سهيلة خالد تخلت عن الصيدلة لرسم كتب الأطفال والكوميكس
الأكثر مشاهدة
كلية الفنون الجميلة بالنسبة لأسرتها يعني Hن تكون "مُدرسة"، وموهبتها ليست إلا تفريغ عن طاقتها، ولكن سهيلة خالد، 27 سنة، استطاعت بهدوء وسلاسة أيضا أن تتحدى الجميع، قد تدرس ما يختارونه لها، ولكنها أبدا لن تفعل سوى ما هي شغوفة به "مش ندمانة أبدا أني سبت صيدلة وبعدت عن مكان مضغوطة فيه، عشان أمشي ورا الحاجة اللي نفسي أكونها من وأنا صغيرة"، فصارت واحدة من أشهر رسامي كتب الأطفال والكوميكس على الساحة الفنية.
سهيلة خالد و"الصيدلة"
"كنت معروفة في المدرسة بسهيلة الفنانة، وبشترك في مسابقات على مستوى الجمهورية" موهبتها في الرسم لا يمكن أن تُخطئها عين، فمن يعرف سهيلة خالد يعرف حبها للألوان والرسوم وأن انتهائها من لوحة تحظى بإعجاب من حولها هو سر سعادتها، فكانت والدتها تنمي داخلها هذه الموهبة وتشجعها على أن تلتحق دوما بالمسابقات والمعارض، وتحصد المراكز الأولى على مستوى المحافظة، ولكن الاهتمام بالموهبة بهذا الشكل لا يمكن أن يكون خارج إطار اعتبارها مجرد هواية، فللدراسة والعمل حسابات أخرى
سهيلة تعيش في الشرقية، وهي الحفيدة الأولى لأسرتها "وشاطرة ومجتهدة وبتطلع من الأوائل، فلازم أدخل طب أو صيدلة"، وهنا بدأت الألوان وخطوط الرسم تنسحب تدريجيا من حياتها، فمع بدء سنوات الدراسة في مرحلة الثانوية العامة، كان الوقت كله للمذاكرة والدراسة، وفور النجاح بمجموع عالي وتقدير يسمح لها بدخول واحدة من كليات القمة، لم يكن هناك مجالا للاختيار.
والدتها ترى موهبتها وتشجعها، ولكنها تخشى ألا تكون مصدر أمان لها في المستقبل "ومكنش فيه وقتها المرونة والحرية أني أختار لنفسي الكلية اللي هدخلها"، فالتحقت سهيلة بكلية الصيدلة في الجامعة البريطانية، وعادت تُمسك بأقلامها لترسم كنوع من التعبير عن نفسها وتفريغ طاقتها في هواية ما زالت متعلقة بها منذ طفولتها.
أنهت سهيلة دراستها بتقدير امتياز "مكنتش حاسة أني في المكان الصح، بس لازم أتخرج بتفوق عشان الأهل والناس"، لتبدأ رحلة البحث عن عمل "كان في مجالات مهتمة بيها في الصيدلة مش موجودة في مصر.. وبعدين فكرت أنه ربنا مش مديني الموهبة دي عشان أركنها"، فبعد التخرج في 2017 قررت أن تأخذ موهبتها على محمل الجد، فطورت مهاراتها في الرسم بالاطلاع والمعرفة والقراءة، واهتمت بنشر ما تقوم برسمه على صفحتها على فيسبوك، وبدأت في متابعة الفنانين والنقاد والمهتمين بمجال الرسم.
رسم كتب الأطفال
"في مرة نزلت واحدة من رسوماتي، لقيت فنان بيقولي أنتي رسوماتك طفولية، وتنفع كتب الأطفال" قبل ذلك لم تكن سهيلة على علم بمجال رسم كتب الأطفال، ولكنها شعرت أنه قد يكون فرصتها الحقيقية، "بدأت أشتري كل كتب الأطفال، وأدرس الموضوع كويس جدا، وأتابع كل كتاب ورسامين الأطفال"، فدرست الفنون الحرة في كلية الفنون الجميلة، وقرأت وكثفت معرفتها من أجانب وعرب عن الرسم للأطفال، والتحقت بورش على الإنترنت، وجربت أكثر من مرة ولم تيأس.
كانت سهيلة معتادة على الاشتراك في تحدى Inktober العالمي، الذي يقوم فيه الفنانون والهواة بتقديم رسوماتهم باستخدام الحبر على مدار 31 يوما، وفي أكتوبر 2018 كانت تنشر رسوماتها على صفحتها على الفيسبوك على مدار الشهر، وكانت تلك فرصتها لتقوم برسم أول عمل للأطفال "جالي رسالة من دار نشر معروفة شافت أعمال التحدي.. كنت متوترة ومصدومة ومش عارفة أعمل إيه"، فدرست جيدا واستعدت لسلسلة "أماكن" عن دار نشر نون، والنص لجيكر خورشيد، ثم استطاعت سهيلة في أبريل 2019، أن تلتحق بمعرض الشارقة لرسوم كتب الأطفال، وكان باسم "عالم الذكريات"
ومع النجاحات التي تحققها سهيلة، كانت والدتها ترى ضرورة أن تصنع لنفسها مستقبلا أفضل، معتبرة أن الرسم لا يمكن أن يكون عملا تعتمد عليه "على الجانب الآخر ماما مصرة أني أقدم في تكليف وزارة الصحة.. مكنتش لسه عندها الثقة أني أقدر أثبت نفسي في المجال ده"، فعملت في واحدة من المستشفيات الحكومية مدة 8 شهور.
"كانت أيام سيئة، وكل اللي حواليا شهدوا بنفسهم تدهور حالتي النفسي" لكنها مع شهور التكليف لم تتخل عن استكمال رسومات الأطفال "كنت برجع من المكان اللي مشس بحبه وأعمل رسوم للأطفال"، حتى شعرت أنه تنهك نفسها وروحها وتستهلك طاقتها في عمل لا تحبه، فكثيرون يخبرونها "أنتي بتقابلي ناس صعبين في شغلك، وبتروحي حالتك النفسية مش كويسة، إزاي هترجعي ترسمي لطفل"، وهنا قررت أن تتوقف عم عملها في الصيدلة.
بدأت سهيلة الأمر تدريجيا، فقامت بالتقدم للحصول على إجازة لمدة عام في يناير 2020، ومع حلول يناير 2021 قدمت استقالتها بشكل نهائي، غير عابئة بمن يخبرونها "أنتي مجنونة حد يسيب صيدلة وكأنها الجنة يعني"، ولكن لم تطلها ذرة شعور بالندم "حسيت أنه لوعاوزة أكون كويسة في اللي بأعمله لازم أحاوط نفسي بناس شبهي، وأني هبقى بظلم نفسي لو كملت"، وقتها ساندتها والدتها وعلمت أن ابنتها اختارت ما يناسبها.
قدمت سهيلة مجموعة مختلفة من رسومات كتب الأطفال، ففي البداية وقبل أن تحترفه، جمعت بعضا من 14 رسمة من رسوماتها وكتبت لها نصا، ثم طبعتها في كتاب أسمته "عطلة الحيوانات" 2018، ورسومات كتاب "فووق في السماء" لسهام ناصر عن دار نهضة مصر، وطتاب "كان ياما كان.. حواديت بالعامية المصرية"، وكتاب "لعبة المتشابهات" تأليف باسمة الوزان، وكتاب "كأس ماء" ضمن سلسلة أشياء لناهد الشوا، وكتاب "أخ خ خ" تأليف منار هزاع، وكتاب "رحلة اختيار فانوس".
إلى جانب الكتب، اهتمت أن تقدم رسومات فردية تعبر بها عن خواطرها، فاستخدمت الكوميسكس وطورت سهيلة خالد الأدوات التي تستخدمها في الرسم، فتتعلم من أخطائها، تحترف الكولاج كطريقة مميزة في الرسم، وتقدم وصفة للملوخلية على هيئة سلسلة من الرسومات، فيتم اختياره من بين أفضل 100 ملصق عربي، تقدم أعمالا في الكوميكس في مجلات عربية عن موضوعات مختلفة، وتشترك في معارض منها ما قدمت من خلاله خريطة لوسط البلد ليفهمها الأطفال، وآخر ما شاركت به معرضا بالتعاون مع توينز كارتون والتعاون الإسباني في القاهرة ونتج عنه أعمالها "مينفعش" و"من الباب للباب"، الذين تم عرضهما في اليوم العالمي للمرأة.
رسومات سهيلة تحمل شخصيتها المتفردة، رغم أن كثيرين قد يرون في رسوماتها روح حلمي التوني أو وليد طاهر أو محي الدين اللباد، وهم فنانين تحب أعمالهم وتعشق مدرستهم القائمة على الخطوط والاعتماد على ألوان محددة قد لا تتخطى الأربعة، وتتابعه معهم فنانين عالميين من الأرجنتين وإيطاليا "لكن دايما بحاول مكنش شبه حد، وأكون متميزة".
هل يبدو سهلا أن تتحدى قيودا فرضها المجتمع؟ حكاية سهيلة خالد تخبرنا أنه ليس سهلا على الإطلاق، بعد أن غرقت لما يقرب من ثماني سنوات في دوامة أبعدتها عن ما تحب، فاشتبكت مع مجال لا تملك اهتماما تجاهه، تكرهه ولا تطيق العمل به، مرغمة لأن مجتمعا ضاغطا لا يعترف بأن الفن مهنة والهواية والموهبة قد تتحول إلى عمل وبيزنس، ويؤمن فقط بـ "المجموع الكبير" الذي يلحق صاحبه بـ "كلية القمة" واعتقاد أن أي اعتبارات أخرى لا معنى لها، حتى وإن كانت تتعلق بالراحة والشغف والأمل.
أمنية سهيلة خالد
بعد أن ثبتت أقدامها في مجال الرسم للأطفال، وتشارك في رسوم الكوميكس من حين لآخر، ترى سهيلة أن الرسم للأطفال ليس سهلا على الإطلاق، "الطفل بيكون حساس لكل حاجة، وليه سيكولوجية مختلفة عن الكبار، وعشان توصلي ليه محتاجة صبر ودقة"، ولذلك تتانى دوما في قراءة نصوص كتب الأطفال قبل الرسم، وتنوي دراسة علم نفس الأطفال حتى تكون على وعي بما تقدمه لهم.
تدرك سهيلة التغيير الذي أحدثته رسوم الأطفال في شخصيتها "خلاني أبص على جوانب في الحياة مكنتش بأخد بالي منها"، تخلصت من محدودية النظرة للأمور وصار العالم بالنسبة لها أوسع وأكبر، واكتشفت كيف يمكن لأي من أنواع الفنون أن يمنح أصحابه عيون جديدة.
تتمنى سهيلة أن تحافظ على مستواها الفني، وتملك دوما القدرة على أن تطوره وتقدم الأفضل "ونفسي أفضل أرسم للأطفال مدى حياتي"، مع الفرصة بأن تشارك في معارض عربية وعالمية وتتعاون مع كُتاب خارج مصر، لتنشر أسلوبها الخاص في كل مكان، معتبرة أن أسعد لحظاتها كانت وقت أن رأت طفل يحتضن كتاب من رسوماتها وهو نائم رافضا التخلي عنه.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٢٥ مارس ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا