نانسي عجرم مسيرة فنية ذكية صنعتها بضحكة شقية
الأكثر مشاهدة
بعد سهرة لطيفة أو خروجة مسائية مميزة، تقف الفتاة أمام المرآة لتزيل المكياج عن عينيها ووجهها، وتجد نفسها تغني بكل عفوية ودون قصد حقيقي منها "يا سلام يا سلام.. قد إيه حلو الغرام"، ثم تتساءل هل تفعل أخريات مثلي كلما أزالن المكياج عن وجوههن تذكرن نانسي عجرم؟ يبدو موقفا بسيطا ولكنه ليس عاديا، ويلخص مشوار طويل اجتهدت نانسي عجرم في كل خطواته حتى تحقق نجاحا يتمنى كل فنان أن يحقق بعضا منه.
سيرة نانسي عجرم
من يوم احترافها الغناء في عام 1998، وقت كانت طفلة في الخامسة عشر من عمرها، وحتى آخر ظهور لها على المسرح، ظل أهم ما يميزها هو أنها "قريبة" من الجمهور، خاصة جيل الثمانينات والتسعينات الذي رأها تكبر معه وتتخذ خطواتها في الحياة كما يفعل، فلاحظ سنوات نشاطها الأولى بضحكة طفولية غير عابئة، وأوقات وقوعها في الحب، ثم الزواج والأطفال، ومراحل النضوج، فشعر معها أنها "منه" تعبر عنه وتعيش مثله، حتى وإن كانت هي نفسها نانسي عجرم الفنانة المشهورة التي غيرت شكل الأغنية والفيديو كليب في العالم العربي.
في "الأشرفية" إحدى ضواحي بيروت، ولدت نانسي في 16 مايو عام 1983 والدها نبيل عجرم ووالدتها ريموندا عون، هي الابنة الأولى والفتاة الأكبر بين أخواتها نبيل ونادين، يتذكر والدها حين كان عمرها لم يبلغ العامين بعد ويحملها على كتفه، يهدهدها بنغمة ويسكت ليجدها ترددها من بعده، انبهر وقتها بفتاته الصغيرة ومع مرور سنوات عمرها أمامه علم أنها تملك موهبة يجب أن يراعيها.
في الذهاب والرجعة، وهي تلعب أو تدرس وحتى مع جدتها، كانت نانسي تغني، فقرر والدها الذي لم يكن له صلة بالغناء والفن أن تكون ابنته واحدة من فنانات لبنان، فيبحث عن مكتشفين ومتبنين لموهبتها وشركات إنتاج تدعمها، وبدأت منذ كانت في الثامنة من عمرها تحمل موهبتها وصوتها الناعم تنشر بهما فرحا ومتعة في الحفلات، واعتادت بهذا العمر الصغير على البروفات والتمارين والاستعدادات.
"صار بيّ (والدي) يجهزني لحفلة كل يوم سبت، ومن يوم الاتنين عض أظافيري من القلق، وأجهز بالبروفة نهار الخميس" لا يبدو تحمّل المسئولية والانشغال والقلق أمر يناسب الاطفال، لكن نانسي عجرم اختبرته مبكرا جدا، فمنذ ظهورها الأول على المسرح تغني أمام الجمهور بعمر الـ 8 سنوات "نقيلي أحلى زهرة.. يا فراشة نقيلي"، وهي لديها "هاجس" هل سيعجب بها الجمهور؟ هل سيحبون ما تغنيه؟ "كنت بفكر أنه بدي بس تخلص الحفلة يكونوا مبسوطين ويقولوا هي البنت شاطرة".
بالنسبة لكثيرين قد تبدو نانسي عجرم نجمة لمعت منذ اللحظة الأولى، ولكنهم لا يدركون أنها فقدت طفولتها ولم تستمتع بمراهقتها، كان والدها يريد لها النجاح فصار يحملها أكثر مما تطيق "ما كان المشوار هيّن أبدا.. شي صعب على طفلة يكون عندها الرغبة في أنه كل شي يصير مظبوط وتحمل الهم"، لم تعرف اللعب فقط غناء حفلات ومحاولات لأن تثبت نفسها، حتى مشاركتها في برنامج "نجوم المستقبل" على قناة المستقبل اللبنانية، وهي بعمر 11 عاما، التي فازت فيها بالميدالية الذهبية بعد أدائها أغنية لأم كلثوم.
سبقت نانسي عجرم موهبتها بخطوات كبيرة اجتهدت في تحقيقها، وتعلمت على يد موسيقيين بسعي من والدها، الذي رغم غضبها منه حينها كونه لم يترك لها فرصة أن تستمتع بمراحل عمرها كما هي "ما كان يفكر في شي غير أنه يخلي مني نجمة وفنانة"، ولكنها الآن تشكر له أنه جعلها تمر بهذه التجربة الكبيرة من صغرها، وأن إصراره ورغبته في إظهار موهبتها كان له دور كبير في نجوميتها لاحقا.
أغاني نانسي عجرم
قبل أن تتم الثامنة عشر من عمرها، حصلت نانسي على عضوية استثنائية بنقابة الموسيقيين اللبنانيين المحترفين، بعد أن درست الغناء والطرب على يد الموسيقي اللبناني فؤاد عواد، وصدر لها أغنيتان منفردتان "حبك علم قلبي الغيرة"، و"قولها كلمة عشاني"، وفي عام 1998 تعاونت نانسي مع عصام زغيب وشاكر الموجي وكمال الطويل ودسوقي عبد الحافظ، وأطلقت ألبومها الأول "محتجالك".
حقق الألبوم نجاحا جيدا ينبيء بفتاة قادرة على الغناء والتميز، ويعود كثيرون إلى الآن لفيديو كليب "محتجالك" الأغنية الوحيدة التي صورتها في الألبوم، ليقارن التغيّر الذي طرأ على نانسي، وبعد 3 سنوات في 2001 كان الموعد مع ألبومها الثاني "شيل عيونك عني" الذي أنتجه لها إيلي علياء وكان باللهجة اللبنانية.
كان من الممكن أن تكون مسيرة نانسي تقليدية وتشبه كثيرات من مطربات جيلها أو ممن سبقوها، ولكنها التقت "جيجي لامارا" المنتج والمدير الفني الذي صار مدير أعمالها و"صانع نجوميتها" الحقيقية، وظهر "أخاصمك آه" الفيديو كليب الذي أحدث شعبية كبيرة وانتقاد وجدل وهذا يؤيد وآخر يرفض، فنانسي ترقص وتحمل على وجهها تعبيرات توحي بالإغراء تعمل في مقهى وتغازل الزبائن، والجمهور منبهر وسعيد، ولكنه دوما هناك من يقولون "ما هذا؟".
حقق ألبوم "يا سلام" الصادر في 2003 شعبية وجماهيرية واسعة تجاوزت لبنان إلى مصر ومنها إلى أقطار الوطن العربي، وعبر فيديو كليب "أخاصمك آه" الذي كان بداية التعاون مع المخرجة نادين لبكي، وحصل على جائزة أفضل فيديو كليب لعام 2003، كانت الانطلاقة الحقيقية لنانسي عجرم نحو نجومية لا حدود لها، لا تعير فيها للانتقادات الموبخة اهتماما، فقط تغني وتحيي الحفلات وتفعل ما تحب.
توالت بعدها ألبومات وأغنيات نانسي عجرم، التي كانت تتعمد فيها أن تقدم ما يمكن أن يلمس جيلها، فكان ألبومها "آه ونص" في 2004، ثم ألبوم "يا طبطب ودلع" في 2006 الذي استكملت من خلاله مسيرة فنية مختلفة تحمل طابعها وبصمتها وحدها كفنانة تملك صوتا مرحا عذبا وروحا مرحة وابتسامة لا يمكن مقاومتها وحضور طاغ قريب من القلب.
كان تميز نانسي في قدرتها على تأدية الأدوار والظهور المرح في الفيديو كليب، ولذلك كانت تصور أكثر من أغنية في ألبوماتها كفيديو كليب، خاصة وأن الجمهور يحب رؤيتها، فاشتهرت لها أغنيات "إحساس جديد" و"قول تاني كده" و"لون عيونك" و"يا سلام".
ورغم ما أشيع عن ظهورها الذي تتعمد فيه الإغراء، كانت نانسي عجرم نجمة الأطفال المفضلة، وهو ما شجعها في عام 2007 على أن تنتج لهم ألبوما خاصا تحت اسم "شخبط شخابيط"، واستطاعت أن تستحوذ به على شعبية أكبر وتفاعل ومحبة لا حدود لها من الأطفال، ثم عادت في 2008 بألبوم "بتفكر في إيه"، الذي صورت منه أغنيات "ابن الجيران" و"ماشي حدي"، واستطاعت أن تنال عنه أول جائزة عالمية وهي جائزة وورلد ميوزيك أورد WMA بعد أن حققت مبيعات قياسية.
وفي ألبومها "نانسي 7" عام 2010، قدمت نانسي عجرم تشكيلة مختلفة من الأغاني التي جمعت فيها بين اللهجة المصرية واللبنانية والخليجية، واشتهر فيديو كليب "في حاجات" الذي أخرجته نادين لبكي، ثم عادت مرة ثانية تخاطب الأطفال بألبوم "سوبر نانسي" في 2012، الذي اشتهرت أغنيته "يا بنات"، ثم ألبومها "نانسي 8" في 2014، الذي استطاع أن يكون ضمن قائمة Billboard العالمية لأكثر الألبومات مبيعا بعد أسبوع واحد من إصداره، واشتهرت منه أغنيات "ما تيجي هنا"، و"وبكون جايي ودعك".
وآخر ألبوماتها "نانسي 9" في 2017، وأغنياته "حاسة بيك" و"الحب زي الوتر" و"خراب بيوت"، التي واجهت بسببها مشكلات قضائية تتهمها بسرقة اللحن من زياد برجي، وكان المتوقع أن تصدر ألبوما جديدا عام 2020، ولكن حال انتشار وباء كوفيد-19 في العالم دون حدوث ذلك.
لمصر مكانة خاصة بقلب نانسي عجرم، ويبادلها المصريون الحب كذلك، فيحضرون حفلاتها بشغف متأكدين من قدرتها على إمتاعهم ومحبتها لهم، وغنائها للهجة المصرية بشكل متقن ومحبب، تعرف نانسي أنه "اللي ما بينجح بمصر ما بينجح" وتعتبرها بوابة شهرتها ونجوميتها وتدين لها بالكثير، فقدمت للمصريين أغنية "أنا مصري" و"أهلي وزمالك" و"مصر المحروسة" و"وحشاني يا مصر" و"شجع بعلمك" و"خدوا بالكو دي مصر" و"ع البركة".
نالت نانسي عجرم عن مشوارها جوائز عالمية وإقليمية ودولية، فحصدت جائزة الموريكس دور اللبنانية أربع مرات، وفي 2005 اختارتها مجلة النيوزويك كواحدة من أكثر الشخصيات العربية تأثيرا، كما كانت من أكثر المطربين العرب تأثيرا في العالم في 2007، ودائما ما تستحوذ أغنياتها على تطبيق أنغامي على المراكز الأولى ضمن الأعلى استماعا، مثل ألبوم "حاسة بيك" في 2015، وأغنية "عم بتعلق فيك" 2017، ونالت لقب أفضل مطربة عربية عام 2019.
وكانت نانسي ضمن لجان التحكيم في عدد من برامج البحث عن الموهوبين ودعمهم، فكانت مع أحلام وراغب علامة وحسن الشافعي كلجنة تحكيم لمواهب برنامج "آراب أيدول" في موسميه 2012/2013 و2013/2014، كما كانت ضمن لجنة تحكيم "ذا فويس كيدز" في 2016 و2020.
نانسي عجرم وزوجها
من يمكن أن يكون زوج نانسي عجرم؟ تساؤل كان يشغل بال كثيرين من محبيها، فمن الذي يمكنه أن ينال حبها وهي القادرة على رسم البهجة بحضورها، حتى كان لقاؤها بدكتور الأسنان اللبناني فادي الهاشم في 2005، ولكن ما بدأ بزيارة عادية لدكتورالأسنان تحول إلى قصة حب استمرت لثلاث سنوات عرف عنها الجميع بالزواج في الأول من سبتمبر عام 2008، في حفل اقتصر على المقربين في قبرص.
صارت نانسي عجرم تحمل لقب "أم البنات" بثلاث فتيات صغيرات، ففي 16 مايو 2009، رُزقت نانسي بابنتها ميلا وغنت لها "يارب تكبر ميلا"، وفي 23 أبريل 2011 أنجبت ابنتها أيلا وغنت لها "حضري لعبك يا أيلا"، وفي 30 يناير 2019 أنجبت "ليا" التي غنت لها أغنية باسمها، ونالت نانسي من مجلة روتانا لقب "أجمل أم" عام 2009.
"بحس أنه بالإيجابية والضحكة بنقدر نمحي كتير من حزننا والمشاكل اللي بنواجهها بالحياة" آمنت نانسي عجرم أنه يمكن للضحكة حتى في أحلك الظروف أن تخفف من الألم، تعلم أنه من الطبيعي أن يمر الإنسان بالمصاعب، ولكنها لا تقف عندها وكأنها نهاية العالم، بل تعود لتستأنف حياتها وتبحث عن طريق جديد بصبر وإصرار.
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا