إيزيس الأم الحامية والزوجة المخلصة الأقرب للمصريين
الأكثر مشاهدة
زوجة داعمة وأم معطاءة وحامية، لذلك سكنت إيزيس قلوب المصريين وانتشرت عبادتها في بلاد البحر المتوسط، خاصة لدى اليونان والرومان وامتدت لفلسطين وسوريا، لتبقى أسطورتها وأوزوريس واحدة من أهم ملامح الديانة المصرية القديمة في تجسيد صراع الخير والشر والحياة الأخرى بعد الممات، وتمنحنا الكثير عن مفهوم أجدادنا للعطاء والمحبة ومواجهة غلبة النفس وإمارتها بالسوء.
من هي إيزيس
قد تكون قصة إيزيس متمحورة حول كونها استطاعت أن تواجه أخيها "ست" وشروره وتحاول استعادة "أوزوريس"، ثم جلبها لـ "حورس" الذي صار ملكا انتقم لوالده بقوة وبسالة، وبات إلها للشمس، لكن الإلهة الأم وحامية المملكة كانت تملك قصة ودورا مؤثرا في الحضارة المصرية القديمة، بداية من كونها جزء من التاسوع المقدس، وحتى اعتبارها الألهة التي تستقبل الفرعون وتهيئه للحياة الآخرة بعد الموت، كما كانت رمزا إلهيا له قداسته ومكانته الخاصة في عدد من حضارات البحر المتوسط مثل اليونان والرومان.
لم تكن تصورات المصريين القدماء عن الآلهة أمرا اعتباطيا، فغالبا ما كانت تمنح لكل منهم صفات وأدوار يمكنها أن تكون دليلهم في حياتهم الحالية، ومرشدهم في الحياة الآخرة التي آمنوا بها بشكل راسخ، وكانت إيزيس الإلهة التي استطاعت أن تحافظ على استقرار الحكم في واحد من أصعب الظروف، وكانت مثالا للإخلاص والحكمة، لذلك نالت محبة المصريين.
بالعودة إلى الاسم فـ "إيزيس" هو الاسم اليوناني للإلهة المصرية "أسيت" أو "إست"، والذي يعني "العرش"، وكان أول ظهور لها في الفترة ما بعد الأسرة الخامسة في السنوات ما بين 2686 إلى 2181، كما يقال إن ذكرها أتي بوضوح في نصوص الأهرام، التي تعتبر أقدم نصوص دينية في العالم وهي النصوص عن الديانة المصرية القديمة تٌركت على جدران الأهرامات والمعابد.
تنتمي إيزيس إلى التاسوع المقدس (تاسوع هليوبوليس)، وهو مجموعة الآباء وأهم الألهة في الديانة المصرية القديمة، وتدور حولهم الأساطير التي يمكنها أن تكون دليل للملوك ولحياة المصريين، فكانت هذه الأساطير تدور في الغالب حول الخير والشر والصراع الدائم الدائر بينهما، وكذلك ما يتعلق ببدء الخلق وتصوراتهم عن الحياة بعد الموت.
التاسوع المقدس يتكون من آتوم أو (رع) إله الشمس وخالق الكون- في الديانة المصرية القديمة- ثم شو إله الهواء وتفنوت ربة الشمس والقمر، وحتى جب إله الأرض ونوت إلهة السماء، اللذين أنجبا إيزيس (ربة السحر) وأوزوريس (حاكم مملكة الموتى ونيفتيس (ربة المنزل) وست (رمز الشر).
تزوج الأربعة إخوة، إيزيس من أوزوريس ونيفتيس من ست، لتكون تلك بداية الصراع الذي أوعز لـ "ست" أن يتخلص من أخيه "أوزوريس" الملك المحبوب وسط المصريين قديما، واخترع لذلك حيلة نجح في تنفيذها لكن واجهته "إيزيس" بشجاعة المرأة وقوة العاطفة والحب، وتمكنت أن تستعيد أوزوريس بطريقتها الخاصة، وأنجبنت منه "حورس"، الذي صار في مكانة الإله رع أو "آتوم".
في حضور "إيزيس" غالبا ما تظهر صفات مثل نكران الذات والعطاء والأمومة والإخلاص والزوجة العطوف والحامية، كما أنها أيضا معرروفة بـ "السحر" الذي تمكنت أن تستعيد أوزوريس من خلاله وتُنجب حورس، كما تم منها لقب "أم الإلهة" كونها استطاعت أن تخلق الحياة من العدم بعد أن تناثرت أشلاء أوزوريس واستعادتها لتقتنص منها فرصة لحياة جديدة.
عبادة إيزيس انتشرت من مصر إلى أنحاء متفرقة من العالم، لدرجة أن بعض الوثائق تشير إلى أنها صارت إلهة لها شعبية في مناطق مفرقة من إنجلترا وحتى أفغانستان، وفي البداية كان يتم تصوير إيزيس كسيدة تحمل على رأسها غطاء يشبه العرش وفي يدها مفتاح الحياة، ثم باتت تظهر في الهيئة التي كانت الإلهة "حتحور" معروفة بها بعد أن التصقت بها بعض صفاتها المتعلقة بالجمال والأمومة، فصارت إيزيس تصور بملابس حتحور وعلى رأسها قرص الشمس بين قرني بقرة.
استمر المصريون في عبادة إيزيس حتى افترة الهلنستية التي خضعت فيها مصر لحكم اليونانيين، الذين تمسكوا بعبادتها مع المصريين، ومن هنا انتشرت عبادتها خارج مصر مع آلهة أخرى مثل أبيس وسيرابيس، وكانت ترمز للازدهار والخصوبة والتئام الجروح، ومع حلول القرن الأول قبل الميلاد صارت عبادة إيزيس جزءا من الديانة الرومانية.
اعتمد كثير من الملوك والملكت المصريين واليونان والرومان على "إيزيس" كإلهة ورمز وراعي، ففي بردية الرمسيوم الدرامية كان لها دور في مراسم تتويج الملك سنوسرت الأول من المملكة الوسطى، ومع الوقت صارت مرتبطة بالربة حتحور، وأشار المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى وجود شبه ين إيزيس و"ديميتر"، وهي إلهة يونانية كانت ترمز للطبية والنبات، واشتهرت ببحثها عن ابنتها بيرسيفوني، وتك الربط بين إيزيس والإلهة أفروديت كذلك، واستخدمت الملكة كليزباترا السابعة لقب "إيزيس الجديدة".
انتشار عبادة إيزيس نتج عنه وجود معابد مخصصة لها، وكان أول هذه المعابد منطقة بهبيت الحجارة، الموجودة بمركز سمنود في الغربية، ومعبد فيلة في أسوان وانتشرت بعدهما معابد ومراكز لممارسة الطقوس الدينية في رعاية "إيزيس"، وصار يقام لها الاحتفالات،خاصة مع دخولها كجزء من ديانة الرومان، ولكن بحلول الديانة المسيحية اختفت عبادة إيزيس، وإن كانت ما زالت من الألهة أصحاب التبجيل في المعتقدات الوثنية الحديثة أيضا.
في كتاب الموتى، الذي يعتبر مجموعة من النصوص الجنائزيةفي اليانة المصرية القديمة التي تم استخدامها لتكون دليلا للميت في حياته الآخرة، كانت إيزيس هي حامية أرواح الموتى ومن تستقبلهم، ويقال في الفصل 156 عنها "لكِ دمائك يا إيزيس، لك قواك السحرية يا إيزيس، لك سحرك الممثل في تميمة حماية الإله المعظم الذي يقهر كل من سبب الألم لحاملها"، وبذلك فهي أم للموتى وتعمل على حمايتهم وتغذيتهم.
أسطورة إيزيس وأوزوريس
من أشهر أساطير الديانة المصرية القديمة، كونها تشير ببراعة إلى معاني كبيرة لها دلالات عميقة في النفس البشرية، فتركت لنا نقوش ورسومات المصريين القدماء تفاصيل الأسطورة التي تركز على الخير والشر والتناحر بينهما في صراع يبدو أبديا، ولكن قد تُنهيه القوة والشجاعة والإيمان والمثابرة.
تأتي البداية مع زواج إيزيس وأوزريس، وست ونيفتيس، وبسبب شعبية أوزوريس الجارفة ومحبة المصريين له كان هو وزوجته إيزيس يحكمان مصر، وامتلك أوزوريس حينها بسبب كرمه وطيب أخلاقه قلوب المصريين، وهو الأمر الذي أشغل الغيرة في نفس أخيه "ست"، الذي قرر أن يتخلص من "أوزوريس" بأي طريقة ويستحوذ على الملك.
وفي حفل بهيج، حضره الملوك والآلهة من أنحاء مصر المختلفة، أخبر "ست" الحضور بأن لديه مسابقة صغيرة يمكنها أن تُسعد الأجواء قليلا، فحكى عن الصندوقالمصنوع من الخشب والمرصع بالجواهر الذي صممه، والذي يمكن لأي من الحضور أن يستحوذ عليه فور أن يجده مناسبا لحجمه.
بالطبع، أعد "ست" الصندوق ليناسب "أوزوريس" فقط دونا عن غيره، ومع محاولات كل الحضور الفاشلة بأن يأتي الصندوق المرصع بالجواهر ملائما لأحجامهم، مجرد أن استلقى "أوزوريس" داخل الصندوق أحكم "ست" إغلاقه تماما، ثم رمى به إلى النيل معتقد أن تلك هي الطريقة الأفضل ليتخلص من أخيه ويستولي على العرش والحكم مكانه.
تبدل حال "إيزيس" بعد أن فقدت زوجها "أوزوريس"، وظلت وأختها "نيفتيس" تنتحبان لرحيله- حتى تم تصويرهما في النقوش والصلوات الجنائزية بالحدأتين اللتين تُحيطان بالمتوفي بجناحيهما لحمايته عند انتقاله إلى الحياة الآخرة، وقررت "نيفتيس" أن تساعد "إيزيس" في إيجاد زوجها بأن تُبقي "ست" مشغولا وبعيدا عنها، وتعمل معها على النحيب وترتيل الصلوات والتعاويذ السحرية لاستعادته.
وجدت "إيزيس" الصندوق الذي كان يحوي جسد "أوزوريس"، ولكن هالها أن تفقده بهذه الطريقة، فظلت تحتفظ بجسده في مكان بعيد حتى لا يعلم "ست" بوجوده، ولكن يبدو أن أمرها انكشف، فزاد "ست" في طغيانه وقام بتقطيع جسد "أوزوريس" إلى 42 قطعة تم تفريقها في أقاليم مصر المختلفة، ظنا منه ان "إيزيس" من الممكن أن تستلم وتياس.
استمرت "إيزيس" في البحث "أوزوريس" دون أن تفتر عزيمتها، تستخدم النحيب تارة والصلوات مرات والتعاويذ السحرية أحيانا، حتى استعادة أن تستجمع أشلاءه المتفرقة، ولكن بقي جزءا واحدا لمم تمكن من استعادته مرة ثانية وهو العضو الذكري- كما تشير الأسطورة- وصار أوزوريس جسدا ما بين الحياة والموت، فاستخدمت إيزيس السحر وقررت أن تنجب منه "حورس"، الذي جاء لينتقم لوالده، وعاد أوزوريس إلى العالم السفلي ويصبح إله البعث والحساب والمسئول عن محكمة الموتى.
اختبئت إيزيس في دلتا مصر داخل غابة من ورق البردي، وكانت تحتاج إلى قدرات تمكنها من رعاية "حورس" والحفاظ عليه وضمان يقائه بصحة، فاستعانت بآلهة من العقارب ليحموه معها من الاخطار والثعابين ومواجهة الأمراض، وكانت تملك قوة سحرية يقال إنها أمهر من مليون إله آخر، ولذلك استطاعت أن تحمي حورس وتقوي شوكته أمام "ست" كما دعمت ملكه بنقل قوى الإله "رع" له.
بعد صراع طويل بين "حورس" الذي أعدته إيزيس لهذا اليوم، و"ست" الذي يملأ الحقد والشر قلبه، ينتهي الأمر بانتصار حورس ويصبح هو الحاكم الشرعي الوحيد لمصر، وتشير النصوص الجنائزية والشعائر إلى كثير من الإذلال الذي تعرض له "ست"، وتم اعتبار إيزيس وأختها نيفتيس مسئولتان عن حماية الموتى في الآخرة بسبب شجاعتهما وقدرتهما على إعادة جسد أوزوريس.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ١٩ مارس ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا