ما هو التنمر وأضراره وكيف يمكن التصدي له؟
الأكثر مشاهدة
من الممكن أن نكون قد تعرضنا لكثير من المضايقات خلال فترات الطفولة وأيام المراهقة، أو نكون نحن أنفسنا من وضعنا زملاءنا في موقف حرج ونعتناهم بصفات شديدة السوء أو تعمدنا إيذاءهم نفسيا أو جسديا والتقليل من شأنهم، غير مدركين أن سلوكنا يمكن وصفه بالتنمر Bullying، وغير واعيين كذلك ما هو التنمر؟ وكيف يمكن أن تأثيره السلبي قد يترك صدمات نفسية تبقى لسنوات.
التنمر يصيب الأطفال والبالغين كثيرا، وخاصة النساء اللاتي يبدو من السهل أن يتم استهدافهن من خلال حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة النيل من أجسادهن والمطر الذي تختاره كل منهن لنفسها.
التنمر
غالبا، ما يرتبط فعل التنمر بفترات الطفولة والمراهقة في المدارس ومناطق التجمعات بينهم مثل النوادي الرياضية، ولكن هذا لا ينفي حدوثه في أعمار أكبر سواء في أماكن العمل أو بين أفراد العائلة، ويمكن فهمه من خلال تعريفات مختلفة حاولت أن تركز على مدى تأثيره، فهو بأية حال يمكن أن يكون سلوك هدفه النيل من الأضعف أو الأصغر سنا أو من يعاني التهميش بأي شكل.
وسلوك المتنمر هو نمط متكرر من الأفعال يتعمد بسببه الشخص الإساء والأذى للآخرين، سواء عن طريق الشتائم والإهانات اللفظية أو التجريح والتقليل من شأن الشخص والسخرية، أو اللجوء إلى اتباع أسلوب الأذى الجسدي والضرب أو محاولة التخويف، يكون التنمر في ذروته- وفقا لإحدى الدراسات- خلال سنوات المراهقة من عمر 11 إلى 13 سنة، ومن الممكن أن يتحدد أن الفعل هو تنمر Bullying من خلال:
- أن يكون عدوانيا.
- تعمد السلوك المؤذي وتكراره أكثر من مرة.
- عندما يكون هناك اختلال في توازن القوىن بمعنى أن يقع التنمر على الطفل الأضعف في المدرسة أو أن يكون هناك سلطة السيطرة على أي من مجريات حياته.
وتأتي أنواع التنمر في أشكال مختلفة، من الممكن لنّا- في بعض الأحيان- ألا ندركها، فالتنمر قد يكون:
جسدي: وهو تعمّد الإيذاء باستخدام الضرب والتعدي، إما عن طريق اللكم أو الركل أو إلحاق الضرر بممتلكات الشخص الآخر أو سرقته.
لفظي: سواء عن طريق السبّ والشتائم أو النعت بأوصاف هدفها الاستهزاء والسخرية والتشهير.
اجتماعي: وهو عبارة عن تجاهل الشخص أو تعمّد عزله اجتماعيا، مثل أن يقوم الأطفال بتجاهل زميل لهم بشكل محدد ورفض تواجده معهم، ومحاولة نشر شائعات عنه ليبتعد عنه الجميع.
نفسي: تعقب شخص ومطاردته للتأثير على أفكاره والتلاعب به، أو تهديده واستغلال مخاوفه، وكذلك تقليل ثقته بنفسه وبأن التنمر هو من نسج خياله.
التنمر الإلكتروني: وهو استخدام الانواع السابقة، ولكن عن طريق الرسائل الإلكترونية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فيتعمد أفراد النيل من شخص عادي أو مشهور عن طريق السخرية أو الترهيب، في العلن أو عن طريق الرسائل.
ما هو التنمر الإلكتروني
نظرا، لأن استخداماتنا للإنترنت وللمواقع الإلكرتونية باتت أساسية، وصار وجودنا الافتراضي جزء من شخصياتنا ووجودنا الإنسانس بشكل عام، انتقلت كثير من سلوكياتنا العادية إلى هذه المواقع، فكما أن هناك تعاطفا ومودة ونشر للمحبة والمواقف الجيدة والترابط على هذه المواقع، انتشرت كذلك الكراهية ورفض الآخر والعنف النفسي والتنمر أيضا.
صار كثيرون يخشون أن ينشروا صورة لهم أو لأبنائهم على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا تنولهم تعليقات سلبية تحط من شأنهم، أو تتعمد إيذاءهم نفسيا وتقلل من ثقتهم بأنفسهم، في البداية كنّا من الممكن ألا ندرك أن هذا شكل من أشكال التنمر الإلكتروني، ونفقد القدرة على فهم دوافع هؤلاء الأشخاص، وكيف يمكن التصدي لسوكهم؟
ويمكن التعرف على التنمر الإلكتروني أو المعروف بـ Cyberbullying من خلال مجموعة من السلوكيات، فهو:
- سلوك متكرر ومتعمد هدفه تخويف الشخص أو ايتغلال والأثير عليه والتلاعب بمخاوفه.
- من الممكن أن يكون عبر انتحال شخصية ما، والعمل على نشر محتوى نيابة عنها.
- إرسال رسائل بريد إلكتروني وتعليقات مسيئة ومؤذية تنطوي على التهديد.
- نشر شائعات وأكاذيب عن الشخص الآخر، والنيل منه بالتهكم.
- نشر صور محرجة للشخص الآخر لا يواقف على نشرها على العلن.
وتوضح منظمة اليونيسيف على موقعها الإلكتروني أن التنمر الإلكتروني من الممكن ملاحظته على الأطفال أو الأشخاص الذين يتعرضون له إذا وجدتم أنهم يميلون إلى العزلة وتجنب المواقف الاجتماعية والتكتم وإخفاء هواتفهم أو شاشات الكمبيوتر عندما يحاول أحد التقرب منهم، كما يظهر التشتت على استخدامهم لحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فتارة يغلقونها تماما، ثم يعودون فتحها أو يُنشئون كل فترة حسابات جديدة.
ويمكن من خلال ذلك البدء في التحدث للأبناء ومنحهم مساحة من الأمان، وتشجعهم على اتخاذ الموقف السليم بعد الرد واللجوء إلى المسئولين والمواجهة، فمن الممكن البدء بالتواصل مع أولياء أمور الأطفال الآخرين الذين يمارسون التنمر، أو العمل إلى التقاط الشاشة لأي من المحادثات المسيئة والتوجه للجهات المسئولة.
أسباب التنمر
لماذا يتنمر الأشخاص على الآخرين؟ من الممكن أن يبدو هذا سؤالا ساذجا أو ينطوي على حسن نيّة مبالغ بها، ولكن الحقيقة أن إجابته من الممكن أن تدلنا إلى الطريقة التي يمكن التعامل بها مع تنمر الأطفال، وكذلك فهم الدوافع يساعدنا على التخلص منه تدريجيا.
يبدو سلوك المتنمر في كثير من الأحيان نوع من لفت الانتباه أو الرغبة في الظهور بالشخصية المتهكمة التي تمتلك حس فكاه عالي وتعليقات لاذعة، أو محاولة لفرض السيطرة واكتساب ثقة أكبر في النفس، وتشير الأبحاث إلى أن الصورة النمطية للمتنمر أنه فاقد للثقة والاحترام لنفسه ويحاول اكتسابها من سلوكه المتنمر، ولكن على عكس هذه الصورة هناك متنمرون لم يقعوا يوما ضحية للتنمر، وهو ما يجعلهم يتمتعون بقدر كبير من الثقة بالنفس وتقدير الذات، والقدرة على التسلق الاجتماعي.
غالبا ما يكون المتنمر شخص غير قادر على التعاطف مع الآخرين ولا يفهمون مشاعرهم، كما أن لديهم شعور إجابي كبير تجاه أنفسهم رغم توتر علاقاتهم بأغلب المحيطين، وقد يكون التنمر وسيلتهم للحصول على ما يريدون، مع تواجد إشكالية تحاول التعرف ما إذا كان السلوك التنمر فطري بالشخص يولد به، ام أنه ناتج عن اكتساب صفات سيئة وسلوكيات عدوانية، وتجيب أكثر من دراسة وبحث أن التنمر لا يولد بسلوكه العنيف، ولكنه يكتسبه نتيجة الفشل في وضع قيود على سلوكه العداوني، الذي يبدأ في الظهور عليه مع عامه الثاني.
وتشير منظمة اليونيسيف على موقعها الإلكتروني أن التنمر عند الأطفال من الممكن أن يكون بسبب:
- تعرّض الأطفال المتنمرين إلى التنمر، ويمكن قياس هذا على البالغين أيضا.
- رغبة الطفل في أن يحظى بشعبية كبيرة أو قبول من الممكن أن تجعله ينضم إلى مجموعة الزملاء المتنمرين.
- من الممكن أن يكون نتيجة علاقة سلبية مع أحد الوالدين أو تجاهلهم داخل المنزل وعدم منحهم الاهتمام الكافي، مما يجعلهم ينتهجون السلوك العدواني للتعبير عن غضبهم.
- ملاحظة أن التنمر سلوك لا يتم معاقبته- كما يلزم- ويمنح الشخص ميزات فرض السيطرة والقوة.
- من الممكن أن يكون السلوك المتنمر نتيجة الشعور بالغيرة من الآخرين.
وبعد ملاحظة وتتبع سلوك المتنمر وأفعاله على الأخرين يكون لدينا القدرة على التعامل معه وتحسين سلوكه ومواجهته بأفضل طريقة ممكنة تساعد على خلق بيئة آمنة لجميع الأطفال والمراهقين.
أضرار التنمر
من الممكن أن ينظر البعض إلى التنمر على أنه "شقاوة أطفال" أو "خفة دم" وقد يعتبرون أنه مرتبط فقط بمرحلة المراهقة وسيمر، ولكن الحقيقة أنه سلوك مدمر يؤدي استمراره إلى فساد حياة ملايين الأطفال حول العالم، ويورثنا جميعا أعباء اجتماعية تسيطر فيها البلطجة والتخويف، وعدم القدرة على الثقة في انتهاج السلوك الجيد.
كم مرة سمعنا عن حوادث انتحار أطفال في عمر المراهقة وأصغر قليلا بسبب التنمر! وكيف كان شعورهم بالدونية وعدم قدرتهم على تحمل مشاعر الاكتئاب والقلق سببا في رغبتعم في الرحيل، وهو ما يعني أن الأمر ليس مزحة او فترة وستمر لأن أضرار التنمر تفوق ذلك بكثير.
ومن أهم الآثار السلبية لاستمرار السلوك التنمر في المدارس بين الأطفال، وكذلك بين البالغين:
- يجعل الأطفال الذين يتعرضون للتنمر يشعرون بالوحدة والحزن، ومن الممكن أن يصابون بالقلق والاكتئاب، ويفقدون القدرة على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية، وتزورهم الكوابيس يوميا.
- يبدأ الطفل في فقدان القدرة على التركيز، وينخفض تحصيله الدراسي بسبب ذلك، ولكونه يفضل دوما التغيب عن المدرسة.
- ظهور أعراض جسدية ناتجة عن سيطرة القلق على الطفل، منها: التبول اللإرادي، وألم المعدة، والصداع
- من الممكن أن يؤدي التعرض للتنمر إلى تفشي الظاهرة بصورة أكبر وأكثر عنفا، فيرغب الطفل الذي تعرض للتنمر إلى الانتقام فيتحول إلى متنمر.
- تاثير التنمر قد يصل في بعض الحالات إلى محاولة إيذاء النفس أو الانتحارن خاصة إذا اشتركت عوامل أخرى ساعدت على حصول ذلك.
- في بعض الحالات ، من الممكن أن يتطور الأمر إلى جرائم جنائية يتم معاقبة الأطفال على ارتكابها.
- تعرض الأطفال لاضطرابات ما بعد الصدمة، التي يمكن أن يبقى أثرها مستمر حتى سنوات النضوج.
- تستقر في الأذهان والتجارب الاجتماعية أن نيل المطالب بالقوة وفرض السيطرة وممارسة التنمر والعنف، في حين يفقد المجهود والسعي معناه، وهو ما يعني فساد بنية المجتمع.
- من الممكن أن يكون الاطفال والمراهقين الذين يمارسون التنمر أكثر عرضة لخطر تعاطي المخدرات والاشتراك في الجرائم والتسرب من التعليم.
التعامل مع التنمر
من الممكن أن يبدو التعامل مع التنمر بصورة فردية أمرا يصعب حدوثه، ولكن مع شيوع عدم تقبل هذا السلوك، وبدء المدارس والنوادي وحتى أماكن العمل في اتخاذ إجراءات لوقف هذا السلوك العدواني فرصة لتبدأ الأسر في تنشئة الأطفال بصورة تدعم ثقتهم بأنفسهم وكذلك تقوي مهاراتهم الاجتماعية.
ويصبح أهم ما يمكن الاعتماد عليه من أجل التصدي للتنمر، هو:
- التوعية على مستوى الإعلام والمدرسة وداخل البيوت، بما هو التنمر؟ وكيف يمكن التعامل معه؟
- الدعم الدائم للأطفال، ومحاولة توعيتهم بضرورة التصدي للتنمر، وإظهار التعاطف وتشجيعه على البوح وأن يكون هناك دوما مساحة آمنة لا أحكام فيها ولا يتم إلقاء اللوم عليه.
- توجيه الطفل للتعامل مع التنمر إما بتجاهل الإساءة اللفظية ومحاولة أن يبقي نفسه آمنا في حال التعرض للأذى الجسدي وطلب المساعدة من شخص بالغ، وضرورة التوجه نحو المسئولين واتخاذ ما يلزم.
- حث الأطراف الأخرى- شهود التنمر- على أن يقوموا برفض سلوك المتنمر لا تشيجعه، ومحاولة التصدي له في شكل مجموعات يصعب على التنمر استهدافها.
- أن يكون هناك برامج مكافحة للتنمر داخل المدارس والنوادي وأماكن تجمعات الأطفال، تحاول أن تذيب الخلافات بين الأطفال وتنمي مشاعر التعاطف تجاه بعضهم وخلق مساحات من التعاون والمشاركة وتنبذ السلوك العنيف.
يبدو التعامل مع التنمر أمرا يحتاج إلى توعية وقدرة على التأثير في طبيعة التفكير التي اعتادها المجتمع، ولكن بالتاكيد سينتج عنه قدرة على تنشئة أجيال أفضل.
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٥ ديسمبر ٢٠٢١
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا