفرصة كاملة لتقدم من خلاله حصيلة خبرتها في مجال الحوارات السياسية، فقررت الإدارة وقف البرنامج دون أن يكون هناك أسباب واضحة.
ولأنها تحمل الهم السوري على عاتقها، وكانت معاناة أهل سوريا تؤلمها بعد شتات لم يكن في الحسبان وآلام لم تتوقف على وطن يضيع وأبنائه لاجئين في كل بقاع الأرض، قررت زينة يازجي أن تقدم برنامج يركز على ما استطاع السوريون اللاجئون أن ينجزوه رغم صعوبة الحياة التي يعيشونها، فعادت على قناة سكاي نيوز عربية تقدم برنامجها "يوميات اللجوء السوري" الذي التقت من خلاله بأهل سوريا في المخيمات بالبلاد العربية، تركز على نجاحاتهم رغم ما يمرون به.
"ما في أصعب من شعور اللاجيء" من خلال البرنامج اقتربت زينة يازجي من المعاناة اليومية لتي يعيشها السوريون اللاجئون، ويبدو انه كان بوابتها ليتم تعيينها مستشارة إعلامية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين "في هذه الوظيفة جمعت بين الهم الإعلامي والهم الإنساني"، فعملت من خلال منصبها على نصرة قضايا اللاجئين من كل جنسيات العالم.
ومن منطلق مهام منصبها، تمكنت من إطلاق عدد من الحملات مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر، فأطلقت حملتها "تحدى السنة الجديدة" للحث على مساعدة اللاجئين، وفي 2018 قدمت حملة تفاعلية بعناوان "ما بنسى مدرستي" شارك فيها المؤثرون والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي متذكرين مواقفهم في أثناء الدراسة، كطريقة غير مباشرة لمساعدة الأطفال اللاجئين على الالتحاق بالمدرسة، وكانت محاولاتها تركز على التذكير بقضايا اللاجئين المنسية.
وفي أكتوبر 2018، بدأت برنامج "الخديعة" الحواري على قناة أبو ظبي، واهتمت من خلال لقاءات البرنامج أن تركز على تشريح فكر التنظيمات الدينية المتطرفة، وتتناول اتجاهاتهم ورؤيتهم حول الفن وقضايا المرأة والأعمال، وبعد توقف بسبب ما أحدثه انتشار فيروس كورونا وما أتبعه ذلك من ضرورة اتباع الإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي.
وكانت عودة زينة يازجي مؤخرا من خلال برنامجها "دائرة الشرق"، الذي تقدمه على قناة الشرق التي تم إطلاقها في نوفمبر 2020، موضحة أن البرنامج فكرتها، كونه يركز على تناول الخبر من جميع زواياه ويقدمه بصورة تحليلية مفصلة لا تعرض الرأي ولكن تفند الحقائق وتهضم الوقائع، مؤكدة على أنها تسعى من خلال البرنامج أن تقدم خلاصة تجربتها الإعلامية.
"متأكدة أن مهنة الإعلام هي قدري" تعلم زينة يازجي أنه ما كان لها إلا أن تعمل في مهنة تقوم على نقل الخبر والاحتكاك بالناس، وكونت وجهة نظر ومبدأ واضح تمكنت من خلاله أن تكتسب ثقة واحترام الجمهور والمتابعين، فعلى مدار مسيرة تقترب من عشرين عاما استطاعت خلالها أن تحاور كبار رجال السياسة ورؤساء الدول، فالتقت بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وجورج بوش، وغيرهم عشرات من الشخصيات العامة.
وتتذكر لقاءها مع الزعيم الروسي جورباتشوف، وأمنياته حول أن يتذكره التاريخ كـ "رجل طيب"، مستخلصة من مهنتها التي جعلتها تر العالم بوجة نظر أكثر اتساعا، أن الإعلامي الناجح هو "الذي يتبع طريقا مستقيما، ويقاوم إغراء سهولة الطرق الأخرى، وأن يؤمن بما يقدمه، ويحاول اكتشاف الجديد والاستمرار في طلب العلم والمعرفة"، مشيرة إلى أن أسعد أوقات عملها بالإلعلام حين كانت على تواصل مع الشارع العربي " الآن جزء كبير من الشارع العربي خارج الإعلام، فليس مهمة الإعلام أن يكون جزء من المعركة لكن يجب أن يكون صوت المواطن"
زينة يازجي وعابد فهد
"شكرا يا عابد.. أنك شريك آمنت أنه النجاح أحلى وأكبر بجناحين" فزينة يازجي وزوجها الممثل السوري عابد فهد دوما ما يُمظر لهما على أنهما ثنائي ناجح ومحبوب، فكل منهما داعم ومشجع للآخر منذ زواجهما الذي اقترب من عامه العشرين، وبعد أن حظيا بطفليهما ليونا وتيم.
يتبادل الزوجان دوما الآراء حول الأعمال التي يقدمها كل منهما، في كل حفل سينمائي وفتي تقف زينة إلى جوار عابد وتحمل ايتسامة محبة على وجهها، ومع كل جائزة تنالها يقف عابد ليصورها وهي تتسلمها، في لحظات إنسانية باتت ندرتها تجعل حدوثها من عجيب الأمر.
نالت زينة عن مشوارها المهني جائزة أفضل صحفية من إم سي الدولية عام 2013، وفي العام نفسه ضمتها مجلة أرابيان بيزنس ضمن قائمتها لأقوى 100 امرأة عربية، كما نالت جائزة المرأة العربية عام 2015، وجائزة البياف كأفضل إعلامية عام 2017.
بعيدا عن عملها الإعلامي تهوى زينة يازجي عزف البيانو، وتتمنى لبلدها سوريا الأمان والاستقرار "وأتمنى نرجع نلاقي حالنا، وكل سوري يلتقي بنفسه وبماضيه وحاضره ومستقبله، ويطمئن على أبنائه وأنه وطنه محصن.. نرجع نتذكر أننا ولاد بلد واحد وننسى العداء والدم"
الكاتب
هدير حسن
السبت ٢٠ فبراير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا