الملكة فيكتوريا.. مررت الإصلاح وقلصت صلاحيات الملكية
الأكثر مشاهدة
المحتوى
في مقر العائلة المالكة بقصر كنستينجتون في لندن، ولدت الملكة فيكتوريا في يوم الإثنين 24 مايو لعام 1819، لتكون واحدة من أهم ملوك المملكة المتحدة، بما تضمه من بريطانيا العظمى وإيرلندا وكذلك إمبراطورية الهند، عاشت طفولة صارمة، وكانت صاحبة ثاني أطول فترة في البقاء على العرش لمدة 64 عاما، بعد الملكة إليزابيث الثانية، شهدت بريطانيا خلالها ثورة كبيرة سياسيا وصناعيا وثقافيا وكانت في أوج عظمتها، للدرجة الذي جعلت المؤرخين يطلقون على هذه الحقبة "العصر الفيكتوري".
حياة الملكة فيكتوريا
ولدت باسم ألكسندرينا فيكتوريا، وكانت تنتمي للأسرة الهانوفرية صاحبة الأصول الجرمانية أي الألمانية، وهي سلالة حكمت بريطانيا في الفترة من 1417 وحتى 1901، وكانت الملكة فيكتوريا حفيدة الملك جورج الثالث، والدها هو الأمير دوق كينت وستراثرن، ووالدتها دوقة كينت الأميرة فيكتوريا من منطقة ساكس كوبرغ- زالفلد (الموجودة حاليا في ألمانيا).
كانت الملكة فيكتوريا هي الوريثة لعرش الملكية بعد عمها ويليام الرابع، توفي والدها في عام 1820 بعد أشهر قليلة من ولادتها، فلم تحظ بأية فرصة يتكوين ذكرى معه او التعلم منه، بل كانت طفولتها شديدة الصرامة، ووصفتها هي في مذكراتها بـ "الكئيبة"، كونها كانت تتجهز لتولي العرش، ففور أن تمت الخامسة من عمرها، أوكلت والدتها شئون تربيتها إلى السكرتير جون كونوروي، الذي جعلها تتبع نظام كينسينجتون.
وفق هذا النظام، كانت الملكة فيكتوريا معزولة تماما عن الأطفال في مثل عمرها، فلم تلعب معهم أو تقضي أوقاتها برفقتهم، فقط تلعب بالدمى وتتلقى التعليم على يد معلمين متخصصين، من أجل أن تتقن التحدث بأكثر من لغة، بخلاف الإنجليزية، منها: الفرنسية والألمانية والإيطالية واللاتينية، وكانت بعيدة عن كل التأثيرات الخارجية، ولم يُسمح لها حتى بأن تقضي وقتها مع نفسها ووحدها، لدرجة أن هناك مربية كانت تراقبها في أثناء نومها.
بسبب الضغوط التي وضعت عليها في سن صغير، كانت الملكة فيكتوريا تصاب بالتعب والإعياء والحمى، خاصة، مع إجبار والدتها لها على أن تقوم بمجموعة من الجولات عبر إنجلترا، ومحاولة إقناعها بأن تضم السكرتير جون كونوروي لحاشيتها ويكون مستشارها الخاص ولكنها رفضت بشدة، وفور توليها العرش أبعدته عن الحاشية.
ملكة المملكة المتحدة
في صباح يوم 20 يونيو عام 1837، بعد شهر تقريبا من إتمامها لعامها الثامن عشر وانتهاء أمر الوصاية عليها، أيقظتها والدتها في السادسة صباحا، لتقابل رئيس الاساقفة ولورد كونينجهام ليخبراها أن عمها وبليام الرابع (الملك) قد توفي وأنها صارت الملكة من بعده، وبالفعل تم تحضير الأوراق لبدء توليها مهام منصبها الجديد، تحت اسم "الملكة فيكتوريا"، وتمت مراسم تتويجها وكانت أول ملكة تعيش في قصر باكينجهام
عدم خبرتها بأمور السياسة، جعلها توجه كل ثقتها في رئيس الوزراء حينها اللودر ميلبورن، فكانت دوما ما تستشيره، وكان منصب الملك في ذلك الوقت له مجموعة من الصلاحيات الدستورية المحدودة، ولذلك كان للملكة فيكتوريا رأيا في تعيين رئيس الوزراء، وأمور أخرى متعلقة بإدارة شئون البلاد.
ومع توليها للحكم، صار هناك رغبة في تزويجها وكانت تراها هي فرصة للابتعاد عن سيطرة والدتها، وكان يبدو أنها تحمل مشاعر طيبة للأمير ألبرت ابن عمتها، وأظهرت اهتماما بدراسته وضرورة أن يستكمل تعليمه بما يليق بدوره المستقبلي كزوج للملكة.
وفي فبراير عام 1840، تزوجت الملكة فيكتوريا من الأمير ألبرت بقصر سانت جيمس في لندن، وتعتبر ان ليلة زفافها هي واحدة من أفضل الأيام التي عاشتها، فقالت عن هذه الليلة "لم اقض في حياتي أبدا أمسية أفضل من هذه، أعلى وأعز احبائي ألبرت منحني حب وعاطفة شديدة وإحساسا صافيا بالسعادة.. إنه يناديني بكمات تقطر محبة لم أسمعها من قبل.. إنه حقا أفضل يوم في حياتي".
بعد الزواج، صار ألبرت هو مستشار الملكة فيكتوريا، وأصبح بديلا للورد ميلبورن، واعتمدت عليه بصورة كبيرة وكان يساندها في كثير من الأمور، وكان مهتما بشكل خاص بالفنون والعلوم والتجارة والصناعة، وعمل على إقامة المعرض الكبير عام 1951، وساهمت أرباح هذا المعرض في إقامة مجمع متاجف ساوث كنسينجتون في لندن.
إنجازات الملكة فيكتوريا
اتسمت فترة حكمها، التي امتدت من عام 1837 إلى عام 1901، بأنها عصر الإصلاح الذي شمل أوروبا كلها وليس بريطانيا وحدها، ففي هذا العصر بدأ الاهتمام بالابتكارات الصناعية والتكنولوجية، فعملت على تسهيل إصدار مجموعة من القوانين المهمة، كقانون الإصلاح الثاني عام 1867، وإدخال نظام الاقتراع السري عام 1872 لضصمان عدم استغلال الناخبين.
وعملت الملكة فيكتوريا على إبطال قوانين الحبوب التي كانت تخدم المنتجين بإبقاء سعر الحبوب مرتفعا، كما حاولت أن تقدم التبرعات لإيرلندا والتي وصت إلى ألفي جنيه أسترليني، رغم ان الشعب الإيرلندي كان يلقبها بملكة المجاعة، واهتمت بالعمل على إصلاح العلاقات مع فرنيا، فقامت بزيارة لها مع الأمير ألبرت، وكانت أول حاكم إنجليزي من عام 1520 تزور حاكما فرنسيا.
توسعت سلطات الناخبين خلال حكم الملكة فيكتوريا، وبدأت صلاحيات الملكة في التقلص شيئا فشيئا، بعد أن صدرت القوانين التي تعمل على خدمة الإصلاح المجتمعي، مثل قانون تمثيل الشعوب عام 1884، الذي يعمل على توسيع رقعة الناخبين الذين يمكنهم التصويت في الانتخابات لتشمل كل شخص يمتلك مكان إقامة لا تقل قيمته عن 10 جنيها إسترلينية في العام الواحد.
ومع محاولاتها المستمرة، كانت تخفق على جبهات أخرى، كرفضها لمنح المرأة حق التصويت، رغم اهتمامها بجوانب أخرى متعلقة بتحسين أوضاع الفقراء ودعم الجمعيات الخيرية التي تعمل على تحسين وضع المستشفيات والمدارس، ولكنها واحدة من الملوك الذين واجهوا أكبر عدد من الاغتيالات.
تعرضت الملكة فيكتوريا لثلاث محاولات اغتيال، الأول: كانت في عام 1842 عندما حاول شخص يدعى فرانسيس أن يطلق النار عليها في أحد الطرق بلندن، وتم الإمساك به وتعرض للنفي مدى الحياة، أما المحاولة الثانية: فحدثت في عام 1849 عندما حاول عاطل إيرلندي اسمه ويليام هامليتون ان يطلق النار على عربتها من مسدسه وهي تمر بقاعة الدستور في لندن، ولكنه أخفق، وآخر هذه المحاولات الثلاث: كانت في عام 1850 عندما اعتدى عليها ضابط سابق وضربها بعكازه فسبب بعض الكدمات بوجهها وتم نفيه لسبع سنوات.
بعد زيارة لابنهما في أثناء تلقيه التدريبات بالجيش الإنجليزي، تلقى الملك ألبرت خبرا حزينا بعلمه أن ابنه بيتي يقيم علاقة مع ممثلة، وكان في نفس الوقت يعاني من مرض مزمن في المعدة، ولكن صحته بدأت في التدهور بعد هذه الزيارة، ليبدو وكأنه تأثر بهذا الخبر، وقيل إنه أصيب بحمى التيفويد، وفي الـ 14 من ديسمبر عام 1861 توفي متأثرا بآلام مرضه.
كانت لوفاة الملك ألبرت تأير كبير على الملكة فيكتوريا، فدخلت في حالة من الحداد استمرت لفترة طويلة، بعد أن قررت ارتداء الملابس السوداء وتقلل من ظهورها في أي من المناسبات والأماكن العامة، ودخلت في عزلة فرضتها على نفسها للدرجة التي جعلت لقب "أرملة وندسور" يلازمها، ولكنها بدأت في التخلي عن هذه العزلة قليلا بعد أن وجدتها تقلل من شعبية الحكومة الملكية.
بدأت الملكة فيكتوريا تعتمد على خادم من إسكتلندا اسمه جون براون، وظن كثيرون أن هناك علاقة حب نشأت بينها وبينه، ولكن توصلت كاتبة بريطانية تدعى شاراباني باسو إلى مذكرات يومية قالت إنها تخص الملكة، وظهرت فيها علاقتها الوثيقة بمعلمها الهندي المسلم عبد الكريم، الذي كانت تعتمد عليه بصورة أكبر من الخادم الأسكتلندي، وكانت دوما تتوسل إليه ليبقى بقربها إذا ما اردا أن يرحل عن وظيفته، وتم إصدار فيلم عن هذه العلاقة عام 2017 بعنوان "فيكتوريا وعبدول".
أبناء الملكة فيكتوريا
من بين أكثر الأمور الشائعة عن حياة الملكة فيكتوريا، القول بإنها كانت تكره أن تكون حاملا، وكانت ترفض الرضاعة الطبيعية وتعتبرها أمرا مقززا، ولك يكن الأطفال حديثو الولادة بالنسبة لها سوى قبيحين، ورغم ذلك حظيت بتسعة أبناء أوكلت أمر تربيتهم ونشأتهم للمربيين.
وكان أبناؤها هم: الأميرة فيكتوريا إمبراطورة ألماني، والأمير ألبرت إدوارد أمير ويلز، والأميرة أليس دوقة هيس وارين، والأمير ألفريد دوق ساكس كوبورغ وغوتا، والأميرة هيلينا، والأميرة لويز دوقة أرغيل، والأمير آرثر دوق كونون وستراثرن، والأمير ليوبولد دوق ألباني، والأميرة بياتريس.
جنازة الملكة فيكتوريا
توفيت الملكة فيكتوريا في 22 يناير عام 1901، وكانت قد أوصت أن تتم جنازتها في صورة عسكرية وأن يتم إلباسها اللون الأبيض وأضافوا له طرحة زفافها، وبصحبتها فيالكفن طلبت أن يُدفن معها تذكارات جمعتها بعائلتها وأصدقائها وخدمها، كما وضع جزء من ملابس زوجها ألبرت، وخصلة من شعر خادمه جون براون وبعض المجوهرات، وأقيمت الجنازة في الثانب من فبراير 1901 بكنيسة القديس جورج.
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٢١ يونيو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا