فتيات لا يعرفن ”أطباء النسا” بسبب العادات
الأكثر مشاهدة
في إحدى القرى البعيدة التي لا تحظى فيها النساء بقدر معقول من التعليم والوعي، جاءت سيدة ممتلئة بالهموم جرّاء محاولات إرضاء المجتمع الذي لا يعرف للبنات طريقًا سوى الزواج، حيث لا شيء أهم من ارتداء الفتاة فستانًا أبيضًا قبل دخولها سن الثلاثين.
فتيات لا يعرفن أطباء النساء
جرًت السيدة أقدامها لباب إحدى الجمعيات الخيرية التي تسدد عن النساء الفقيرات ديونهن، والتي غالبًا ما تكون أيضًا بسبب تكاليف زواج بناتهن، خاصةً في القرى الفقيرة المحرومة من أغلب الخدمات العامة، لكن القصة ليست في ديون جهاز العروس فقط، بل في مرضها الذي تأخرت الأم عن متابعته منذ البداية حتى وصل الحال بالفتاة إلى الطلاق بعد الزواج بأشهر قليلة! فكيف حدث ذلك؟
تقول م.س، 32 عامًا مسؤولة بإحدى الجمعيات الخيرية بصعيد مصر أنها التقت بسيدة جاءت للجمعية تشتكي من ديون متراكمة عليها بسبب تكاليف زواج وجهاز ابنتها، لكن ابنتها تطلّقت بعد مرور أشهر قليلة على الزواج وفي بطنها جنينًا، فقد شعرت الفتاة قبل زواجها بأعراض وآلام في الثدي، وذهبت بها والدتها للطبيب لتكتشف أن ابنتها مصابة بسرطان الثدي، فقررت الأم أّلا تُفصح عن الأمر، وتوقفت عن المتابعة الطبية والعلاج حتى لا يشيع الخبر في القرية أن الفتاة مُصابة بسرطان الثدي، بل وتم الزواج لأول عريس أتي لخطبة الفتاة دون مصارحته ودون خوف على مصير ابنتها الشابة.
خافت الأم من عدم زواج ابنتها أكثر من إصابتها بسرطان الثدي، وانتشار الخبر بين نساء القرية، وهو ما يُعني عزوف العرسان، فمنظومة الزواج في غالبية مناطق مصر تشترط جسدًا كاملًا للمرأة وبلا عيوب والمرض يعني أنه لا فرصة في الزواج.
ما حدث لاحقًا كان كارثة، اشتدت أعراض المرض على الفتاة بعد مرور أشهر من زواجها، تطور الأمر للأسوأ حينما عرف زوجها بالأمر واعتبر أن زوجته ووالدتها لم يصارحنّه بالحقيقة منذ البداية، فقرر أن يطلقها بل ويستولي على جهازها ويتركها وهي حامل في جنين.
الفتاة الشابة التي دخلت في دوامات المرض بسبب الخوف من عدم اللحاق بقطار الزواج انتهى بها المطاف باستئصال الثدي، والدخول في صراع مع العلاج الإشعاعي والكيماوي.
أما د.م 29 عامًا فتقول أنها كانت تمر بفترة نفسية سيئة، أثّرت على مواعيد الدورة الشهرية، تأخر نزولها أكثر من ثلاثة أشهر، وبدأ ظهور كُتل وكلاكيع على الثدي، أخبرت والدتي وذهبت بي إلى الطبيبة، وكانت النتيجة تكيسات شديدة على الرحم، وطلبت الطبيبة أشعة ومتابعات لتشخيص الوضع، سمعت جدتي الخبر حتى بدأت في إقناع والدتي بعدم الذهاب بي لطبيب/ة النساء لأنني "لسه بنت" و "مينفعش توديها لدكتورة نسا عشان محدش يسمع" وكانت تقنعها بالعلاج المنزلي بدلًا من الذهاب للأطباء، "اعمليلها قرفة وجنزبيل وهتبقى كويسة".
تأثرت والدتي بكلام جدتي وخافت أن يسمع المحيطين بالأمر، انقطعنا عن الذهاب للطبيبة فترة طويلة حتى ساءت الأمور أكثر، شعرت والدتي بالقلق وذهبت بي لطبيبة نساء أكدت انتشار التكيسات على الرحم بل ووجود ورم أيضًا، لكن –وللعجب- قالت لوالدتي "طالما بنتك عندها مشاكل في الرحم جوزيها أحسن"، وعدت إلى نقطة الصفر مرة أخرى لأن والدتي بدأت سلسلة من الضغوط لإقناعي بالزواج في فترة لم أكن فيها مستعدة.
لم استسلم للأمر وذهبت مع والدتي لطبيبة أخرى، كانت أكثر تفهمًا وطلبت أشعة رنين وفحوصات أخرى وكتبت لي نظامًا علاجيًا وآخر غذائي لإنقاص الوزن، استمريت هكذا لفترة طويلة حتى اطمئننت أن الأورام والتكيسات المنتشرة على الرحم والثدي هي أورام حميدة، لكن الجيد في هذه الواقعة أن والدتي وخالتي تعلمتا الدرس في النهاية، وأصبحن لا يتأخرن عن الذهاب بي أو ببنات خالتي للطبيب إذا شعرت إحدانا بأي ألم أو عرض.
الآن أنا متزوجة ولدي طفل، وحينما أجريت عملية الولادة تم استئصال الورم الذي كان خارج تجويف الرحم، وقام الأطباء بتحليل عينة منه، فالطبيبة التي أجرت لي الولادة كانت تعرف بتطورات هذا الورم واكتشافه مبكرًا قبل الزواج والحمل وفر على الفريق الطبي أثناء الولادة جهدًا كبيرًا وقدرة على تحديد مدى خطورته وتطوراته، مقارنة باكتشافه متأخرًا.
وتحكي سارة. ع، 35 عامًا، أنها اكتشفت إصابتها بأورام ليفية واضحة في الثدي بعد الزواج، تطلبت هذه الأورام تدخل جراحي أكثر من مرة، ولأنها كانت قد ظهرت قبل الزواج فقد أخبرت والدها وقتذاك، وذهب بها إلى الطبيب ومنذ حينها وهي تتابع حالتها بشكل دوري.
وتقول: "يمكن للفتيات أن يصبن بأورام ليفية قبل الزواج، ولا يجب أن تتقيد النساء أو الفتيات بسن معين لإجراء فحوصات الثدي، فهو أمر يمكن أن يحدث في أي مرحلة عمرية."
الخوف من رد فعل المجتمع، جعل صديقة س.ل 30 عامًا، تطلب مساعدتها لزيارة طبيب النساء، بعدما شعرت بأعراض وآلام حادة في الرحم وأخبرت والدتها بالأعراض وطلبت منها الذهاب للطبيب لكن والدتها رفضت بشدة، كما أن الفتاة نفسها خافت بشدة أن يعرف خطيبها بالأمر.
في إحصائية صدرت عن منظمة الصحة العالمية في مارس 2021 حول سرطان الثدي، ذكرت أنه تم اكتشاف 2.2 مليون حالة جديدة مصابة بسرطان الثدي عام 2020، كما حددت الإحصائية العلاقة بين نسبة الشفاء وبين ارتفاع مستوى الدخل والكشف المبكر والعلاج الفعال، حيث جاءت النتائج جيدة عند الاكتشاف المبكر للإصابة، وهو ما لا تحظى به غالبية الفتيات في مصر، خاصة اللاتي يعشن في مناطق ريفية.
وعن أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي للفتيات، خاصة قبل الزواج، يقول الدكتور أحمد جمال، مدير عام مركز أورام المنيا: "أعرف كطبيب أن بعض الأمهات والأسر يعتقدون أن الذهاب ببناتهم لطبيب النساء قد يعطل زواجهن إذا عرف المحيطين ذلك، مما يدفع هذه الأسر لتأجيل هذه الخطوة المهمة، لأننا كأطباء نحتاج إلى الكشف المبكر لسرطان الثدي، لأنه يساعدنا على تشخيص المرض وعلاجه مبكرًا وبطرق أسهل أفضل بكثير مما لو اكتشفناه في مراحله الأخيرة."
ويكمل الطبيب: "وتعد هذه الثقافة التي تشجع على عدم ذهاب الفتيات لطبيب النساء خوفًا من تعطل الزواج، كانت دافعًا قويًا لإطلاق حملة صحة المرأة المتوفرة في الوحدات الصحية القريبة من البيوت، لتذهب السيدات والفتيات للاطمئنان على صحتهن، وإذا اكتشف طبيب الوحدة وجود ورم أو تكيسات على الثدي يتم تحويل السيدات لمراكز الأورام، وهو ما يساعد في قطع مسافة إيجابية كبيرة ضمن مرحلة العلاج خاصةً إذا كان الاكتشاف مبكرًا وفي مراحله الأولى.
ولهذا نقول دائمًا للأمهات وجميع السيدات اللاتي يأتين للعلاج لا تتأخرن في الكشف عن أي أورام ثدي قد تلاحظينها لديكِ أو لدى بناتكِ، لأن نسبة الإصابة بأورام الثدي تصل إلى 30% من إجمالي الإصابة بالسرطانات، وأن الكشف المبكر ليس رفاهية بل هدية لمتابعة العلاج."
هذا الموضوع كتبته أسماء باسل فكري
لصالح حملة فتيات لا يعرفن "طبيب النسا" التي تنظمها مبادرة دورك
الكاتب
احكي
الأحد ٢٤ أكتوبر ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا