نبيلة قنديل شاعرة الأغنية بكلمات مصرية أصلية
الأكثر مشاهدة
من البديهي أن تكون هذه الكلمات القريبة من نسج سيدة، فهن العارفات بالقلوب والقادرات على اقتحامها بمفاتيح الكلمة البسيطة الطيبة، وما كتبته نبيلة قنديل كان دوما يبدو تلقائيا عفويا وكأنه مصنوع من أحاديثنا اليومية، يقع على الآذان كالسهل الممتنع، البديهي غير المتوقع، ولذلك عاش وسيستمر لسنوات وعقود أخرى مقبلة، وتتوج مسيرة نبيلة قنديل كواحدة من أوائل شاعرات الأغنية في مصر.
هأقابله إزاي
وأقوله إيه
وأشواقي أبينها
ولا أخبي عليه
وكمان محتارة ألبس إيه.. آه بالحق هألبس إيه
سبقت نبيلة قنديل عصرها، بصياغتها لأفكار البنات والسيدت في جمل بسيطة، تكشف حيرتهن ومحبتهن وتتحدث مثلهن، كلمات الأغنية السابقة غنتها مطربة اسمها ندى في إحدى الحفلات الغنائية بأحد النوادي على النيل، وتظهر الفتيات والسيدات متفاعلات مع ما تقوله ندى، ليبدو نجاح نبيلة قنديل ظاهرا فهي تعمل ما يجيش بصدورهن وعبرت عنه ببساطة وببراعة، وهكذا كانت دوما مع كل فكرة، فسواء كانت الكلمات عن الوطن أو مناسبة اجتماعية أو شهر رمضان وحتى للحبيب والزوج، كانت نبيلة قنديل تراها بعين المرأة الكاشفة للتفاصيل والتي تختار تعبيراتها بعناية ومحبة و"حنيّة".
المونولوجست سعاد وجدي (نبيلة قنديل)
بداية نبيلة قنديل كانت مثل أغلب فناني هذه المرحلة فكانت فرق المسارح والكازينوهات هي الخطوة الأولى نحو الفن، وتمكننت نبيلة واسمها الحقيقي سعاد وجدي أن تلتحق بالفرق الفنية، حيث كنت واحدة من مؤديات المونولوج، واستطاعت خلال هذه لفترة أن تتميز وسط زميلاتها ويلمع اسمها كمونولوجست مميزة.
خلال هذه الفترة، تعرفت إلى إسماعيل يس، الذي قيل إنه وقع بحبها من النظرة الأولى وتزوجها بالفعل، ولكن لم يدم الزواج طويلا وسرعان ما انفصلا، وسرت الإشاعات والأقاويل وقتها أن الخيانة هي السبب وأن سعاد وجدي لم تكن تحب إسماعيل يس بالقدر الكافي.
أدت نبيلة قنديل كمونولوجست عدد من الاغاني الشهيرة التي كان يطلبها المتوافدون على المسرح، منها "ذهب مع الريح" و"خير البر" و"ماله يا ناس" و"قلبي طب" و"كنا وكانوا" و"من أين لك هذا" و"بريه من الناس" و"اسأل نفسك"، ولكن الموسيقار علي إسماعيل قد لحن بعضها وكتب بعضها إبراهيم كامل رفعت وأبو السعود الإيباري وإبراهيم عاكف.
الزواج من الموسيقار علي إسماعيل
علي إسماعيل موسيقار مصري وصف "العبقرية" قد يكون أقل من إمكانياته، فهو من علامات التميز الفطري والموهبة الصادقة، قدم ألحانا وتوزيعات موسيقية خالدة، وهو من أدخل الهارموني للأغنية المصرية، تعاون مع المطربين ولحن للمونولوج وكان رئيس الفرقة الموسيقية ومؤلف موسيقى كل الرقصات، غير تأليفه للموسيقى التصويرية لما يقرب من 350 فيلما منها الأيدي الناعمة ومعبودة الجماهير والأرض، كما كان قائد الأوركسترا في حفل ثورة يوليو، وقدم ألحان مميزة للأغنيات الوطنية "رايحين في إيدنا سلاح" و"دع سمائي" و"أم البطل"، كما لن النشيد الوطني الفلسطيني.
تزوجت نبيلة قنديل من الموسيقار علي إسماعيل بعد أن شهدت علاقتهما تطورات عديدة، بدأت مع تلحينه للمونولوجات التي تقدمها حين كانت ما زالت محتفظة باسمها الحقيقي سعاد وجدي، ثم تطورت مع زواجهما واعتزالها للغناء، وكونا معا ثنائي فني مميز، فكانت تكتب نبيلة قنديل الأغنيات ويلحنها علي إسماعيل.
بخلاف ما أثمره زواجهما من عشرات الأغنيات المصرية، فكانت نتاجه أيضا أبناءهم الثلاثة شجون علي إسماعيل، التي تتذكر وقت صناعة فيلم "الأرض" حين كان والدتها ووالدها يتعاونا من أجل كتابة الأغاني وتأليف اللحن، وكان وقتها شهر رمضان "كانت ماما بتحضر لنا السحور، وفي نفس الوقت تكتب كلمات وتوريها لبابا.. يقطع الورقة ويقولها اكتبي واحدة تانية"، والملحن مصطفى علي إسماعيل الذي قام بتلحين "الطول واللون والحرية" لمحمد منير و"لو بطلنا نحلم نموت" و"حرية"، والابن الثالث حسين علي إسماعيل.
نبيلة قنديل وكتابة الأغنية
من الممكن، أن يكون لعلي إسماعيل دور كبير في تقديم نبيلة قنديل كشاعرة، ولكنها أيضا استطاعت أن تكن من بين أولى الشاعرات في كتابة الأغنية، تتنتقل من معنى إلى آخر بسلاسة ورقة وعذوبة، فكلماتها قد تسمعها من والدتك أو جدتك، اقتنصتها من بين أحاديث وحواديت الناس العادية، لتخرج مصرية أصيلة وشعبية متحررة من قيود الفصحى أو العامية المتعالية، فكانت شديدة القرب فتشعر معها بالألفة والبهجة.
تعاون زوجها الموسيقار علي إسماعيل مع فرقة رضا للفنون الشعبية وكذلك تبينه للثلاثي المرح، كان فرصتها لتعبر بطريقة خاصة عن مشاعر المصريات ونظرتهن للحب والوطن كذلك، فهي من كتبت لمصر أغنية تشهد بجمالها رأت أن أهم ما يجب ذكره هو "حلاوة شمسنا"، وكتبت لفرقة رضا أيضا "يلا بينا رحلة" و"حتشبسوت" وأغلب أغنيات رقصات فرقة رضا.
في أثناء مواجهة مصر لتعديات على أراضيها بدءا من العدوان الثلاثي في عام 1956 وحتى حرب أكتوبر 1973، كانت نبيلة قنديل تكتب أغاني كان لها طابع حماسي وإنساني لحنها زوجها الموسيقار علي إسماعيل، فكتبت "رايحين شايلين في إيدنا سلاح" و"أم البطل" التي كتبتها للمغنية شريفة فاضل عن ابنها الشهيد.
وكتبت نبيلة قنديل اغنيات مميزة لمغنيات مصريات فكتبت "أبو عيالي" لفايزة أحمد، و"رايحة فين يا عروسة" لشادية"، وتعتبر كتابتها لأغنية "أرضنا العطشانة" لفيلم الأرض، ويظل أكثر ما قدمته تميزا هو أغنيات رمضان التي وصفت فيها البهجة وجمعتها بروحانية الشهر الكريم، فعاشت معنا طفولتنا وصبانا وحتى لحظات استقبال شهر رمضان مع أبنائنا، فهي من كتبت "أهو جه يا ولاد" وغناها الثلاثي المرح
"بعديك العيد وبنفرح به
واللبس جديد هنعيد به
كحك بسكر راح نفطر به"
توفيت نبيلة قنديل في 14 يناير عام 1988، بعد أن تركت تجربة متفردة ومختلفة في كتابة الأغنية المصرية من وجهة نظر نسائية زادها عمقا واختلافا عن السائد، بكلمات بسيطة وصياغة سلسة تحمل في تفاصيلها روح المصريين، وتعبر عن أدق مشاعرهم في نسج شعري لم يأت أحد بمثله.
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٢٨ أبريل ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا