أميرة عيد تربط الحرف اليدوية بالتراث في ”وصال”
الأكثر مشاهدة
بعد محاولات مع السياسة والاقتصاد، وسلك طرق تحاول أن تكتشف من خلالها نفسها، أدركت أميرة عيد أنها مشغولة بالتاريخ وتنمية المجتمع، وما يمكن أن يربط التراث والحضارة بالغناء والفن والرسم، فاهتمت أن تعرف كيف عاشت حرف يدوية لسنوات طويلة، وما الذي يمكن أن يجعل الناس متواصلين مع تراثهم، فأطقلت مشروعها "مدرسة وصال لتعليم الحرف اليدوية" لتبقى الحرفة كمهنة وفكرة لا يمكن لها أن تزول أو تندثر.
الحرف اليدوية في مصر لم تكن يوما مجرد مهارة يتقنها صاحبها ويورثها لأبنائه، أو تندثر معه في حالات كثيرة، ولكنها تتخطى ذلك فهي جزء من تاريخنا وثقافتنا، فكل مكان في مصر له حرفة تنطق بطبيعة سكانه وهويتهم، وتحكي عن عصور مرّت وتركت أثرها واضحا جليا، ولكن معاناة هذه الحرف من أجل الاستمرار، وأن يعي من يجيدها أهميتها وضرورة التعرف على تاريخها، هو ما جعل أميرة عيدة تفكر في ربط الحرفة بالمكان والتاريخ.
أميرة عيد
بدت أميرة فتاة مهتمة بالتاريخ تحب تفاصيله وتستمتع بالتعرف على خباياه، تشاهد عن الأحداث والشخصيات كثير من الأفلام الوثائقية والعروض الفنية، وعندما حان وقت التحاقها بالجامعة، كانت تتمنى أن يكون لديها فرصة الدراسة في كلية الآثار وتحديدا قسم الإرشاد السياحي، ولكن بسبب دراستها بالإنجليزية في المراحل التعليمية السابقة، كونها كانت طالبة بإحدى مدارس الراهبات، لم تتمكن من تحقيق حلمها، فكلية الآثار تُدرس باللغة العربية فقط، ولا يوجد بها قسم للغة الإنجليزية
"بدأت أدور عن الكلية اللي ليها علاقة بالتاريخ، ومتاح فيه قسم إنجليزي، فكانت سياسة واقتصاد أقرب حاجة" والتحقت اميرة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واكتشفت أن فرصتها في التعرف على التاريخ من أكثر من منظور علمي صارت أفضل "الكلية بتفتح دماغك، وتوفر لك فرص كتير.. وكنت مهتمة بالمواد اللي بتربط بين علم الاجتماع وعلم السياسة والفلسفة".
لم يتوقف الأمر عند مجرد الاستمتاع بمنهج دراسي يبدو شيق وممتع وقادر على أن يشبع فضولها تجاه التاريخ ومدى ارتباطه بأحداث حالة وتأثيره عليها، ولكنها بدأت تعي أهمية الفنون والتراث في صنع الحضارات وما يمكن أن تفعله في الواقع اليومي للناس، "ودكتورة نادية أبو غازي (الأستاذة بقسم العلوم السياسية) كانت قدوتي وهي اللي خلتني أحب الفنون وأفهم علاقتها بالناس"، وكان مشروع تخرجها حول علاقة موسيقى الراب بمفهوم المقاومة.
كان واضحا لأميرة أنها تعلقت بسرد التاريخ وقصصه واستوعبت أن مستقبلها لا بدّ أن يكون له صلة بالتراث والحضارة، فبعد التخرج في الكلية في 2016 بدأت تبحث عن ما يمكن أن يكون له علاقة بتنمية المجتمع، فخضعت لفترة تدريب بلغت العام داخل إحدى الجمعيات التابعة للمجلس الثقافي البريطاني حول المواطنة الفعالة، ثم اتجهت لكتابة التقارير والاستشارات التنموية في عدد من الجمعيات والمؤسسات، وعملت في مدينة زويل وEntreprenelle.
مدرسة وصال للحرف اليدوية
في يوليو 2020، أسست أميرة عيد مدرسة وصال للحرف اليدوية Wessal Community School، ولكن سبق هذا التاريخ سنوات سابقة من تطوير الفكرة والعمل على بلورتها، "الفكرة بدأت من 2017، وقتها كنت عاوزة أعمل مشروع ليه علاقة بالتاريخ والتراث"، وتعرفت على مسابقة أطلقتها مبادرة E- Youth بالتعاون مع المعونة الأمريكية هدفها تمكسن الشباب رواد الأعمال أصحاب المشروعات الصغيرة.
اشتركت أميرة في المسابقة بفكرة "مكان"- هكذا كان اسم المشروع في البداية- الذي يركز على توعبة الجمهور بالثقافة والتراث ومدى أعمية الحفاظ عليها، وكانت تنوي أن يقدم المشروع تدريبات توعية مجانية أن يكون جزء من عمله تنظيم ورش حرف يدوية، واستطاعت من بين 30 مشروعا حول التعليم والتكنولوجيا أن تصل بمشروعها للمراكز العشرة الأولى.
بعد الانتهاء من المسابقة، وتعرفت أميرة على مباديء التسويق والمحاسبة ودراسة الجدوى للمشروعات الصغيرة، وكيفية الحصول على تمويل وإدارة الموارد، ولكن ظلت لفترة تحاول بدء مشروعها بشكل فعلي "دايما كان السائد أنه الحرف اليدوية مش مروعات بتجيب فلوس"، فحاولت بعدها دراسة التسويق حتى تتمكن من استغلال فكرتها في تحقيق ربح وتنمية مجتمعات الحرف اليدوية.
وانتقلت بعدها من وظيفة إلى أخرى، وفي ظل ذلك التحقت في 2019 بمسابقة نظمتها وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع منظمة اليونيسكو للحفاظ على التراث اللامادي، من الحرف والأساطير والطعام والعادات، وتعلمت في المسابقة كيف يكون لمشروعها رؤسة واضحة "ساعدوني كتير أطور الفكرة وأشتغل عليها"، واستطاعت أن تحصل على المركز الثالث في المسابقة.
صار اسم المشروع "وصال"، وبات جليا لأميرة أن مشروعها هو مكان يوفر التدريبات للمهتمين بالحرف اليدوية ويربطها بالتراث والتاريخ، وأن يكون لكل حرفة نمط تاريخي مرتبط بحي أو منطقة أو معلم، "وحسيت أن اسم وصال هو الأنسب، كأنه بيوصل التراث بالناس اللي عاوزين يكملوا فيه ويسردوه بطريقة مختلفة"، وعملت على أن تكون التدريبات عبارة عن رحلات يخرج منها المشتركون متشبعون بصريا بمجموعة من الموتيفات بتكون تصميماتهم لها رؤية واضحة.
"هدفنا تنظيم رحلات في كل تدريب للأماكن التاريخية والتراثية، والمشتركين بيصوروا بنفسهم المكان وبيطلعوا منه رؤية للتصميم بتاعهم" واستطاعت المدرسة أن تنظم أول تدريب في شهر سبتمبر 2020، وداخل التدريب يتعلم المشتركون أساس الحرفة والأدوات التي يتم استخدامها، وتنفذ التصميمات من خلال الجولة الحقيقية في المكان المتعلق بالحرفة، كمصر القديمة أو قاهرة المعز بمساجدها ومعمارها.
من الممكن أن يتعرف المشترك على أصول التطريز أو صناعة الجلود والمكرمية والحلي "ناس كتير بتعمل حرف يدوية لكن مش كتير بيربطوها بالتراث.. وبنستهدف شخص مهتم بالحرفة، مش عاوز يتعلمها في يوم واحد وخلاص"، وتعمل المدرسة على تقديم تدريبات للمبتدئين والمحترفين، ويساعد من يريدون أن يطلقوا علامات تجارية مبنية على الحرفة اليدوية التي يريدون إتقانها ويؤسسون مشروعاتهم، فتمدهم الورش بالأدوات والتصوير المحترف المنتجات، كما تقدم المدرسة دعم في مراحل الإنتاج والتسويق.
تنظم المدرسة عدد من الورش المختصة بكل حرفة، وتنوي أميرة أن تغطي الحرف على مستوى جمهورية مصر من الإسكندرية للصعيد، وتنظيم تدريبات مع منظمات ومبادرات متعددة منها مخيمات للأطفال، بهدف أن يكون للحرفة اليدوية هعلاقة متأصلة بالتراث، ويتمن كل صاحب رغبة في أن يبدأ مشروعه في هذا المجال أن تعمل المدرسة على إتاحة الفرصة وتوفير الأدوات وأماكن شرائها والحصول على أعلى التدريبات، حتى يكون المشوار أسهل.
تنوي أميرة عيد أن تستقيل وتترك عملها اليومي في واحدة من منظمات المجتمع المدني لتتفرغ لـ "وصال"، خاصة مع وجود مقر مخصص ومكتب لإقامة الورش والفعاليات الخاصة بالمدرسة، "لما لقيت أنه وصال بتكبر والدنيا مستمرة، قررت اسيب الشغل لأنه إدارة المشروع مع شغل يومي صعبة ومكنتش بنام"، متمنية أن تكون مدرسة وصال قادرة على الوصول إلى المهتمين بالحرف اليدوية في جميع محافظات مصر، وأن تصدر منتجات المشتركين للخارج وتعرضها في بازارات عالمية.
من الممكن أن تبدو أميرة عيد غير متقنة للحرف اليدوية، ولكنها تعي أهميتها كتراث قومي، وقررت أن تحافظ عليها بمشروع يستهدف استمرارية وجودها وتقدم للمهتمين بها الفرصة لتعلمها على أصولها ومحاولة التكسب والربح منها. تفرغت أميرة لحلمها وتعمل على تحقيقه برأس مال متواضع لكنها تثق في قدرة المشروع على أن يحقق ما تسعى له.
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا