إيمان عسكر حكت قصة فلسطين في ثواني شاهدها الملايين
الأكثر مشاهدة
كيف يمكن لأغنية صادقة أن تقلب حياتك رأسا على عقب؟ هذا ما حدث مع إيمان عسكر، التي اشتهر ت على موقع "إنستجرام" بعد فيديو أعدته بنفسها داخل منزلها وعلى مكتبها، تغني على نغمة معروفة بإيقاع منظم كيف تمت سرقة أرض فلسطين، أسمت الفيديو "Story of Palestine"، تركته على صفحتها وتمنت أن يحدث أي فارق في ظل وضع يائس وصعب ثم خلدت إلى النوم، لتستيقظ على ملايين المشاهدات، وعشرات الآلاف من المتابعين.
إيمان عسكر وصناعة المحتوى
قصة إيمان مع صناعة محتوى على منصات فيسبوك وإنستجرام لا تعود إلى فترة طويلة، ولكنها تمتلك خبرة تمتد لما يقرب من 11 عاما في خلق محتوى مكتوب ومرئي والعمل في التعليق الصوتي، سبقه ما يمكن اعتباره هواية "من وأنا صغيرة بحب أمثل وأكتب أغاني واغنيها، وعملت لوحدي مجلة ورق على عددين" في الوقت الذي لم يكن هناك مواقع تواصل اجتماعي أو فرص لمشاركة الأفكار والهوايات.
كالعادة، تأتي دوما اختيارات الدراسة مختلفة عن ما نريده، كأن الهواية أو الموهبة يمكننا أن ندفنها داخلنا فيصبح لا أثر لوجودها، أو لأن دوما اختيارات الدراسة يالنسبة للآباء متعلقة بما هو واضح وثابت، فبعيدا عن رغبتها درست إيمان عسكر التجارة وإدارة الأعمال (البيزنس) في الجامعة الاأمانية "عشان لازم مجال يكون له شغل مضمون، وكانت غلطة أني درسته".
بعد التخرج لم تجد إيمان الفرصة التي تناسبها، خاصة أنها لم تكن لديها رغبة للعمل في مجال البيزنس، فاتجهت لدراسة الماجيستير، حتى قام أحد معارفها بترشيحها للعمل في شركة Nutty Scientists "قالي أنتي مرحة وعندك طريقة استعراضية وبتتكلمي زي الأطفال"، وبالفعل بدأت في 2010 العمل في الشركة لصناعة المحتوى والتمثيل وتبسيط العلوم، فكانت تقدم فقرات استعراضية للأطفال عن التحارب العلمية وطرق الوصول للحلول.
عملت إيمان في الشركة لمدة خمس سنوات، كانت سعيدة بقدرتها على أن تجعل الأطفال يتواصلون مع معلومات معقدة، فامتلكت القدرة على أن تصنع محتوى يخاطبهم واختراع شخصيات تمثلها ليشعر الأطفال بالألفة نحوها، وكان عملها يندرج تحت مفهوم Edutainment، المهتم بالتعليم عن طريق التسلية والمرح، وتمكنت أن تتدرج في الشركة من تأدية المسرحيات ثم المساهمة في صنع المحتوى والعمل كمدرس بدوام جزئي، حتى تولت مسئولية قسم البحث والتطوير، ثم قسم الابتكار، وقبل أن تترك العمل في الشركة وتبحث عن فرصة أخرى، تولت منصب المدير العام.
الخبرة التي اكتسبتها إيمان مكنتها من الالتحاق للعمل في شركة Axeer ضمن الفريق الإبداعي لصناعة المحتوي، وتقديم محتوى عبر منصة Giraffics التي تتبع الشركة، وكانت تميل للأفكار المتعلقة بالتوعية المجتمعية ونشر الأفكار الإيجابية وانتقاد السلوك العام ضد حقوق الأطفال والمرأة كذلك، فقدمت مع الشركة وبالتعاون مع الأمم المتحدة محتوى مرئي متنوع له علاقة بالزواج المبكر وعمالة الأطفال، وكذلك العنف ضد النساء وتمكين المرأة والسوريين اللاجئين.
عالم إيمان
بعد 5 سنوات من العمل في أكسير، كان فيروس كورونا قد بدأ ينتشر حول العلم، وساد مع حلوله إلى مصر عدد من الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية وقرارات التباعد الاجتماعي، التي أدت إلى توقف عملها "فكرت وقتها إنه مع التواجد في البيت، أحاول أستفيد من المعرفة والخبرة اللي عندي"، وكانت تحمل طاقة أكبر خلقها التوتر من الوضع المحيط والقلق مما قد يسببه انتشار الفيروس، ولكنها قررت أن تستغل هذه الطاقة بشكل مختلف.
"قررت أني عاوزة أطلع كل الطاقة دي، في صفحة على فيسبوك وإنستجرام" في أفسطس 2020 أطلقت صفحتها EmaasWorld وبدأتها دون تخطيط لمحتوى واضح، فقط مساحة لتعبر عن نفسها وعن الأفكار التي تهتم بها، وأن تستخدم كل خبرتها في التعبير عن هذه الأفكار من كتابة الأغاني والتمثيل وكتابة الاسكريبت.
قدمت إيمان على صفحتها محتوى ترفيهي متعلق بالمواقف اليومية، من خلال أغاني كتبتها وقامت بتأديتها وساهمها أصدقاء لها في تسجيلها وتصويرها، وكذلك معلومات عن موضوعات مختلفة، مثل: النسوية، والتعامل مع التفكير الزائد، والقدرة على التغيير، ولغات الحب "كنت بجرب كل حاجة واكتشف نفسي، عشان يكون عندي ثقة وجرأة أكبر واتكلم عن الموضوعات اللي تهمني".
تعلمت إيمان خلال هذه الفترة تعديل الفيديو والمونتاج وتأليف الموسيقى وتعديل الصوت أيضا، ولكن مع مرور الوقت لم تكن راضية عن المردود بشكل كافي، فكان آخر ما قامت بتقديمه فيديوهات قصيرة لمدة 30 يوما عن "ليه بنحب رمضان"، وبعد أن أنهكها أن تكون كمن ينحت في الطريق الخطأ "وقتها كان نهاية رمضان، فقررت هأوقف" فما بدأته بشغف كبير صار فيما بعد أملا أن يكون فرصة مختلفة لمسيرتها المهنية، استمرت به بدافع العِند والتحدي، ثم أصابها الإحباط.
قصة فلسطين
"وقتها بدأت الأحداث في فلسطين وكنت متأثرة بيها، ومعنديش طاقة أعمل فديوهات ترفيهية" (تقصد إيمان الأحداث التي بدأت مع قرارات بتهجير سكان حي الشيخ جراح في مدينة القدس في أواخر أبريل 2021، وما تبعها من مظاهرات واحتاجات وقصف لمدينة غزة وقتل المئات)، فررت أن توقف الفيديوهات والعمل على صفحتها الشخصية تعاطفا مع ما يحدث، وكفرصة للتعرف على ما تنوي فعله مستقبلا "قولت أنا هبطل وأرجع أدور على شغل عادي، وتكون الفيديوهات حاجة بعملها لما أكون فاضية".
ومثل كثيرين، شغلتهم أحداث القدس وغزة ويريدون فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، كانت إيمان تتواصل مع المحيطين وتدخل في نقاشات مع أجانب لا يعلمون ما يكفي ويصدر لهم الإعلام صورة مغايرة "في واحد من النقاشات كنت عاوزة أكون مستعدة، فجمعت كل المعلومات الممكنة عن القضية الفلسطينية، وحكيتها لبنتي ولقيتها فهمتها مني بسهولة".
وعلى مكتبها داخل غرفتها، وعلى إيقاع انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، قضت إيمان 4 ساعات تعد فيديو لتسرد ما حدث مع الفلسطينين في أغنية باللغة الإنجليزية، مستخدمة كلمات بسيطة وشرح وافي، وقامت بتحميلها على صفحتها على "إنستجرام" كمحاولة منها لتوضيح الصورة المغلوطة عند كثيرين في دقيقة و31 ثانية تقريبا.
باتت إيمان هذه الليلة، ولديها 3 آلاف متابع على صفحتها، تتمنى أن يشاهد الفيديو بعض الأشخاص غير متوقعة أن يُحدث أي فارق، لتجد مشاهدات الفيديو تتخطى 11 مليون شخصا، وبات يتابعها أكثر من 119 ألف شخص من كل أنحاء العالم، بعد أن شارك الفيديو الجميع "كنت مخضوضة من اللي حصل، ومش فاهمة حاجة، وحسيت أني منفصلة عن الواقع كأنه بيحصل لحد تاني مش أنا.. مكنتش عارفة أفرح أنه نجاح وحسيت بالذنب أني ممكن أكون استغليت القضية عشان نجاح شخصي وأبقى تريند".
وبعد فترة من التفكير المرهق والصراع النفسي، مع استمرار مشاركة الفيديو على مختلف المنصات والمواقع، وتلقيها دعوات للمشاركة والحكي في المواقع الإخبارية الكبرى مثل الإندبندنت وبي بي سي، وجدت أنها ستعود لصنع فيديوهات ومحتوى يعبر عن أفكارها مرة ثانية "عاوزة بس الناس تتأكد أني مش ناشطة سياسية ومش هكمل سياسة ومش عاوزة المتابعين يتوقعوا مني حاجة معينة، أنا بعبر بطريقتي عن الأفكار اللي بتدخل قلبي".
مع شعورها بالمسئولية، وضرورة صنع محتوى يخدم قضية فلسطين، تنوي إيمان العمل على محتوى له علاقة بنشر الإيجابية وتبسيط المعلومات، مستغلة التطور الذي اكتسبته مع مرور الوقت، وسعيدة بأن تكون بمثابة إلهام لشخص آخر "بعد فيديو قصة فلسطين، لقيت ناس كتير عرفوا القضيى مني.. واحدة عايشة في أستراليا قالت لي كنت دايما معتبراها مشاكل تخص الشرق الأوسط، لكن دلوقاي عاوزة أعرف أكتر عنها".
لا تحب إيمان الخطاب الذي يضخم في ما فعلته ويمنحها ألقاب مثل "أيقونة"، ومن الممكن ألا تكون رؤيتها عن ما تنوي فعله واضحة تماما، ولكنها تعلم أن "السوشيال ميديا فعلا أداة قوية، وإننا ممكن نغير العالم عن طريقها"، ولذلك ستركز على أن يكون محتواها قادر على أن يقدم للمتابعين ما يساعدم على التفكير بإيجابية والخروج من الأفكار النمطية السلبية والتغيير، معتبرة نفسها محظوظة بدعم زوجها وطفليها، وكذلك عائلتها وأصدقائها، وبالمتابعين الذين وثقوا بها.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠٣ يونيو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا