جاين أوستن أسطورة الأدب الإنجليزي بست روايات فقط
الأكثر مشاهدة
كم يبدو مؤسفا أن ترحل جاين أوستن دون أن ترى أعمالها الأدبية ورواياتها تحظى بالنجاح والإشادة والتعليق النقدي الذي وصل بأحدهم لتشبيه جودة ما قدمته بما قدمه الكاتب الإنجليزي الأشهر وليام شكسبير! وكيف يمكن لسيدة حرمتها الظروف من أن تُكمل تعليمها، فاستقت العلم من مكتبة والدها؟ أن يتم ترجمة رواياتها إلى لغات أخرى عديدة، وأن تصبح واحدة من أهم أديبات عصرها، ومن بين أشهر الشخصيات البريطانية.
يبدو أن طموحها لم يكن الشهرة، وبطبيعة الحال لم تحصد المال، ولكنها كانت تعبر عن نساء هذا الزمن، تحكي عنهن بواقعية ساحرة ولغة آخاذة، وكأنها تجسد أحلام وطموحات بنات ونساء فترة أوائل القرن التاسع عشر في إنجلترا، وصورت كذلك شكل حياة الطبقة المتوسطة، ويعتبر نقاد أنها امتلكت قلما فريدا كان يرى المجتمع الإنجليزي بطريقة ساخرة، فصارت واحدة من أصحاب الأعمال الأدبية الكلاسيكية الخالدة التي اكتسبت النجاح والشعبية حتى بعد رحيلها بما يقرب القرنين.
السيدة جاين أوستن
السيدة التي كتبت أعمالها وراياتها باسم مستعار ولم يعرف بها الوسط الثقافي إلا بعد وفاتها، ولم تذق هي طعم نجاحها، والتي استطاعت أن تشتهر بست روايات فقط، ووصلت بقصصها عن النساء إلى الكثيرات والكثيرين من حول العالم، والتي كان يمكنها أن تقدم المزيد لولا رحيل مبكر مباغت.. تعرفوا إلى السيدة جاين أوستن الكاتبة الإنجليزية الأشهر.
ولدت جاين أوستن في قرية ستيفنتون في إنجلترا في 16 ديسمبر 1775، والدها جورج كان قسيسا وينتمي لعائلة تعتبر من ملاك الأراضي ولكنه كان في المرتبة الأقل، وكان يعمل في صناعة الصوف، أما والدتها كاساندرا فهي ربة منزل تنتمي لعائلة أرستقراطية، وكانت الأسرة تسعى إلى العمل من أجل أن يحظى الأبناء بفرص أفضل.
لدى جاين ستة من الإخوة وشقيقة واحدة هي كاساندرا إليزابيث، التي تقول سيرتها الذاتية إنها كانت الأقرب لها وكاتمة أسرارها. قرر الأبوان أن يمنحا جاين وأختها فرصة للحصول على أفضل فرص التعليم المتاحة وقتها، ففي عام 1783 انتقلتا إلى مدينة ساوثهامبتون لتلقي التعليم في واحدة من المدارس، ولكن حالت إصابة جاين بمرض التيفوس بينهما وبين فرص أن يكملا مسيرتهما في ساوثهاميتون، فعادت وأختها إلى المنزل.
ومع حلول عام 1785، تقرر إرسال جاين وأختها كاساندرا إلى إحدى المدارس الداخلية، التي تعلمت بها الدراسة باللغة الفرنسية، كما اكتسبت مهارات الرقص وتعرفت على الموسيقى والمسرح، وكذلك تعلمت الحياكة، ولكن يبدو أن تكلفة تعليمها وأختها كانت أكبر من قدرة عائلتها المادية على التحمل، فعادتا إلى المنزل مرة أخرى، وكانت تلك آخر فرصهما في التعليم.
بحثت جاين أوستن عن طريقة أخرى تتعلم بها، لم تستلم لظروف أُجبرت عليها ولم تفقد الأمل في أن تتعرف إلى العالم بنفسها، فلجأت إلى مكتبة والدها وصديق له واستطاعت أن تكتسب المعرفة من الكتب وتنوعها، وكان والدها وأخوتها يدعمونها، فكانت العائلة مهتمة بالثقافة والأدب وتمتلك وعي متفتح حيث يمكن المناقشة في أي من الأمور الحياتية والاجتماعية والسياسية، ويبدو أن ذلك هو ما ساهم في تكوين أفكار جاين.
كان والدها يشجعها على الكتابة، ويقال إن محاولاتها الأولى في نظم القصائد وتأليف القصص والمسرحيات بدأت في عام 1787، وكتبت لفترة طويلة مجموعة من الأعمال التي كانت توزع منها نسخا على الأصدقاء والعائلة دون أن تطمح في ما هو أكثر من ذلك، فقط تشترك مع العائلة في مسرحيات محلية بسيطة أو تتعلم عزف البيانو وتذهب إلى الكنيسة.
استمر نشاط جاين في الكتابة، تنظم مسرحيات قصيرة وأعمال أدبية وصلت إلى 29 عمل تم تجميعها بعد ذلك في ثلاثة مجلدات حملت اسم "الصبا Juvenilia"، وضمت مشروعات روايات تطورت بعد ذلك، ومحاولات للكتابة في القصة والرواية والتاريخ أيضا فيالفترة ما بين 1787 و1793، ولكن الأكيد أن هذه المجلدات كانت دليل في ما بعد رحيل أوستن لامتلاكها لرؤية أدبية وإبداعية مميزة في مرحلة مبكرة، كما أشارت إلى تمتعها بالحس الفكاهي والنقد الساخر الهاديء من خلال مسرحية "الرجل السعيد"، والاهتمام بالسياسة في مؤلفها "التاريخ" على سبيل المثال.
بدأت أوستن كثير من رواياتها كمسودات أكملت بعضها، وكانت تنتوى أن تكمل الباقي منه ولكن لم يمهلها القدر، وتذكر عائلتها محاولاتها دوما في تأليف الروايات وقراءتها عليهم بصوت مسموع لتنال إنطباعاتهم الأولى، وظهر أن محاولاتها تتسم بكثير من الجدية والحماس، للدرجة التي جعلت والدها يحاول مراسلة أحد الناشرين كي يتولى إصدار روايتها الأولى، ولكن كان الجواب بالرفض.
وشملت المسودات والمخطوطات القديمة لجاين أوستن، روايتها الأولى "السيدة سوزان" التي تعود كتابتها إلى عام 1796، والتي تعرضت لكثير من التنقيح والتعديل، فحملت مرة اسم "إلينور وماريان"، ونُشرت في النهاة عام 1811 باسم "العقل والعاطفة"، كما عملت على رواية "الانطباعات الأولى" التي صارت فيما بعد "كبرياء وتحامل"، وهكذا كانت الروايات والأعمال التي تنتجها أوستن تتعرض لكثير من التعديل والتطوير والنقد الذاتي.
وفاة والدها
بعد قرار والدها بالتقاعد عن عمله ككاهن (قسيس) في ديسمبر 1800، والانتقال إلى مدينة باث لمحاولة بدء حياة جديدة، حاولت جاين، التي شعرت بعدم الاستقرار، أن تتأقلم على الوضع الجديد واتخذت وقتا حتى تحاول أن تعمل على إنتاج أعمالا أدبية روايات مرة أخرى، وبالفعل عكفت على البدء في رواية "آل واتسون"، التي لم تتمكن من إكمالها خاصة بعد وفاة والدها.
في 21 يناير 1805، رحل جورج أوستن بعد إصابته بمرض جعله فاقد لوعيه، لتعيش جاين ووالدتها وأختها من بعده حالة من الشتات وعدم الاستقرار والانتقال المستمر من مكان إلى آخر، فلقد فقدن عائلهن الرئيسي، ويبدو أن فقدها لوالدها هو السبب الرئيسي في فقدان الرغبة في إكمال رواية "آل واتسون"، التي كانت تحكي عن رجل دين لا يملك الكثير من المال ولديه أربع بنات، فأصبحت روايتها حقيقة أمامها.
عاشت جاين بعد وفاة والدها وضع مالي غير مستقر ومرهق، وباتت حياتها ووالدتها وأختها من منزل إلى منزل، ومن مدينة باث إلى مدينة وورثينج، التي استطاعت أن تنهي بها روايتها "سوزان"، ومنها إلى ساوثهامبتون حيث اقامت مع أخيها فرانك، حتى تمكن أخيها إدوارد أن يؤمن لها منزلا في عام 1809 لتعيش فيه مع والدتها وشقيقتها كاساندرا في قرية تشاوتون، وهو المنزل الذي صار الآن متحفا يحمل اسمها.
سعت أوستن إلى نشر رواياتها التي كانت قد كتبتها وفشلت في إصدارها، ولكنها استطاعت أن تتعاون مع الناشر وبائع الكتب توماس إيجرتون، فعن طريقه رات أعمالها النور، فمع نشر أول رواية لها "العقل والعاطفة" استطاعت ان تكتسب شعبية وتم بيع الطبعة الأولى منها كاملة، وهو ما حدث مع روايتها الثانية أيضا "كبرياء وتحامل" التي صدر منها طبعة ثانية.
وبدأت جاين أوستن تحقق الأرباح من مبيعات رواياتها، فقدمت "متنزه مانسيفلد" ورواية "إيما" التي نشرها لها جون موراي، ثم مشرت رواية "إقناع"، التي كتبتها في البداية تحت اسم "آل إليوت"، ثم حصلت على حقوق طبع ونشر رواية "سوزان" التي كان يحتجزها لديه أحد الناشرين يُدعى ريتشارد كروسبي واستطاعت أن تستردها منه بعد دفع مقابل مادي، ولكن تعرض أخيها هنري أوستن الذي كان يعمل في مجال المصارف إلى الإفلاس، وهو من كان يساعدها في مشوارها الأدبي، مما أدى إلى تأجيل نشر روايتين لها.
رغم أن رواياتها كانت تحقق مبيعات عالية وتكتسب شهرة، لم تكن جاين أوستن تجني الكثير من المال جراء نشر وبيع أعمالها الأدبية، فتشير جريدة فاينينشيال تايمز إلى أن الأديبة لم تحقق المكاسب التي حققها الأدباء الذين عاصروها، فعلى مدار مسيرتها الأدبية جنت 45 ألف جنيه إسترليني، في حين كان متوسط المكاسب التي يحققها الكُتّاب- في ذلك الوقت- هو 37 ألف جنيه إسترليني سنويا.
كتب جاين أوستن
لم تحل جاين أوستن على الإشادة والدعم من النقاد، سوى بعد رحليها والإشارة لها من قبل أخيها هنري أوستن كمؤلفة للروايات التي كانت تُنشر باسم مستعار، وكذلك كان للسيرة الذاتية التي قدمها لها اين أخيها جيمس إدوارد أوستن "A Memoir of Jane Austen" دورا في إعادة تناول أعمالها الأدبية، وتم الاعتراف بقدرتها على المساهمة في تطور الأدب الإمجليزي وباتت من المراجع والمناهج الأكاديمية المهمة في الأدب.
تم نشر ست روايات لجاين أوستن، ليس بالضرورة أن تكون كتاباتهن تمت على نفس توالي النشر، ولكن مرت كل رواية بتنقيح وتعديل حتى ظهرت لنا في صورتها النائية، وأولى رواياتها هي "العقل والعاطفة Sense and Sensibility" كانت بدايتها مكتوبة بطريقة رسائلية، وغيرت عنوانها من "إلينور وماريان" وتدور حول القدرة على الموازنة بين الحكمة واتخاذ القرار وبين الانجراف وراء المشاعر، وتم نشرها عام 1811، وكانت قد أنهت كتابتها في عام 1795.
أما الرواية الثانية فهي كبرياء وهو أو "كبرياء وتحامل Pride and Prejudice" التي تم نشرها في عام 1813، وكان اسمها الانطباعات الأولى، لكنه تعرض للتعديل، وهي عن فتاة تدعى إليزابيث تقع في حب شاب مغرور وترصد تحول المشاعر من الرفض إلى القبول والحب، وتم تحويلها إلى فيلم عام 2005 قام ببطولته ماثيو ماكفيدن وكيرا نايتلي.
"متنزه مانسفيلد Mansfield Park" هو الرواية الثالة التي صدرت لجاين أوستن عام 1814 والتي كانت حول فتاة تدعى فاني برايس التي أرسلتها عائلتها للعيش مع أحد الأعمام بسبب أعبائهما المادية، وطرحت هذه الروية أسئلة حول الاقتصاد والعبودية وأثارت كثير من الجدل، وروايتها الرابعة "إيما Emma" التي صدرت عام 1815، وكانت آخر رواية تنشرها جاين وهي على قيد الحياة، وتناولت فيها قصة بطلة تدعى إسما وودهاوس غير مهتمة بالزواج والحب.
بعد وفاة أوستن، عمل أخوها هنري على نشر رواياتها الأخرى، فنشر لها رواية "إقناع Persuasion" عام 1818 وهو الاسم الذي اختاره للرواية التي تركتها أوستن باسم "آل إليوت"، وقد تبدو عن الطرق والوسائل التي قد يتخدها البعض من أجل إقناع أي طرف، وروايتها الأخيرة هي "دير نورثانجر Northanger Abbey" وتم نشرها في 1818، رغم كتابتها في عام 1800، وكان عنوانها الأصلي "سوزان".
ودارت أغلب موضوعات رواياتها عن علاقات الحب، ومحاولات إنجاح العلاقات العاطفية رغم الاختلاف، وغالبا ما كانت تنتهي قصصها بالزواج، وكانت تتميز بحس فكاهي وروح أدبية عالية.
وفاة جاين أوستن
أصيبت جين أوستن مع بدايات عام 1816 بمرض أديسون، وهو ما بات يعرف بسرطان الغدد الليمفاوية، حاوولت فيالبداية أن تقاوم وعكفت على إنهاء بعض أعمالها الأدبية، ومحاولة البدء في أعمال أخرى جديدة حتى أنهكها التعب وصارت تعاني من عدم القدرة على الحركة، وباتت ملازمة للفراش، ومع محاولات نقلها إلى مستشفى في مدينة ونشستر للعلاج، توفيت في 18 يوليو 1817.
الكاتب
هدير حسن
السبت ٢٠ فبراير ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا