البحث عن ”شغل آمن” وسط اختفاء آليات مواجهة التحرش
كمعظم النساء تستيقظ حاملة هم الخروج إلى الشارع، تحتار في انتقاء ملابسها وتخشى من الجالس بجانبها في المواصلات وتحاول اختيار أأمن الطرق لتجنب النظرات والكلمات والملامسات المحتملة. لكن المشكلة لم تعد تقتصر على ذلك، فعملها الذي كانت تذهب إليه محملة بالرغبة في تحقيق الذات، أضحى مكانًا تجلس فيه متأهبة وتخشى على سلامتها الشخصية بعد أن وجدت نظرات مديرها تتفحص جسدها يومًا بعد الآخر، وأنه لم يعد يتوان عن قول تلميحات غير مريحة، وهذا قبل أن تمتد يده إلى جسدها "على سبيل الهزار"، في لحظة تصفها بأنها: "إحساس بشع مش عارفة اتخطاه."
حكاية إسراء جزء من حكايات ومشاركات استقبلناها على استمارة حملة #شغل_آمن التي أطلقتها احكي بالتعاون مع مؤسسة أوكسفام وبدعم من برنامج الشراكة العربية الدنماركية، والتي تهدف إلى توفير بيئة عمل آمنة تضم سياسات وآليات واضحة ومعلنة لمواجهة التحرش والتمييز في أماكن العمل.
ما هو التحرش في مكان العمل؟
يمكن تعريف التحرش في مكان العمل بأنه المعاملة أو السلوك الذي يخلق لشخص ما بيئة عمل مخيفة أو عدائية أو مسيئة، ويشمل ذلك أعمال العنف التي يمكن أن يتحمل أصحاب العمل المسؤولية عنها. بينما يتم تعريف التحرش الجنسي على أنه السلوكيات الجنسية غير المرغوب فيها والتي يمكن أن تظهر في شكل تعليقات جنسية أو نكات أو أفعال أو أي سلوك لفظي أو جسدي آخر له طبيعة جنسية أو موجه إلى الموظفين على أساس نوعهم الاجتماعي.
فيما تعرف اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العنف والتحرش رقم 190 لسنة 2019 العنف والتحرش بأنه "نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، التي تهدف، تؤدي، أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي، نفسي، جنسي، أو اقتصادي، وتشمل العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي كما تتضمن التنمر والمضايقة."
حكايات عن التحرش والتمييز في العمل
تفتقر أغلبية أماكن العمل على كافة المستويات إلى وجود سياسات معلنة لمواجهة التحرش والتمييز بكل أشكاله، وتحافظ على سلامة الموظفين جسديًا ونفسيًا، وتطبق قوانين العمل بدون تحيز قائم على النوع الاجتماعي (تحيز جنسي)، وهو ما أكدته قصص المشاركات في حملة "شغل آمن" اللاتي حكين عن تعرضهن للتحرش والتمييز في أماكن العمل مع عدم تعرض المعتدي لأي نوع من التحقيق أو العقاب –في غالبية القصص-.
فتحكي داليا التي تعمل كأخصائية تمريض عن تعرضها للتحرش من قبل زميل لها كان يتعمد الاقتراب منها بشكل مريب ويحاول ملامسة جسدها، وعندما واجهته لتوقفه عما يفعل، تقدم بشكوى كيدية تفيد بإهمالها في العمل، تقول: "حاولت امنعه يأذيني وروحت اشتكيت لمديره اللي أصلًا عارف عنه أنه متحرش بس محدش عمله حاجة، كانوا خايفين منه عشان لسانه طويل ومحدش واجهه."
أما ملك فقد وصلت لنفس النتيجة "لما اشتكيت محصلش أي حاجة، بالعكس مشوني أنا"، وذلك بعدما قامت بإبلاغ الإدارة عن تعرضها للتمييز، "كنت بشيل شغل أكتر من الولاد االي معايا والمبرر أنتي مش متجوزة وعايشة لوحدك يعني فاضية". مثلها نادين التي تعرضت للتمييز على أساس النوع، فقد تم التنعت معها ولم تحصل على الترقية التي تستحقها، ليس لمرة واحدة ولكن لثلاث مرات متتالية، تقول: "آخر مرة قالولي أنتي أكتر واحدة تستاهلي وهتنجحي جدًا بس علشان الإدارة دي قديمة مش هيتقبلوا ست"
ومن التمييز إلى التحرش الذي واجهته إسراء من قبل مديرها نفسه ولم يكن هنالك أي فرصة لطلب المساعدة من الأساس لأنه "صاحب المكان"، تحكي: "بدأ يقول كلام زي الروچ دا طعمه حلو زى شكله ولا إيه - البلوزة دي واسعة أوي لميها شوية عشان وسطك يبان"، فشعرت وقتها بالخوف وعدم القدرة على التصرف "كنت بسكت وأطلع من مكتبه" لكن مع تكرار الأمر وتطوره لم تجد بُدًا من ترك العمل لديه، ورغم ذلك لم تتوقف مضايقاته، تكمل: "أنا حاليًا سبت الشغل معاه بس هو مش سايبنى في حالي لدرجة إنه عملي مشكلة في شغلي الجديد عشان يمشوني وأرجع عنده."
أرقام عن التحرش في أماكن العمل
طبقًا لإحصائية صادرة عن اتحاد عمال مصر لعام 2014، فإن 30% من النساء تعرضن للتحرش في أماكن عملهن. وفي الحقيقة ليس من الصعب التنبؤ بما حدث ويحدث مع كل امرأة تتعرض لشكل من أشكال التحرش أو التمييز في أماكن العمل، لأن معظم الشركات لا تتبنى سياسات واضحة وآليات وطرق معلنة لتقديم شكاوى من هذا النوع والتحقيق فيها، بالإضافة لكون القانون المصري لا يوجد به أية مواد بخصوص التحرش في مكان العمل من الأساس.
أما في الأردن فقد توصلت دراسة أجرتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة وشملت عينة من 1366 شخصًا، غالبيتهم من الإناث، إلى أن معدل انتشار التحرش الجنسي في العمل وصل إلى 75.9%.
وفي دراسة أخرى أجرتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية عام 2018 تبين أن 75.3% من الأردنيات اللواتي تعرضن للتحرش في مكان العمل لم يفكرن في اتخاذ إجراءات قانونية.
بينما تؤكد الإحصائيات العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واتحاد النقابات العمالية الدولي، أن حوالي 77% من الإناث في إفريقيا، و45%-55% في أوروبا، و30%-50% في أميركا اللاتينية، و30%-40% في آسيا ومنطقة المحيط الهادي يتعرضن إلى التحرش أو العنف في أماكن العمل.
كيف نوفر بيئة عمل آمنة؟
تهدف اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 لسنة 2019 والتوصية المرافقة لها رقم 206 إلى ضمان ألا يتعرض أحد للعنف والتحرش في عالم العمل، وتهتم بحماية العمال/العاملات بصفة عامة بغض النظر عن أوضاعهم التعاقدية.
ويمكن توفير بيئة عمل آمنة من خلال بعض الإجراءات المتبعة من قبل الشركات والمؤسسات مثل:
- طرق واضحة ومنصفة لتقديم الشكاوى وإجراء التحقيقات.
- سياسات استباقية مُعلنة لمعاقبة المتجاوزين.
- مساواة في الأجور والترقيات حسب المسمى الوظيفي وليس النوع الاجتماعي.
- رفع وعي الموظفين بقضايا التحرش والتمييز وتشجيع النساء على الحكي والإبلاغ عن أي إساءة.
- تعريف الموظفين بحقوقهم طبقًا لقانون العمل، لا سيما الحق في إجازة الحمل والوضع بالنسبة للنساء.
ما هي أهمية توفير بيئة عمل آمنة؟
أما عن أهمية توفير بيئة عمل آمنة وخالية من التحرش والتمييز فيأتي هذا كحق أصيل لكافة العاملين والعاملات، كما ينعكس بشكل مباشر على الشركات والمؤسسات، ومن ثم المناخ العملي والإنتاجي للدولة بأكملها، وذلك لأن بيئة العمل الآمنة تعني:
- إنتاجية أفضل وفريق عمل متماسك ومترابط وقادر على التفكير والإبداع.
- أداء العمل بأفضل صورة ممكنة بدون مشتتات.
- صورة جيدة للشركات في سوق العمل.
- مزيد من مشاركة النساء في التخطيط والإدارة واستغلال أمثل لكافة الطاقات البشرية.
- مزيد من الشعور بالأمان والانتماء للعمل وإطلاق الطاقات الإبداعية.
- تشجيع مزيد من النساء على الانخراط في العمل.
- ودائمًا نشجع النساء على الحكي واتخاذ الخطوات اللاتي يرونها مناسبة لهن، ونطالب كافة المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة والشركات بإيجاد قوانين وسياسات مضادة للتحرش والتمييز في العمل.
*الأسماء الواردة في هذا الموضوع مستعارة، حفاظًا على خصوصية المشاركات.
الكاتب
ندى بديوي
الخميس ٣٠ يونيو ٢٠٢٢
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا