”بهيه شهاب”.. الشغف بالخطوط العربية وتشكيل ملامح الهوية
الأكثر مشاهدة
قال العرب قديمًا أن لكل امرئ من اسمه نصيب، و"بهيه" التي ولدت في بيت "شهاب" كان لها نصيب كبير، فالقدر أخذها للحياة بـ"بهيةٍ" أخرى هي مصر، لتصبح مواطنتها وجزء منها.
بهيه شهاب اللبنانية المصرية التي تُعَرّف نفسها كـ"عربية" تخرجت في الجامعة الأمريكية ببيروت "ست الدنيا"، لتأتي إلى "أم الدنيا" قبل خمسة عشر عامًا بقصد الزواج والدراسة فقد حصلت على الماجستير في الكتابة الفاطمية على المباني الأثرية في القاهرة من الجامعة الأمريكية بالعاصمة المصرية.
بهيه شهاب.. أول عربية تحصل على جائزة اليونسكو-الشارقة
الطفلة التي شبّت على جمال لوحات الخط العربي المُعلقة بمنزل عائلتها، والشابة التي تشربت حب اللغة وحروفها من يد أستاذها "سمير الصايغ"، الذي يعد واحدًا من أبرع من تعاطوا مع شكل الحرف ومظهره الجرافيكي، أصبحت مؤرخة فنية وأستاذ مساعد في قسم الفنون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، شغفها الكبير بالفن عمومًا وبالخط العربي خصوصًا أوصلها لتصبح أول عربية تحصل على جائزة "اليونسكو-الشارقة" للثقافة العربية لعام 2016، والتي ستتسلمها في الثامن عشر من أبريل الجاري بالعاصمة الفرنسية.
أضحت المرأة التي ساعد اسمها ولهجتها في ختمها بالنسر، تُعَرف من كبريات المؤسسات الإعلامية بمصريتها فـ BBC التي وضعتها في قائمة أقوى 100 امرأة لعام 2013 و2014 كتبت بجانب اسمها "فنانة مصرية". كيف لا وهي ممن شاركوا بثورتها، ورسموا على جدرانها احتجاجًا مئات التصميمات لكلمة "لا".. "شاركت في الثورة كأم لبنتين مصريتين –نور وفرح- نزلت الشارع علشانهم، في الأول اعتبرت إني مؤرخة هوثق الأحداث لكن بعد كده كان لازم اختار وإنسانيتي خلتني أشارك.. دول بناتي ودي بلدهم ولازم أكون مشاركة".
حبها للهوية العربية المتمثلة في اللغة زادها بهاءًا، واقتربها منها جعلها تضيف لجلالها جمالًا، فهي تحاول أن تخلق أشكال جديدة ومبتكرة للحرف العربي بعيدًا عن الشكل التقليدي له والذي لا يخرج عن الأقلام العربية الست -الكوفي والثلث والنسخ والفارسي والديواني والرقعة-، هذا الحب للغتها الأم بفنونها جعلها تدشن العام الماضي حملة في شوارع العالم احتفاءً بكتابات الشاعر الفلسطيني "محمود درويش"، بدأتها من مدينة فانكوفر بكندا فكتبت على جدار بأحد شوارعها "قف على ناصية الحلم وقاتل"، بعدها طافت شوارع كثيرة من العالم وتركت بصمتها هناك من نيويورك إلى طوكيو مرورًا بالمغرب وهولندا واليونان واسطنبول. لكنها بالرغم من ذلك مهمومة بضعف اعتماد العرب على عمودهم الثقافي، وقلة اهتمامهم بها، فترى أن النظرة للغة بعين الاعتناء ما تزال تقتصر على كونها "موضة" ولن تتحول إلى خطوات جادة حتى يُدرس الخط العربي في المدارس بجدية وليس "تحصيل حاصل"، وأن توجد مؤسسات مهمتها الحفاظ على الهوية العربية وتطويرها بداية من الكتب وحتى البرامج التكنولوجية.
ثقافتها العربية جلية في عباراتها، وانتمائها القومي يتسرب من بين الكلمات، فالسيدة التي صمتت برهة عند سؤالها عن حلمها، أجابت بعدها بتنهد أنها لا تعرف المفرد بل تسعى دائمًا للجمع، وأحلامها تدور في فلك "الحلم العربي"، فهي تحلم بالكرامة للإنسان العربي، "أهم حاجة ترجع الكرامة مش نموت بالآلاف.. يبقى للإنسان العربي قيمة."، كذلك تحلم بـ"تعليم جيد لكل عربي"، ثم ذكرت حلم آخر بنبرات مترددة ابتداءًا ومملوءة بالحماس الممزوج بالغضب بعد ذلك: "عارفة إنها حاجة مستهلكة، لكني بحلم بالوحدة العربية الاقتصادية، مش هنقوم من غيرها، إحنا 422 مليون بني آدم بيتكلموا لغة واحدة ومش عارفين يتحدوا، عندنا حدود استعمارية محبوسين فيها، ليه ماروحش مراكش من القاهرة بقطار على الساحل وأشوف مناظر حلوة؟.. لازم الوحدة".
الدكتورة بهيه لها حضور قوي في المؤتمرات والأحداث الثقافية العالمية، ومنها تجربتها على مسرح "TED" بإدنبره التي حكت فيها عملها في واحد من المشروعات التوثيقية المتعلقة بفنون الخط العربي، مشروع "لا ألف مرة" المُنتج عام 2010، والتي ظلت تبحث فيه عن ألف "لا" مختلفة. من كل ما تم إنتاجه في الفن العربي أو الإسلامي في الـ1400 سنة الماضية، من إسبانيا إلى حدود الصين ومن الزخرف الموجودة على السجاد وحتى نقوش المساجد. وجمعت نتاج بحثها في كتاب، واضعة إياهم في ترتيب زمني, بذكر الاسم، المسؤول عن العمل والمواد التي استعملت، المكان و الزمان. وستكون على موعد مع فعاليات نفس المؤتمر مرة أخرى نهاية الشهر الجاري في فانكوفر بكندا.. كما أنها فازت بجائزة الأمير كلاوس (Prince Claus Awards) الهولندية لعام 2016، وهي من أرقى الجوائز في العالم.
إسهاماتها في التعليم غير محصورة على مقاعد الدراسة في الجامعة الأمريكية فقد تعاونت مع منصة "إدراك" التعليمية الإلكترونية، التي تعمل تحت رعاية الملكة رانيا العبد الله، في تقديم مساق خاص بمقدمة في التصميم الجرافيكي.
الأستاذة الجامعية، المتبقي لها خطوة واحدة لتحصل على الدكتوراه التي أعدتها عن الخط العربي في اللوحات الفنية المعاصرة، تهتم بألا يخرج طالب من تحت يدها دون أن يتعلم شيئين: "أن يكون مسؤول عن فعله مهما كانت هذه الأفعال، وأنه يحلم بالتغيير ويعرف أنه قادر على ذلك".
كلمتها على مسرح TED عن مشروعها التوثيقي
الكاتب
ندى بديوي
السبت ٠٨ أبريل ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا