”حقوقي” جمعت 3 سيدات لمساعدة الناس يدافعوا عن حقوقهم
الأكثر مشاهدة
"كنت عاوزة أكون محامية عشان أساعد الناس تبقى عارفة حقوقها وتدافع عنها" من الممكن أن يبدو حلما مثاليا، ولكن استطاعت هالة رياض أن تحققه، فالخاطر الذي جعلها تتمنى أن تكون قادرة على توعية أكبر عدد من الناس بالخدمات والإجراءات القانونية التي يحتاجونها يوميا، صار منصة "حقوقي" التي أطلقتها مع صديقتيها مي عبد الباري وفاطمة خليل.
دراسة الحقوق
قبل التفكير في إطلاق منصة يمكن للجميع استخدامها عند الحاجة إلى البحث عن أية معلومة قانونية أو الرغبة في الحصول على خدمة واستشارة لإجراء قانوني ما، لم تكن مهنة المحاماة أمر غريب عن هالة، فهي ابنة عائلة يمتهن جميع أفرادها تقريبا هذه المهنة، غير أنها حفيدة فؤاد رياض، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة وعضو مجلس حقوق الإنسان والقاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، والذي رحل في يونيو 2020.
كان تأثر هالة بالمحيطين بها قويا وواضحا في اختياراتها لما يمكن أن تدرسه، ولنظرتها للأمور أيضا، فصار لديها بُعدا مختلفا، فالطفلة التي كانت تعيش في بيت يعمل فيها الوالد والجد والجدة من الأب والجد من اللأم في مهنة المحاماة، شغلتها جريمة ختان الإناث للدرجة التي جعلتها تكتب عنها وعن إجرائها قصة في مدرستها، وهي ما زالت بعمر 15 عاما "طول عمري فيمنيست (نسوية)، ومن صغري كان عندي ثقافة قانونية قوية.. وجدي كان مدافع عن حقوق المرأة لسنين طويلة وزرع فيّا أهمية القانون والثقافة".
نشأة هالة منحتها دوما الفرصة للاطلاع على مكتبة كاملة من الكتب القانونية، فامتلكت ثقافة قانونية قوية في عمر صغير "وبقيت عاوزة أساعد الناس يدافعوا عن حقوقهم"، ولذلك كان بديهيا أن تختار كلية الحقوق لدراستها الجامعية، ولكنها قررت أن تدرسها في جامعة يورك في إنجلترا، الأمر الذي واجه اعتراض من أسرتها في البداية، كونهم فضّلوا أن تتعلم القانون في مصر، حيث يمكنها ممارسته، ولكن لهالة رأيا آخر "كنت عاووزة يكون عندي ثقافتين مختلفين في القانون، وأقدر اشتغل في شركات كبيرة مالتي ناشيونال (متعددة الجنسيات)".
وبالفعل، تعلمت هالة القانون في إنجلترا، وعادت بوجهة نظر مختلفة جعلتها ترى مهنة المحاماة نفسها بطريقة مغايرة "كان في مواد عن مستقبل المهنة في إنجلترا والعالم، وده ساهم في أني أبدا منصة حقوقي"، فتعرفت على ما يمكن أن يُحدثه دخول التكنولوجيا لعمل المحامين في المستقبل، وكيف يغير ذلك من طبيعة المهنة؟ وعادت عام 2019 تفكر في مستقبلها هي أيضا.
بداية الفكرة
بعد سنوات الدراسة في إنجلترا والعودة لاجتياز معادلة تمنحها لقب "محامية" في مصر، كان منطقبل أن تبدا بالتدرب في مكتب والداها للمحاماة، وهي تنوي ان تسافر للعمل بالخارج بعدها، ولكن في مايو 2020 حدث ما جعلها تسأل نفسها "هو أنا عاوزة اعمل غيه بالظبك؟ إيه اللي أحب أهديه للدنيا والناس وإزاي ممكن أساعدهم؟"، فما حدث أنها كانت تبحث عن الإجراء القانوني المفروض لمخالفة ركن السيارة صف ثاني في الشارع، لتكتشف استهلاكه لوقت أكبر مما يستلزم، مع اضطراراها لسؤال والدها.
"الموضوع خد تقريبا نصف ساعة، كل ده مع خلفية أني محامية وعندي معلومات كافية، ففكرت طيب لو شخص عادي ومحتاج يعرف المعلومة أسرع، هيحتاج وقت قد إيه" ومن هنا جاءت فكرة إطلاق منصة هدفها تثقيف وتوعية الناس بحقوقهم، والإجراءات القانونية التي يحتاجونها، خاصة بعد أن ربطتها بموقف مرت به في أثناء إقامتها بإنجلترا، عندما أراد احد الملاك أن يطردها من الشقة التي كانت تسكنها قبل موعدد انتهاء العقد، ولأن عملية الحصول على معلومة قانونية هناك أسرع وأفضل، تمكنت حينها من أن تحافظ على حقها.
بدأت هالة تعمل على الفكرة، وصارحت بها صديقتها السودانية فاطمة خليل، التي تعرفت عليها في أحد التجمعات الطلابية في أثناء دراستها بجامعة يورك، ولكن فاطمة كانت تدرس الإدارة والمحاسبة، ومهتمة كذلك بإتاحة المعلومات وسهولة الحصول عليها "لما عرضت عليا الفكرة قولت لها علطول أنا معاكي".
تدرك فاطمة أن المجتمعات العربية تواجه مشكلة كبيرة في إمكانية الوصول إلى المعلومات، حتى العادي والبسيط منها "حصول الناس على المعلومات وضعها سيء"، فما عاشته مع والدها، الذي يمتلك بيزنس خاص به في مصر، أثبت لها أن هناك مشكلة كبيرة "طول الوقت بندور على حاجة تعرفنا على الخطوات والمعلومات اللي ليها علاقة بالبيزنس ده، حتى في وجود محامي"، فتتذكر كيف أنقذت والدها نصيحة قانونية من والد هالة، مما جعلها تتمنى أن يكون هناك وسيلة تجعل كل شخص على دراية ووعي بالإجراءات القانونية.
انطلقت الفكرة من خلال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "حقوقي" في أكتوبر 2020، تنشر محتوى عن التوعية القانونية، وانضمت لها مي عبد الباري، مهندسة كمبيوتر، في نوفمبر، وتراها الفرصة التي بحثت دوما عنها، فرغم دراستها للهندسة كانت تتمنى أن تعمل بالمحامة أو الصحافة، ولكنها قررت أن تستغل خبرتها في هندسة الكمبيوتر بالعمل في مجال التنمية "كنت مهتمة بالشأن العام، واشتغلت على قضايا ليها علاقة بالمرأة والطفل" لتمكينهم.
ومع خبرتها التي جعلتها تتمكن من استخدام التكنولوجيا في تقديم حلول تنموية، والتي امتدت لأكثر من 15 عاما، كانت تبحث مي عن فرصة جديدة، وبالفعل، التقت بهالة في أحد التجمعات العائلية وتلاقت اهتماماتهما "أول ما قالت لي، خدت أسرع قرار في حياتي، وقدمت استقالتي واتفرغت للمشروع"، لتجتمع مي وهالة وفاطمة على تأسيس منصة "حقوقي".
منصة حقوقي
كانت البداية توعوية هدفها أن يكون الناس على فهم بأكثر المواقف الشائغة المتعلقة بالقانون التي يتعرضون لها، مثل ركن السيارة في مكان ممنوع، أو انتحال شخصيتك على الإنترنت، أو الغرامات الفورية في حالة عدم ارتداء الكمامة، وتمكنت المنصة من أن تكتسب ثقة متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إطلاق الموقع الإلكتروني.
ومن خلال محاولات توسيع الخدمات التي تقدمها منصة حقوقي، تم التعاون مع محامين في تخصصات قانونية مختلفة "المحامين كانوا متحمسين للتعاون معانا جدا، وبدأوا يبعتوا أنهم مستعهدين للمشاركة في المنصة" وتوضح مي أن المنصة بات لديها أكثر من 34 محامي وتقدم 4 خدمات أساسية، هي: التوعية بالحالات والمواقف والتفسيرات القانونية، إمكانية طرح سؤال عام على الموقع الإلكتروني للمنصة وتلقي الإجابة، ويتم تقديمهما مجانا، وهناك خدمتين أخريتين، يتم دفع مقابل مادي لهما، هما: البحث عن استشارة قانونية لحالة معينة، وتوكيل محامي.
تعتبر هالة أن منصة "حقوقي" تأتي أهميتها من الضمانات التي توفرها للطرفين سواء المحامي أو العميل، كونها تضمن لهما علاقة مبنية على الثقة "لأننا عندنا مشكلة أننا مش فاهمين في القانون، ومش قادرين نثق في المحامين بنسبة 100%"، ولذلك تمنح العملاء فرصة تقييم المحامين، بداية من الوفاء بالمواعيد والمتابعة واحترام الحدود ووجود علاقة طيبة، كما تقوم المنصة بالعمل كوسيط، فالعميل يدفع النقود للمحامي ولكنها تظل في حوزة المنصة، حتى تنتهي القضية فيحصل عليها المحامي.
وتضمن "حقوقي" أيضا أن جودة خدمة مختلقة، ومنح العملاء حرية أكبر في اختيار المحامي المناسب لهم، وتساعد على تسهيل نقل ورق أي قضية من محامي إلى آخر بعد انتهاء التعامل معه "يعني بنهتم أنه العميل يلاقي محامي تاني فورا في حال حدوث أي مشكلة، ونقل ورق القضية بتفاصيله بسهولة، خاصة أننا عارفين ان دي أصعب خطة"، وتضيف مي أن الهدف أن يكون العميل على وعي أكثر بالقانون، وأن يضمن حقوقه.
غير أن الموقع الإلكتروني لمنصة حقوقي، الذي عملت مي على تطويره، يوفر مجموعة من الخدمات المتعلقة ببدء تسجيل شركة جديدة أو عقار، مع عرض آخر الأسئلة التي طرحها آخرون، ومعلومات عن كل المحامين الذين يتم التعامل معهم، وكذلك مدونة تضم محتوى به كل الأمور الشائعة والمعلومات العامة التي يبحث عنها كثيرون.
حلم الثلاث صديقات أن تكون منصة "حقوقي" في خلال السنوات الثلاث القادمة قادرة على تغيير ثقافة القانون في مصر، وأن تكون المكان الذي يلجأ له كل شخص يواجه مشكلة قانونية ويريد الاستفسار عنها، أو يرغب في توكيل محامي "ويكون مطمن أن في حد بيتابع معاه، وإحنا في ضهره"، مع إمكانية أن يجد أي معلومة بسهولة، ويعتبرن أن نجاح "حقوقي" الحقيقي يأتي مع كل تعليق على كل معلومة تنشرها المنصة بأن صاحبه تعرف على معلومة جديدة.
الكاتب
هدير حسن
السبت ١٠ يوليو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا