رجاء بن سلامة مفكرة وباحثة تونسية رفضت التطرف
الأكثر مشاهدة
مع انطلاق الربيع العربي، الذي كانت تونس شرارتهم الأولى بعد أن أحرق البوعزيزي نفسه وثار الشباب رافضين، حتى رحل زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 هاربا، انفتحت الأفكار وخرج كثيرون يعلنون عن أتفهم، وخرجت معهم كذلك أفكار التطرف التي كان لا بدّ لها من شخصيات تشبه رجاء بن سلامة ليكون للحق والحرية الكلمة الأولى.
على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تضع المفكرة والكاتبة التونسية رجاء بن سلامة صورة لأحد التظاهرات التي شهدتها تونس مؤخرا، يظهر في الصورة تثمال للمفكر بن خلدون حوله متظاهرون بسترات برتقالية، ويحمل لافتة كُتب عليها "الحرية للمساجين الذين لا نعرفهم"، ليبدو أن تلك هي فلسفة رجاء في الحياة، فهي تنتصر للحق وتدفع الظلم بكل ما تملك، حتى وإن كان عن معارضيها.
السيرة الذاتية لرجاء بن سلامة
ولدت رجاء بن سلامة في مدينة القيروان في تونس في 2 أغسطس عام 1968، شقيقها هو فتحي بن سلامة المحلل النفسي التونسي الذي يستقر في فرنسا وقام بتأليف عدد من الكتب في علم نفس وحول الإسلام السياسي، درست رجاء اللغة والآداب والحضارة العربية ونالت عنها درجة الأستاذية من دار المعلمين العليا في تونس عام 1985، ثم التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة تونس، وصلت منها على شهادة التبريز في اللغة والآداب والحضارة العربية عام 1988.
قررت رجاء أن تستكمل مسيرتها مع اللغة والكتابة، فعملت على نيل درجة الدكتوراة عن رسالة بعنوان "العشق والكتابة: قراءة في الموروث"، وتناولت فيها الحب في التراث العربي الإسلامي، وأصدرتها في كتاب عام 2001. عملت رجاء بن سلامة في جامعة تونس كأستاذة أبحاث متخصصة في الأدب العربي والحضارة واللغة، ولكنها واجهت في الجامعة كثير من التحديات، ففي ظل النظام السابق (عهد بن علي)، كانت تقع تونس تحت وطأة حكم مستبد، كانت ترفضه رجاء وقررت أن تقاومه، فرحلت عن الجامعة.
خطوتها التالية كانت التحليل النفسي، فقررت أن تدرسه وتتعمق به في تونس وفرنسا، ليبدو أنها تأثرت بهذا المجال بسبب شقيقها، وترجمت الكتاب الذي قام بتأليفه بعنوان "الإسلام والتحليل النفسي" وصدر في لندن عام 2008، ومع التضييق الذي كانت تواجهه رجاء، قررت أن تتجه إلى القاهرة.
في ظل تواجدها في القاهرة، استكملت عملها في ميدان التحليل النفسي، وكذلك الكتابة والترجمة والعمل الثقافي، وكانت تنتقل بينها وبين أوروبا، وقدمت عددا من المساهمات في المجال توعوي، حيث كانت أحد المؤسسين لرابطة العقلانيين العرب، التي تم الإعلان عنها في باريس عام 2007، وتولت رئاسة تحرير موقع الآوان الذي يعتبر لسان حال الرابطة، ويركز على تقديم الفكر الحر والمعرفة النقدية، ونشر ثقافة تبادل الحوار وتعزيز قيم الحرية وحقوق الإنسان.
أسست رجاء بن سلامة كذلك جمعية "بيان الحريات" في فرنسا و"الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية"، كما قدمت عدد من المؤلفات النقدية والتراجم والأطروحات الفكرية، التي اصطدمت من خلالها مع الواقع الثقافي وحركت الأفكارالركدة، ومن أهم مؤلفاتها: "صمت البيان" عام 1999، "العشق والكتابة" عام 2003، "في نقد إنسان الجموع" عام 2008، "بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث" عام 2005، و"نقد الثوابت: آراء في العنف والتمييز والمصادرة" عام 2005، و"الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاري ومسلم".
مع قدرة التونسيين على التخلص من حاكمهم المستبد زين العابدين بن علي، وتوجت ثورة الياسمين في 13 يناير 2011 برحيله، كانت رجاء بن سلامة قادرة على العودة من جديد إلى وطنها، مؤمنة بالحراك الشعبي ومعتبرة الثورة هي فرصة التونسيين في أن يمتلكوا حقوقهم ويدافعوا عنها، عادت وهي تحمل أملا جديدا بمستقبل أفضل.
تعمل رجاء بن سلامة كمحاضرة وأستاذة أكاديمية لمادة الأدب القديم في كلية الآداب والفنون والإنسانيات في جامعة منّوبة في ولاية منّوبة التونسية، كما تم تعيينها في عام 2015 لتكون مديرة المكتبة الوطنية التونسية، غير أنها عضو جمعية "فضاء التحليل النفسي: جمعية التكوين التحليلي والأبحاث الفرويدية" في فرنسا.
أفكار رجاء بن سلامة
منذ اللحظة الأولى، التي احتكن فيها رجاء بن سلامة بالشأن العام التونسي، وهي منشغلة بقضاياه، تناصر دوما الحريات وتنبذ العنف على يد أي من الأطراف ضد الآخر، معتبرة أن العلمانية هي السبيل الوحيد كي يكون لتونس مستقبل أفضل يتم مراعاة الاختلاف وتقبل الآخر من خلاله.
من الممكن أن يراها البعض متناقضة، فهي مناصرة للثورة وأفكارها ولكنها ترفض الانقلاب، مؤمنة أن الديمقراطية تقتضي الوثوق في الدستور والقانون والتمسك بمؤسسات الدولة، وأن اختراق أيا من الجهات المتطرفة أو الفاسدة للمشهد السياسي يكون التعامل معه من خلال الديمقراطية، دون إقصاء للخصوم.
تعتبر رجاء بن سلامة أن حركات الإسلام السياسي، الذي يعد حزب النهضة التونسي على رأسها، تريد محاصرة المرأة في جسدها، وأن وجود قوانين تحمي الحريات هو ما يمكنه ان يدافع عن حق المرأة والتونسيين لا الفتاوى، ولكنها ترى أن تواجد حركة النهضة في المشهد السبياسي والنتهاج الذي تبعته أساء كثيرا لتونس.
"العلمانية هي التي حررت النساء وواجهت الأفكار المتطرفة والفتاوى التي تغرد خارج مسار التاريخ" تتمنى رجاء بن سلامة أن تكون تونس دوما سبّاقة بالحرص على الحقوق المدنية والحريات، واعتبار أن العلمانية هي الحل الوحيد لنبذ العنف وتجاوزه، حتى يكون الجميع متساويين.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠١ أبريل ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا