آدا لوفلايس أول مبرمجة كمبيوتر في العالم
الأكثر مشاهدة
كتبت آدا لوفلايس أول خوارزمية في العالم، بما يجعها أول مبرمجة استطاعت أن تجعل للآلة الميكانيكية الحسابية أدوارا أخرى تتخطى القيام بالعمليات الحسابية والمعادلات المعقدة، فالسيدة الإنجليزية استطاعت مع سنوات عمرها القليلة، وفي وقت مبكر أيضا، أن تكتشف الخطوات الأولى للتكنولوجيا والاعتماد على الأجهزة فيما هو أبعد من مجرد الحصول على نتائج.
الاعتقاد دوما بأن الكمبيوتر أو الحواسيب والتقنيات التي استحداثها بعدها، هي تكنولوجيا عاصرناها بأنفسنا، ولكن الحقيقة أنها تعود لعقود أطول من أعمارنا، فما اكتشفته آدا يعود إلى العام 1843، حين كانت الخيول ما زالت وسيلة للمواصلات يمكن الاعتماد عليها، ولذلك قد يبدو مبهرا كيف لامرأة في توقيت كهذا أن تحلل وتكتشف وتوثق، في ظل عصر كانت أدوار النساء به محدودة، وكثيرا ما يتم استبعادها.
آدا لوفلايس
ولدت الفتاة الإنجليزية أوجستا آدا بايرون، التي صارت كونتيسة لوفليس فيما بعد، في 10 ديسمبر لعام 1815 في لندن، وكانت ولادتها في منزل غير مستقر، فوالدها هو الشاعر الرومانسي اللورد بايرون ووالدتها آن إيزابيل ميلبانكي أو "آنابيلا"، كان للأب علاقات وأبناء غير شرعيين آخرين، ولكن "آدا" هي ابنته الشرعية الوحيدة ولكنه لم يستقبل ولادتها بالترحاب، ويقال لرغبته في أن تكون ولدا.
لم تكن علاقة الأب الشاعر وزوجته على خير ما يرام، كونه ارتحل عن لندن بعد شهر واحد من ولادة آدا، بعد أن وقع أوراق انفصاله عن والدتها، وبعد 4 أشهر تقريبا رحل عن بريطانيا تماما، ليستقر في اليونان حتى وفاته في أثناء حرب استقلال اليونان عام 1824، وبذلك حُرمت آدا من رؤية والدها وصحبته.
بسبب نزعات الأب الشعرية، فكان يمتلك عقلا غير عادي، مع عظمته كشاعر كان يوصف من البعض أحيانا بـ "الجنون"، وفي حالات أخرى أكثر تهذيبا كانوا يعتبرونه غير مستقر، ولذلك قررت زوجته إيزابيل أن تمنح ابنتها مستقبلا مختلفا، فاهتمت أن تزرع داخلها الشغف بالرياضيات والموسيقى.
ويبدو أن رغبة والدتها لاقت قبولا في نفسها، فكانت طفلة مهتمة بالآلات، ويقال إنها أنتجت تصميمات لقوارب وآلات تحليق بخارية، وكانت الطفلة قد نشأت في منزل جدها، وكانت جدتها جوديث هي من ترعاها، واستطاعت والدتها أن توفر مجموعة من أمهر المعلمين في ذلك الوقت في الفلسفة والمنطق والعلوم والرياضيات والموسيقى كذلك، وكانت آدا تدرس في المنزل.
وظهر بوضوح ميلها نحو الاختراعات الجديدة وما يشبه الآلات، فكانت تطلع على تصميماتها والرسوم التخطيطية لكثير من الاختراعات المتاحة في أي من الدوريات العلمية، أو يمكن أن يُطلعها عليها أساتذتها، وبدأت وقتها بالفعل في محاولة تصميم آلة طيران تعمل بالبخار معتمدة على دراسة تشريح الطيور حتى يكون الجسم متوافق مع الأجنحة، وكان عمرها وقتها لم يتجاوز الـ 12 عاما.
من بين معلمي آدا، عالم الرياضيات أوغسطس دي مورجان، الذي كان يرى شغفها وقدرتها الكبيرة على التحصيل الدراسي الجيد، واعتبر أنها قد تكون يوما "محققة رياضية، أو شخص رفيع المستوى في هذا المجال"، ولكنه أيضا لاحظ أن الضغط على آدا من أجل التحصيل العلمي- فيقال إن والدتها كانت تهتم بتحصيلها من العلوم والرياضيات لتبعدها عن وراثة الاضطرابات العقلية التي كان يعاني منها والدها- يمكنه أن يؤذيها.
ظهر أن الفتاة الصغيرة قد ورثت هذه الاضطرابات بالفعل، فكانت تعاني من صداع مزمن حين كانت في الثامنة من عمرها أدى إلى التأثير على قدرتها على الإبصار، كما تسببت إصابتها بالحمى وقت كانت بعمر 13 عاما في أن تؤدي إلى حبسها بالفراش نتيجة شلل أثر على حركتها، ولم تتحسن حالتها إلا مع حلول عام 1831 حين تمكنت من المشي على عكازات مساعدة.
تعلمت آدا لولافيس على يد ويليام فريند وماري سمرفيل، الاسكتلندية التي كانت من أشهر علماء الرياضيات والفلك في إنجلترا، بعد أن ترجمت كتاب آلية السموات لبيير سيمون لابلاس، وكانت سمرفيل على علاقة قوية بآدا وجمعتهما صداقة قوية، وتمكنت من أن تدلها على كثير من الفرص، والتي كان من أهمها أن جعلتها تلتقي بأستاذ الرياضيات تشارلز باباج عام 1833.
في عام 1835، وقت كانت ما تزال في عمر التاسعة عشر، تزوجت من رجل أرستقراطي اسمه ويليام كينج وكان يكبرها بعشر سنوات، ثم تم منحه لقب "إيرل لوفليس" عام 1838 وصارت هي "كونتيسة لوفليس"، وأنجبت من زوجها 3 أبناء هم: بيرون 1836، وآنا إيزابيلا 1837، رالف جوردون 1839.
أول مبرمجة في العالم
لقاء آدا لوفلايس بعالم الرياضيات والمخترع تشارلز باباج، كان بمثابة نقطة تحول في حياتها، فكان هو فرصتها نحو إطلاع أوسع بمجال الرياضيات ومعرفة أشمل وقدرة على استخدام هذه المعرفة وتطويعها، فنشأت بينهما صداقة قوية وتطلع للعلم، فتأثر بذكائها ومهاراتها التحليلية، ووصفها بأنها "الساحرة التي ألقت تعويذتها على واحد من أكثر العلوم تجريدا، واستوعبتها بقوة لم يكن بوسع بعض العقول الذكورية أن تمارسه عليها".
تبادلا الأفكار لفترة طويلة ومنحها باباج لقب "ساحرة الأرقام"، كونها كانت مهتمة بالتطور العلمي وعلوم الدماغ والتتنويم المغناطيسي، وكان لديها أفكار عن إنشاء نموذج رياضياتي يوضح كيفية عمل الدماغ وقدرته على إرسال الأفكار والدفعات العصبية وتحويلها إلى مشاعر، ولكنها لم تتمكن من تنفيذ هذه الأفكار، وكانت تعتبر أن منهجها العلمي "شاعري"، ووصفت نفسها بـ "المحلل" أو "الميتافيزيقي".
كان باباج يعمل على اختراع آلة ميكانيكية أسماها "محرك الفرق"، الذي كان يهدف إلى حساب الجداول التي تتطلبها المعادلات والوظائف اللوغاريتمية ومثلثية علم الرياضيات، وكان ينوي أن يعمل محرك الفرق على تحقيق عملية حساب الجداول هذه دون غلطة، وكانت الحكومة البريطانية متحمسة لهذه الآلة ووجهت ما يقرب من 17 ألف جنيه إسترليني لتنفيذه.
في ذلك الحين، تخلى باباج عن محرك الفرق، وبدأ العمل على مشروع أكبر وهو "المحرك التحليلي"، الذي يعتبر آلة حاسبة تحتوي على مباديء الكمبيوتر الحديث من القدرة على التفريغ والذاكرة المتكاملة وإمكانية استخدامه في أغراض عامة، ويعتبر هذا الجهاز قفزة كبيرة نحو المستقبل.
عام 1842، عرض باباج فكرته عن المحرك التحليلي في محاضرة بجامعة تورين، وقام المهندس الإيطالي لويجي مينابريا، الذي كان من بين الحضور، بنشر ورقة علمية عن المحرك، فقامت آدا لوفلايس بترجمة هذه الورق على مدار 8 أشهر، ولكنها لم تقم فقط بالنقل من لغة إلى أخرى، لكنها أضافت وعدلت ونقحت، فجاءت تجربتها أكثر أهمية.
يعتبر كثيرون أن ما قامت به آدا بالتعديل والإضافة على هذه الورقة البحثية، هو من أهم ما قدمته، كما أنه يعد أول خوارزمية في العالم، فبسبب معرفتها العميقة بآلية عمل الماكينة قدمت ورقة بحثية أكثر ثراءا، كونها كانت قادرة على أن تجعل المحرك التحليلي يتعامل مع الأرقام بما هو أبعد من الجمع والطرح والقسمة، وكيف يمكن أن تصبح العمليات الحسابية تعليمات لآلة المحرك التحليلي.
تم اعتبار آدا لوفلايس أول مبرمج كمبيوتر في العالم، بعد أن قدمت في عام 1843 ورقة بحثية مفصلة وكاملة وقامت بنشرها، وتضم هذه الورقة تعليمات لجهاز كمبيوتر أو آلة ليتم استخدامها من أل الوصول إلى نتيجة لم يتم حسابها مسبقا، وتمكنت لوفلايس أن تحقق إنجازها لأنها فهمت المحرك التحليلي بصورة أكبر عمقا وأدركت أنه يمكنه التعامل مع الرموز، ونظرت فيما وراء الجداول والعمليات الحسابية المعقدة.
وفاة آدا لوفلايس
عانت آدا من إصابتها بمرض بمرض سرطان الرحم، وكانت طريحة للفراش تجاورها والدتها لعدة أشهر، حتى توفيت في 27 نوفمبر عام 1852، وهي بعمر الـ 36 عاما فقط، وطلبت أن يتم دفنها بجوار والدها في كنيسة القديسة مريم في هوكنال بمدينة نوتنجهام.
الكاتب
هدير حسن
السبت ٢٠ مارس ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا