”هدى غالية” من قصف شاطئ غزة إلى منصة التخرج
الأكثر مشاهدة
في صيف العام 2006، خرجت عائلة "غالية" المكونة من 14 فردًا لشاطئ بحر غزة بحثًا عن نسمة هواء تبدد حرارة بدايات شهر يونيو، لكن بدلًا من النسائم اللطيفة حلت قذائف الاحتلال، لنشاهد بعدها فيديو لطفلة في عمرنا تصرخ على رمال الشاطئ الذي كانت تقصده لتلهو، تجري بين جثث 6 من أفراد عائلتها بينهم والدها، وقتها كانت القضية الفلسطينية ما تزال الهم العربي الأول، وكنا نخرج من مدارسنا متوشحين بالكوفية البيضاء ذات الخطوط السوداء مع كل قصف للاحتلال على غزة، نهتف ضد النظام ونطالب بفتح المعابر وإن لم تكن فكرة الثورة تلوح بخاطر أكثرنا تفاؤلًا أو جنونًا، وقتها هزت صرخات الطفلة "هدى غالية" قلوبنا، لكن الحياة سارت بنا في دروبها وأحوالنا الداخلية وثوراتنا، فنسينا، إلى أن ذكرتنا هدى بنفسها وبقضيتها وهي على منصة التخرج كمحامية.
لم يكن عمرها قد تجاوز12 عامًا، عندما فقدت أبيها وزوجته الثانية علياء، وأخواتها الصبية إلهام، والطفلتان صابرين وهنادي والرضيع هيثم. ولم تكتف المجزرة بما أخذت بل ظل شبحها ملازمًا لخطوات هدى في كل مرة تنظر إلى أختها التي أصيبت بشلل رباعي، وأخيها مبتور القدم وكذلك أمها المصابة.. ورغم كل تلك المعاناة لم يرحمها الاحتلال لحظة فقطفت حرب غزة عام 2008 زوج أختها ومن بعده استشهدت أماني أختها، تاركين ورائهم طفلين.
كل تلك المآسي نقشت بصمتها غير القابلة للمحو من روح هدى، فظهرت قبل سنوات في تقرير تلفزيون للجزيرة، وهي في صفها المدرسي، تفضل الصمت والعزلة، ولا تقوى على التركيز فيما تقوله المعلمات، رغم توفير المدرسة لأخصائيات نفسيات من أجلها، "بكون في الصف لكن عقلي مش معهم" هكذا قالت هدى وقتها.
" هل تذكرون البنت التي كانت على شاطىء بحر غزة وكان عمرها اثني عشر عاما في يوم الجمعة من عام 2006"، والتي "كانت مبسوطه مع أهلها، يضحكون وفرحين، وضربتهم الزوارق البحرية للاحتلال، واستشهد والدها وأربع من أخوتها وخالتها، أنا تلك البنت".
ابتعدت هدى عن البحر، وأصبح هناك حاجز يفصلها عنه، لكنها حاولت مجاراة الحياة التي لا تكف عن الحركة، عاشت في بيت متخم بذكريات الموت والألم، ولا يجد من يكفله سوى معاش الجرحي، لكنها استطاعت أن تنجو من كل ذلك ورأينها تقول: "هل تذكرون البنت اللي كانت على شاطىء بحر غزة وكان عمرها اثني عشر عاما في يوم الجمعة من عام 2006"، "كانت مبسوطة مع أهلها، لكن ضربتهم الزوارق البحرية للاحتلال، واستشهد والدها وأربع من أخوتها وخالتها، أنا تلك البنت".
تخرجت هدى في جامعة غزة الإسلامية، محامية تحلم أن تأتي بالحقوق المسلوبة لتظل حية في ذاكرة الناس كشاهد عما يعانيه الفلسطينيون.
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا