أهمية توظيف لغة الجسد في المسرح
الأكثر مشاهدة
الاستمتاع بالأعمال المسرحية يأتي من شعورنا بالانسجام مع حركة الممثلين وتفاعلنا بما يقولونه، وهو أمر لا يبدو سهلا، لكنه يتطلب مهارات حركية وقدرة على التعبير المتمكن، وهذا ما يوضح أهمية توظيف لغة الجسد في المسرح كواحدة من أهم استراتيجيات التعبير الجسدي وباعتبارها وسيلة التواصل مع الجمهور ونقل الأفكار والمشاعر، ولذلك تبدو صناعة ممثل جيد قائمة على فهمه العميق لجسده وما يمكن أن يقوله من خلاله؟ ولمساحته في الفضاء واستغلاله للفراغات.
تأتي أهمية لغة الجسد من قدرتها على لعب دور واضح في التواصل مع الآخرين، فالأمر لا يقتصر على الأداء المسرحي والتمثيل، بل صار رؤساء الدول ومقدمو برامج التلفزيون ومرشحو الأحزاب، وكذلك أصحاب المناصب القيادية في أعمالهم والباحثون عن فرص لمشروعاتهم وغيرهم كثيرون يتعلمون جميعا كيف يقدمون أنفسهم بصورة جيدة من خلال الاستخدام السليم للغة الجسد.
ما هي لغة الجسد
قبل أن نستدرك أهمية لغة الجسد في أي عمل وكذلك المسرح، من المهم أن نفهم أكثر عنها، ما المقصود بها؟ كيف تكون وسيلة تواصل فعالة؟ والطريقة المثالية لإتقان استخدامها، وكيف يمكن أن تتناسب مع اختلاف المجالات التي نعمل بها؟ وكيفية توظيفها على خشبة المسرح؟
المعروف أن لغة الجسد هي نوع من التواصل غير اللفظي، فنحن لا نستخدم الكلمات والجمل ويحاول المتلقون أن يستكشفوا ما نريد قوله أو التعبير عنه من خلال حركات يدينا ونظرات أعيننا وإيماءات وجهنا، وميزة هذا النوع من التواصل أنه يحدث بين البشر والحيوانات، وأنها في الغالب تحدث دون وعي وبشكل تلقائي، وهي تختلف عن لغة الإشارة أو اعتماد إشارات محددة داخل ثقافة معينة تشير إلى معلومة أو معنى بعينه.
التواصل الجسدي سكون من خلال تعابير الوجه، التي قد توضح المشاعر وطبيعتها من القبول إلى الرفض، وسواء كان الشخص لديه شعور بالخوف أو السعادة أم الحزن، وهل هو يركز في شيء ما الآن أم أنه مشتت الذهن؟ هل يشعر بالطمأنينة والثقة أم أنه قلق؟ وهناك أيضا ما يمكن استنباطه من حركات الرأس والرقبة، فالإيماءة قد تعني الموافقة، وهز الرأس يشير إلى الرفض.
ومن الممكن أن نتعرف على خضوع شخص ما من خلال حركة عينيه ورأسه، وكذلك اهتمامه بما يقال من خلال إنصاته والتواصل بالعين، ويمكن للرأس والعينين أن يخبرونا عن فضول الشخص أو شكه. وبالطبع وضعية الجسد وحركته يمكنها أن تخبرنا الكثير مما لا يقال، فكم مرة عرفنا أن الشخص الذي نحدّثه مهتم بما نقول من خلال إقبال جيده، وهل تتحرك يديه باستمرار أم أنه يعقد يديه أمام جسده ولا يريد أن يتدخل في أي نقاش؟
ويمكن أن تكون كل تفصيلة في الجسد لها تفسير يشير إلى معنى معين، سواء اليدين أو خطوات القدمين وطريقة الجلوس أو الوقوف، وكذلك حركة الصدر ومقدار النفس، وطريقة المصافحة هل تعبر عن الترحيب والمحبة ام أن هناك مشاعر أخرى كالرفض وعدم القبول؟ وتعتبر حركة الأكتاف من أكثر الحركات التي يمكن ملاحظتها بسهولة، فقد تشير للثقة أو التوتر والقلق، وهز الكتفين يعني عدم معرفة شيء معين.
أهمية لغة الجسد
لا يمكن التقليل من أهمية لغة الجسد، فكثيرا ما نكتشف كذب الآخرين من خلال حركة أو إيماءة يقومون بها، أو نتعرف على شعور الشخص بالانهزام أو الفرح، وطريقتنا نحن لنخبر الآخرين أننا فقدنا طاقتنا أو نشعر تجاههم بالامتنان، فعلى مستوى التواصل الإنساني لغة الجسد تُكمل تفاعلنا مع المحيط الذي نعيش به، وعلى مستويات أخرى متعلقة بالعمل أو الاداء المسرحي والتمثيلي تعتبر لغة الجسد هي الأداة التي يجب أن يطورها ويعمل عليها الفنان.
توضح دراسات متعددة أن البشر يعطون اهتماما يقارب الـ 90% بلغة الجسد في التواصل الإنساني، ويعتبرونها مكمل للكلمات والجمل المنطوقة، وهذا يوضح لماذا كثيرا ما يُساء فهم ما نقول في المحادثات المكتوبة بين الأصدقاء والأهل؟ ولذلك يسعى كثيرون إلى أن يتمكنوا من استخدام لغة الجسد وتوظيفها لصالحهم- رغم صعوبة ذلك- في أعمالهم وتحقيق مرادهم في التواصل مع الآخرين، ويمكننا أن نعتبر أهمية لغة الجسد تأتي من:
- قدرة لغة جسدك على أن تكون العلامة التي تسوق لشخصيتك، وتعبر من خلالها في مقابلات العمل والتجمعات الاجتماعية عن مدى انفتاحك، او كونك شخص ودود، وكذلك هل أنت إنطوائي أو لا تحب الزحام؟
- تظهر أهمية لغة الجسد من كونها تحدث دون وعي، فمن يشعر بالملل في أثناء الاجتماعات سينظر لساعته كثيرا، والمتوتر سيهز قدميه، وصاحب الشغف بفكرة ستعبر حركات يديه وعينيه عن ذلك.
- لغة الجسد هي التي تجعل مدرس يحظى بالقبول ويحب الطلاب الإنصات له والتعلم منهن وآخر لا يمكنهم تحمل ما يقوله مهما بلغت درجة علمه، وهو ما يعني ضرورة أن يتقنها كل معلم.
- يمكن للغة الجسد أن تكون أداة الأفراد والدول ليوصلون رسالة بعينها، فنجد مصافحة بين رؤساء الدول تعبر عن ما يكمن في دواخلهم، وطريقة الجلوس توحي بما يمكن توقع حدوثه في الغرف المغلقة من توافق أو اختلاف.
- يتدرب كثير من المتقدمين للوظائف، ومن هم على موعد مع عرض تقديمي لفكرة أو مشروع أو تدريس مادة معينة على استخدام لغة الجسد بأفضل طريقة.
- قدرة الشخص على فهم لغة الجسد واستخدامها بشكل فعال، وكذلك الاهتمام بنبرة صوته ومظهره يمنحه ثقة أكبر في النفس.
- يمكن للغة الجسد أن تساعد الشخص على أن يحقق ما يريده، فكون قادر على أن يجعل حضوره مريحا لمن حوله وباعث للثقة والاطمئنان، فيتمكن من النجاح في نواحي مختلفة في الحياة، سواء اجتماعية أو مهنية.
اللغة الجسدية للممثل
على المسرح، يقف الممثل على موعد مع مئات واحيانا آلاف الأشخاص، يريد أن يلفت انتباههم لما يقوله ويبعدهم عن تشتت الانتباه، يحاول مستخدما كل الأدوات، بداية من ملابسه ونبرة صوته وحتى حركة جسده وتعابير وجهه وقدرته على التعامل مع الفراغ من حوله واستغلاله، فلغة الجسد على المسرح تتلخص في قدرة الممثل على تحريك جسده
من خلال حركتك على المسرح يمكنك أن تخبر الجمهور كثير عن الشخصية التي تقوم بأدائها، عمرها ومشاعرها وطبيعة تعاملها مع محيطها، وعلى ذلك أن يبدو مقنعا، ولن يحدث ذلك دون ان يكون لهذه الشخصية لغة خاصة بحسدها تعبر من خلالها عن نفسها، بخلاف الكلمات المنطوقة.
ويمكن للممثل المسرحي أن يوظف لغة الجسد من خلال:
- القدرة على التحكم في التوتر الطبيعي الذي يسبق مواجهة الجماهير، والتحكم به وتجاوزه حتى لا تتعرض للإحراج، والتركيز على الطاقة التي يمكن التعبير من خلالها.
- يمكن التدرب من خلال استخدام قناع على الوجه، فتركز بذلك على حركة يديك وجسمك لتعبر عن الانفعالات التي تتعرض لها الشخصية من الغضب والحزن او الخوف والفرح، وهو تمرين يعزز من موهبتك الحركية.
- الاشتراك في عمل مسرحي صامت يمكنه أن يمنحك الفرصة لتركز على تعابير الوجه والإيماءات وحركة الرأس، وكذلك طريقة الإمساك بالأشياء.
- تقدير السكون والثبات كما الحركة، وكيف يمكن أن تعطي عدم الحركة معنى مثلما تفعل الحركة نفسها، وهو أمر يجب على صانع الدراما أن يتعلمه ويتقنه.
- القدرة على التفاعل الحركي الجيد والتواصل مع الممثلين الآخرين على خشبة المسرح، فتكون متفهم لأبعاد تواجدك ومساحاتهم والمساحة الخاصة بهم كذلك.
- أن تكون ردود الفعل على أداء الممثلين الآخرين واضحة وظاهرة للجمهور، خاصة في الأعمال الكوميدية، يقع على الممثلين دور كبير في تحديد اللحظة المضحكة من خلال ردود فعل أجسادهم، كالتعرض للضرب على سبيل المثال، فالممثل هو ما يجعل الجمهور يشعر أنه حقيقي.
- من المهم أن يدرك المؤدي قيمة اللمسة التي قوم بها، فملامسته لممثل آخر يجب أن تكون واقعية خالية من التوتر والقلق، وغير مقتحمة لمساحة الممثل الآخر الشخصية، فاللمس هو واحد من أدوات لغة الجسد التي يجب استخدامها بثقة على المسرح.
- الاهتمام بان تعبر الحركة عن ما لا يمكن قوله، كعمر الشخصية فكبار السن لا يمتلكون نفس سرعة الأشخاص الأشغر عمرا، وكذلك الشخص الحزين لا يسير بنفس وتيرة المحب والواثق من نفسه.
- إدراك مساحة المسرح وطول خطوتك لتتناسب معه ومع حركات الممثلين الآخرين، وهو ما الأمر الذي يتطلب كثير من التمارين.
- حركة اليدين والذراعين والتدرب في كل مرة على أن يكونا متوافقين مع طبيعة الشخصية نفسها، وكذلك طريقة الجلوس التي قد توضح خضوعك أو قوتك، او تشير إلى موقفك من الأحداث.
- الاهتمام في الأعمال الكوميدية الحركات الهزلية، كمشية سارلي شابلن التي ندركها جميعا واستطاعت أن ترسخ في أذهاننا، أو تفاعل فؤاد المهندس الحركي الهزلي.
- يجب أن تهتم بمرونة جسدك وقدرتك على التعبير بالحركة، ولذلك يجب أن تتقن الرقص والتعلم منه لتعبر عن نفسك.
الراغبون في العمل بالمسرح والعروض الاستعراضية يحتاجون إلى شهور طوبلة من التدريب على استخدام أجسادهم للتفاعل والتعبير، ولذلك يجب أن يكونون على وعي بأهمية توظيف لغة الجسد في الأعمال الدرامية المسرحية، ويتعلمون الكثير عن أجسادهم وحركتها.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ١٥ أكتوبر ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا