فقدان الذاكرة مصطلح واسع وكبير ويحدث بأشكال مختلفة ومتنوعة، فهناك فقدان ذاكرة مفاجىء وفقدان ساكرة وقتي وفقدان ذاكرة دائم، وهناك ما يُسمى بالزهايمر وحالات الخرف التي تحدث أكثر للكبار في السن. وتتنوع أسباب فقدان الذاكرة بين الحالات العضوية والنفسية، كما تتنوع وطرق وأساليب العلاج التي يُحددها الطبيب أو المُعالج النفسي. فما هو علاج فقدان الذاكرة وكيف يُمكن حماية أنفسنا من هذا العرض؟
يتطلب عمل الذاكرة بصورة سليمة تفعيل عدة أجزاء من الدماغ، ومن شأن أي مرض (أو إصابة) يؤثر على الدماغ أن يشكل عاملا معيقا لعمل الذاكرة، المركب والمعقد. وقد تنشأ النساوة نتيجة لضرر في بنية الدماغ، المسؤول عن القدرات اللغوية، عن الأحاسيس (الشعور) والذاكرة. هذه البنية، التي تشمل الحُصَيْن (Hippocampus) والمِهاد (Thalamus), موجودة عميقا في القسم الداخلي من الدماغ، في الجزء السفلي من الفصوص الأمامية (Anterior lobes). وقد تظهرعلامات النساوة نتيجة لإصابة أو صدمة (رضة) دماغية، وهو ما يسمى "النساوة العصبية، أو العضوية".
المسببات الأساسية للنساوة العصبية:
السكتة الدماغية (Stroke)
التهاب الدماغ (Encephalitis) من جراء عدوى (تلوث) يسببها فيروس، مثل فيروس الهربس البسيط (HSV)، أو نتيجة لرد فعل الجهاز المناعي على مرض السرطان الموجود في عضو آخر في جسم المريض ويدعى التهاب الدماغ الحوفي المتعلق بالأبعاد الورمية (PLE - Paraneoplastic Limbic encephalitis)
نقص في تزويد الأكسجين المنتظم إلى الدماغ (على سبيل المثال، عقب نوبة قلبية، ضائقة تنفسية أو تسمم بأول أكسيد الكربون)
نزيف في الفراغ الموجود بين الجمجمة والدماغ (نزف تحت العنكبوتية - Subarachnoid hemorrhage)
استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية التي تؤدي إلى نقص في الثيامين (فيتامين ب1) (متلازمة فيرنيكة كورساكوف - Wernicke – Korsakoff syndrome)
ورم في أجزاء الدماغ المسؤولة عن ضبط الذاكرة
بعض المتلازمات المعينة من نوبات الصرع (Epilepsy)
المعالجة بالتخليج الكهربيّ / معالجة بالصدمة الكهربائية (Electroconvulsive treatment - ECT)
إصابات في الرأس، مثل الإصابات في حوادث الطرق، والتي يمكن أن تؤدي إلى التشوش وإلى مشاكل في القدرة على تذكر ومعالجة معلومات جديدة، وخاصة خلال المراحل الأولى من الشفاء، لكن هذه المشاكل تكون، في غالبية الحالات، عابرة ولا تؤدي إلى ظهور مرض النساوة.
وثمة نوع آخر، نادر، من مرض النساوة، يسمى "فـَقـْد الذاكرة النفسي المنشأ" أو "فقد الذاكرة التفارُقي" (Dissociative amnesia)، يظهر نتيجة لصدمة نفسية أو رضح (Trauma)، مثل أن يكون الشخص ضحية لعمل إجرامي عنيف. في هذا النوع من الاضطراب، قد يفقد الشخص جزءًا من الذكريات الشخصية والمعلومات عن سيرته الذاتية لعدة ساعات، أيام أو لفترة أطول.
يزداد خطر الإصابة بمرض النساوة، إذا تعرض الإنسان إلى إحدى التجارب التالية:
عملية جراحية في الدماغ، إصابة في الرأس أو رضح
سكتة دماغية
استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية
ثمة عَرَضان (علامتان) أساسيان شائعان لمرض فقدان الذاكرة:
- تراجُع القدرة على تعلم ومعالجة معلومات جديدة تتزامن مع بداية مرض النساوة (فَقْدُ الذَّاكِرَةِ التَّقَدُّمِيّ / اللاحِقُ لِلإصَابَة - Anterograde amnesia)
- تراجع القدرة على تذكر أحداث وقعت في الماضي أو معلومات كانت معروفة في الماضي (فَقْدُ الذَّاكِرَةِ الرُّجوعيّ / السَّابِقُ للإصَابَة - Retrograde amnesia). تظهر لدى غالبية الأشخاص الذين يعانون من مرض النساوة مشاكل في الذاكرة قصيرة الأمد (Short - term memory)، إذ لا يستطيعون احتواء أية معلومة جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، تظهر لدى البعض منهم، أيضا، مشكلة في تذكر أحداث وذكريات من الماضي كانت محفوظة في ذاكرتهم. ومن شبه المؤكد أنهم يفقدون ذكريات الماضي القريب، بينما يحتفظون بذكريات الماضي البعيد، المخزونة عميقا في الذاكرة.
يستطيع بعض الأشخاص تذكر تجاربهم في فترة الطفولة، أو تذكر أسماء الرؤساء السابقين، لكنهم لا يستطيعون تذكر اسم الرئيس الحالي، اسم الشهر الحالي أو ماذا تناولوا في وجبة الفطور صباح اليوم نفسه.
فقدان الذاكرة لا يؤذي مستوى الذكاء (Intelligence)، الثقافة العامة، الإدراك، مستوى الإصغاء، القدرة على الحكم، الشخصية أو الهوية الفردية. باستطاعة الأشخاص الذين يعانون من مرض النساوة أن يفهموا الكلمات المكتوبة والمسموعة، وأن يتعلموا مهارات جديدة، مثل ركوب الدراجة أو العزف على البيانو. هؤلاء الأشخاص ينجحون جيدا في اختبارات الانتباه والتركيز واستخلاص الاستنتاجات. وهم يدركون ويفهمون، غالبا، إنهم يعانون من مشكلة في الذاكرة.
يختلف مرض النساوة (فقد الذاكرة) عن الخرف (Dementia). فالخرف يشمل فقدان الذاكرة، لكنه يكون مصحوبا باضطرابات إدراكية إضافية بارزة، من الممكن أن تؤدي إلى خلل في القدرة على أداء أعمال يومية بسيطة. وبالرغم من وجود نوع معين من النسيان يصاحب الاضطرابات الإدراكية البسيطة، إلا أن مشاكل الذاكرة المرافقة لهذا الخلل لا تكون شديدة الخطورة مثل تلك التي ترافق النساوة.
أعراض وعلامات إضافية تميز النساوة:
ذكريات مخطوءة (مختلقة): قد تكون، في بعض الأحيان، قصصا كاذبة وملفقة كليا، أو مجموعة من الذكريات الحقيقية لكنها غير مرتبة بشكل صحيح في الحيز الزماني الذي حدثت فيه
إعتلالات عصبية: مثلا - حركات لا تناسق بينها، أو ارتعاشات (ارتجافات)
تشوّش أو تَوَهان حيّزي (عدم القدرة على التوجه المكاني - Spatial disorientation)
المسبب الأساسي لغالبية حالات مرض النساوة هو حدوث إصابة دماغية. ومن هنا، فإن أفضل طريقة للوقاية هي تجنب حدوث مثل هذه الإصابات. ومن أجل تقليص احتمال الإصابات الدماغية يجب:
الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية بشكل مفرط
وضع خوذة على الرأس أثناء ركوب مركبات ثنائية العجلات وربط حزام الأمان أثناء السفر في السيارة
معالجة الالتهابات الدماغية بسرعة وبشكل مكثف
التوجه للعلاج الفوري لدى حصول سكتة دماغية أو أمهات الدم (توسّع مرضيّ في جدار الشريان - Aneurysm) في الدماغ
يتركز علاج فقدان الذاكرة في طرق وتدابير هدفها المساعدة والتعويض عن فقدان الذاكرة الناشئ. وقد يستفيد المصاب بمرض النساوة من المعالجة المهنية (Occupational therapy) بهدف تعلم كيفية خزن معلومات جديدة تستبدل المعلومات القديمة المفقودة، أو كيفية استعمال المعلومات التي لم تتضرر كأساس لتجميع معلومات جديدة. وقد يشمل تدريب الذاكرة، أيضا، فعاليات عديدة ومتنوعة تساعد على ترتيب المعلومات كي يكون من الأسهل تذكرها في المستقبل وعلى تحسين فهم المحادثات المعقدة.
ويجد غالبية الأشخاص الذين يعانون من مرض النساوة أن الاستعانة بتشكيلة من الأجهزة الرقمية (Personal Digital Assistant - PDA) مثل البالم (حاسوب كف اليد - Palm)، بلاك - بيري أو الآيفون، يمكن أن تكون مفيدة جدا لهم. وبواسطة التدريب والتمرين، يمكن للأشخاص الذين يعانون من حالة نساوة شديدة الخطورة، أيضا، أن يتعلموا كيفية استعمال شتى الأجهزة والمنظومات الألكترونية والاستعانة بها لتنفيذ مهماتهم اليومية.
وعلى سبيل المثال، من الممكن برمجة الجهاز الالكتروني بهدف تذكر تناول الأدوية. وثمة طرق وأدوات مساعدة غير تقنية أيضا يمكن أن تشمل: دفترا عاديا بسيطا، رزنامة، شخصا أخر مهمته تذكير المريض بأن يتناول الأدوية وصورا لأشخاص وأماكن معروفة.
حتى يومنا هذا، ليس هنالك دواء محدد مخصص لمعالجة غالبية أنواع النساوة. ونظرا لأن متلازمة فيرنيكه - كورساكوف تنشأ نتيجة لنقص في الثيامين (فيتامين ب 1)، فإن العلاج يشمل تناول بدائل لفيتامين ب1 والحرص على التغذية الصحية والسليمة. ولا يزال الباحثون يدرسون عدة نواقل عصبية (Neurotransmitters) لها دور في تشكيل الذاكرة، والتي من شأنها أن تساعد، في يوم من الأيام، في الكشف عن علاجات جديدة لاضطرابات الذاكرة.
لكن كون العمليات الحاصلة في الدماغ معقدة ومركبة جدا يجعل احتمال اكتشاف دواء واحد ووحيد يعالج جميع مشاكل الذاكرة هدفا شبه مستحيل، تقريبا.
اقرئي أيضا:
اترك تعليقا