مروة الشرقاوي تنتصر للحكاية العادية بـ ”أحلام منسية”
الأكثر مشاهدة
"إلى كل مرضى الفشل الكلوي.. لا تنسوا أحلامكم" أرادت مروة الشرقاوي أن تختتم فيلمها التسجيلي "أحلام منسية" بما يجعل آخرين يشعرون أن أمانيهم سيأتي لها يوم وترى النور، بعد أن استطاعت أن توثق لرحلة عمرو على مدار ثلاث سنوات نحو سعيه في أن يحظى بحياة عادية لا يضطر خلالها أن يخضع لجلسات الغسيل الكلوي 3 مرات أسبوعيا، ودون القلق من تدهور صحته في أي لحظة، وفقدانه لحماس انتظار المستقبل وما قد يخفيه من احتمالات.
المخرجة مروة الشرقاوي
"بتمنى أحكي كل الحكايات" الأمنيات الصادقة لا تكفي وحدها، أدركت مروة أن شغفها بمجال صناعة الأفلام، خاصة التسجيلية والوثائقية، يجب أن يوازيه اجتهادها في السعي، فانتقلت من الإسكندرية إلى القاهرة بعد انتهاء مرحلة الثانوية العامة، لتدرس الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، "كنت بحب المجال ده، وبشترك في أنشطة طلابية ليها علاقة بيه، عشان أتعلم كل حاجة لها علاقة بالميديا والتصوير".
كانت تعلم وجهتها من البداية، وبعد التخرج في الكلية في 2010 قررت أن تلتحق للعمل بشركات إنتاج الأفلام الوثائقية "كنت بشتغل كل حاجة من كتابة الاسكريبت والإعداد والبحث والمونتاج وكمساعد مخرج"، حتى تمكنت في 2012 من إخراج أول أفلامها، وكان فيلم وثائقي عن محافظة دمياط، واستطاعت أن تنال عنه جائزة أفضل مونتاج في مهرجان رأس البر.
تأتي محبة مروة الشرقاوي لعالم صناعة الأفلام، من متابعتها لأعمال محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة، أصحاب تيار الواقعية الجديدة، واستطاعت أن تشكل رؤيتها الفنية والبصرية وتتعلم من الاطلاع على سينما عالمية من بلاد مختلفة عكس السائد، فهي متابعة جيدة للسينما الإيرانية ومخرجيها المميزين مثل عباس كيارستامي وأمجد مجيدي، كما أنها تفضل مشاهدة السينما الفرنسية، وتعتبر أن المخرج الألماني هيرزوك، المعرفو كواحد من رود الأفلام الحية والواقعية، من المخرجين الذين يمتلكون تجارب روائية وإخراجية ممتعة.
عملت مروة على أفلام تسجيلية قصيرة وطويلة مع عدد من الجهات والقنوات المختلفة، وكذلك منظمة الأمم المتحدة للمراة، فتذكر فيلمها "سلمى.. حلم الجنوب" عن فتاة من منطقة القلعان في البحر الأحمر وأحلامها وطموحتها التي تسعى لتحقيقها في ظل الحياة في قرية نائية بعيدا عن العاصمة، كما شاركت في أفلام وثائقية للتلفزيون وفيديوهات قصيرة للمواقع الصحفية مثل بيبي سي و"احكي"، وكانت تتعلم من خلال التجربة والتوجيه، وكذلك حضور الورش والتدريبات التي فاق عددها 12 ورشة، ما بين التصوير والإخراج وكتابة السيناريو والتوثيق الإبداعي.
الأفلام التسجيلية
"بلاد الدهب" هو أول فيلم تقوم مروة على صناعته بالكامل بشكل مستقل، وكانت نتاج المشاركة في ورشة الإخراج وكتابة السيناريو بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في 2017 "كان أول تجربة أعمل فيها كل حاجة بنفسي تصوير ومونتاج وإخراج وكتابة وكل حاجة"، واتبعته بفيلمها "امراة تطل من النافذة" وكان من الخطوات المهمة في مشوارها الإخراجي، وحصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان يوسف شاهين دورة عام 2019.
تميل مروة إلى عالم صناعة الأفلام التسجيلية والوثائقية "بحس أنها أقرب لقلبي، لأنك بتتكلمي عن الحقيقة وبتتعمقي أكتر جوه شخصيات واقعية"، معتبرة أنها الفرصة التي يمكنها أن تحكي من خلالها حكايات الأشخاص الذين تصادفهم كل يوم، سواء صدفة أو في العمل، محاولة أن تنتج تجربة إنسانية عظيمة من حكايات بسيطة قد يغفلها كثيرون.
ترى مروة أن الأفلام التسجيلية هي "انتصار للحكايات العادية جدا" كما يقال دوما، وتعلمت من المخرجة اللبنانية المصرية عرب لطفي والمخرجة أمل رمسيس إن الأفلام مساحة إنسانية لفهم الآخر "أي فيلم الواحد بيدخله، بيخرجه منه شخص مختلف"، متمنية أن تكون قادرة دوما على صناعة أفلام تسجيلة إنسانية متأثرة بمقولة المخرج محمد خان "السينما أداة نحو الإنسانية".
فيلم أحلام منسية
"أكتر جملة كان دايما بيقولها وبتأثر فيّا، هي أنه نفسه يعيش لما يشوف أي تغيير بيحصل" تتذكر مروة كلمات عمرو إسماعيل بطل فيلمها "أحلام منسية"، الفيلم الذي كان العرض الأول له خلال الدورة الخامسة لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة يونيو 2021، واستطاع ان ينال إعجاب الحضور من النقاد والجماهير، ويلقى استحسان الناقدة ماجدة موريس، والفنانة سلوى محمد علي وعزة كامل، ورأى الجميع أنه تجربة إنسانية حميمية.
تدور أحداث الفيلم، الذي استمر إنتاجه وتمويله بشكل مستقل من جانب مروة إلى ثلاث سنوات، حول الشاعر عمرو إسماعيل الذي يعاني من مرض الفشل الكلوي، ويضطر إلى الخضوع لجلسات الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيا، وبينما هو يستعد للزواج تعوقه كثير من ظروف مرضه عن الحصول على وظيفة مناسبة والاستمتاع بحياته.
بدأت القصة، عندما تعرفت مروة على عمرو من خلال أحد الاصدقاء "قابلته بالصدفة، ومكنتش فاهمة يعني إيه فشل كلوي وإزاي ممكن يكون مأثر عليه، وكان بيحكي إنه مثلا ميقدرش يسافر لأماكن معينة جوه مصر مفيهاش وحدات غسيل كلوي"، رغم طريقته الساخرة في التعبير عن الأمر، ووصوله لحالة كبيرة من التقبل والرضا، قررت مروة أن يكون فيلمها عنه.\
"كان الهدف في البدية، إننا نقدر نوفر من خلال الفيلم منحة عشان عمرو يقدر يزرع كلى بره مصر"، وبالفعل بدأت عملية التصوير، التي واجهتها في البداية معوقات عدم قدرة عمرو على التآلف مع وجود الكاميرا، أو تقبل المحيطين بها ولإقناعهم بالظهور أمام الكاميرا، حتى بدا عمرو نفسه في استعارة كامرا مروة لتسجبل أكثر لحظات يومه خصوصية بنفسه "حسيت أنه ده هيخلق شكل مش تقليدي للفيلم".
لم يسبق مروة- حسبما تقول- أحد في التعرض لحياة الأشخاص الذين يعانون من الفشل الكلوي، رغم أن أعدادهم تُقدر بـ 4 ملايين تقريبا، فحرصت على تمويل الفيلم بشكل كامل، حتى استطاعت أن تحصل على راعي له في مرحلة ما قبل الإنتاج من مهرجان القاهرة لأفلام المرأة، بجائزة عن ورشة القطع الأولى للمخرجات العربيات.
تتمنى مروة من خلال فيلمها أن يتم التعامل بصورة مغايرة مع مرضى الفشل الكلوي، الذين يتم تجاهلهم دوما، سواء في الوظائف، أو رفض الآباء لهم عند التقدم للزواج والتجريح بحديث مؤلم، وكلك الفتيات اللاتي يوصمهن المجتمع بمرضهن "يتمنى المجتمع يتعامل معاهم برفق أكتر.. ويوصل الفيلم رسالة زي رسالة فيلم يوم الدين عن مرضى الجذام، ويقدر يعمل تغيير مجتمعي كبير".
لدى مروة شغف وإيمان حقيقي بما يمكن أن تقدمه صناعة الأفلام التسجيلية، وتتذكر كيف كان الاحتفاء بهذه الصناعة أكبر قديما، خاصة مع وجود مخرجات ومخرجين مميزين مثل عطيات الأبنودي وعلي الغزولي وتهاني راشد "دلوةقتي عندك مشاكل كتير بتبدأ من أنك تلاقي حد يدعمك وينتج الأفلام"، خاصة مع تراجع العروض الجماهيرية للأفلام التسجيلية، رغم المحاولات التي تظهر من جهات مختلفة مقل سينما زاوية.
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٤ يوليو ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا