”زواج القاصرات”موت للفتيات،أجنّة مشوهّة، وأمراض مُزمنة
الأكثر مشاهدة
لتوّها أكملت عامها العاشر، ساقها قدرها لأن تولد لأسرة فقيرة بقرية لا تختلف حالًا عن أسرتها، ولدت سهير بقرية ميت كنانة، التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، الشهيرة بزواج القاصرات لسائحين عرب.
كانت أكبر إخوتها، شاء قدرها أن يُفلس والدها، وتتركم عليه الديون. لم تكن كبيرة بشكلٍ كاف لتدرك حجم ما يُهدد والدها، ولكنها أيضًا لم تكن صغيرة على أن تُدرك تلك النظرة الحزينة المُنكسرة بعيني والدها، ولم تخطئ عينها الصغيرة في ملاحظة عيني أمها المُلتاعة وهي تنظر لزوجها، وأب أولادها، كمن يخشى فقده بين لحظة وأخرى.
قررت "سهير" بأعوامها العشر ألّا تقف مكتوفة الأيدي أمام حزن والدتها وانكسار والدها، ولكن ماذا يسعها تقديمه لهم، لا تمتلك سوى نفسها، وهي، كما تعلم، ثروة في قريتها. توجهت إلى والدها تطلب منه أن يذهب بها إلى بيت "أم فتحي"، الشهير بسمسرة الزواج.
فُزع والدها بمجرد أن اقترحت الأمر، قال لها: "على جثتي، لو هموت مش هعمل كدة"، فحسمت أمرها وتوجهت خلسة إلى "أم فتحي"، وعقدت الصفقة، هي مقابل 10 آلاف جنيه. إلّا أن "سهير" لم تكن كبيرة كما توقعت، ولم تحتمل زواجها من الخليجي الثري، وتوفت بعد يومين؛ لتترك والديها بدموع تركت أثرًا في مجراها على وجهيهما، يطاردهما شبح أنهما باعا ابنتهما بـ 10 آلاف جنيه.
لم يختلف حال سهير كثيرًا عن حال باقي بنات "ميت كنانة"، فمنهن من ماتت مثلها، حتى أصبح الأمر اعتيادًيا، كأنه روتين القرية، ومنهن من حملت وأنجبت أطفالًا بلا هويّة، لمجرد أن ثري عربي أراد الزواج فترة إقامته بمصر.
لم يتوقف الأمرعند ميت كنانة، بل امتد إلى مدينة أبو كبير بالشرقية، والتي تحولت إلى وكر لإتجار الفتيات، بالزواج السياحي، قرية أبو عمرو .. قرية العرب كما يُطلق عليها ، تجد بها دائمًا كل ما هو مرتبط بعلوم الاعشاب والسحر، إلا أنها لم تتوقف عند ذلك الحد فقط بل امتد للإتجار بالفتيات وزواج القاصرات،فهناك منزل الحاجة ثريا، تذهب إليه لتري داخله مختلف الألوان والأنواع من الفتيات، والاعشاب ومشعوذي السحر .
ورغم بشاعة ما يحدث ب "أبو عمرو" و "ميت كنانة" ، إلّا أنه يجد ما يُبرره، فالفقر قد يضطر أي شخص لبيع نفسه وأقرب أقربائه فقط من أجل حفنة جنيهات. غير أن زواج القاصرات، بل والقُصّر، في العائلات الكُبرى، ليس له أدنى مُبرر منطقي، كإقامة كُبرى عائلات شبرا الخيمة "مصطفى النجار" حفلًا؛ لخطبة ابنهم أحمد، في العاشرة من عمره، لـ"هالة"، في الثامنة من عمرها.
يُعد زواج القاصرات كارثة مُجتمعية، لِما يُنتجه من أمراض، وأطفال بلا هويّة أو سِجلات، ويتطلب حلّه مُبادرة مجتمعية يشارك فيها جميع طوائف المجتمع، الأمر الذي أكده وكيل وزارة الأوقاف الشيخ صبري ياسين، مُضيفًا أن هذا الأمر حرام شرعًا، ومُقزز اجتماعيًا.
كما أوضح ياسين أن هناك خلط بين مفهوم الزواج المبكر وزواج القاصرات في العالم الاسلامي والعربي، إذ أطلق البعض مُسمى الزواج المبكر على زواج القاصرات، والعكس. وأشار إلى أن الزواج المُبكر في الإسلام مُحبب، وليس فرضًا كما يُشيع المتشددون؛ لحماية الشباب من الفتن.
وأضاف أن المجتمعات العربية فرضت سنًا للزواج؛ لحماية الشباب من التسرع والزواج الفاشل، ولتمنحهم وقتًا كافيًا للنضوج فكريًا.
وأتى المتحدث باسم حزب النور السلفي محمد العليمي ليُخالف ما قاله وكيل الأوقاف، قائلًا: "الفتاة طالما بلغت حقها من الزواج شرعًا، فإن تزويجها سيحميها من المجتمع الغير أخلاقي، والمُفترس، وعلى الزوج أن يتركها تُكمل تعليمها، ويحافظ عليها من شرور المجتمع".
أمّا طبيًا، فقد أكدت طبيبة النساء والتوليد الدكتورة أميرة سلطان على خطورة زواج القاصرات، باعتباره يؤدي إلى وفاة الطفلة غالبًا، أو إصابتها بأمراض مُزمنة، كسرطان الرحم، بجانب قتل حواسها الجنسية، علاوة على كثرة حالات الإجهاض، أو ولادة أطفال مُشوهة.
نفسيًا، أكدّ أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس الدكتور أحمد السيد أن زواج القاصرات مُدمر للمجتمع، قائلًا: "هو القشة التي ستقسم ظهر البعير، وإذا استمر، سيدمر المجتمع نهائيًا بشكل كامل". تسائل: "كيف نطالب بمجتمع واعي أخلاقيًا وثقافيًا، فيما تخرج الفتيات من ذلك الزواج مُدمرة ومنتهية نفسيًا.
وأضاف "السيد" أن كثير من حالات الإجرام والقتل، يكون دافعها زواج فتاة وهي طفلة، لافتًا أن زواج الطفلة وتعدّي الرجال عليها يقتل غرائزها الحسية، الجنسية وغير الجنسية، كما يُصيبها بخللٍ في جهازها العصبي، ويقوّم غريزة الانتقام لديها، بل أن بعض الفتيات تُصاب بمرض الريبة، وقد تصل إلى الجنون، بفعل كهرباء المخ الزائدة، التي تُصاب بها أثناء خوفها من الاعتداء، لافتًا أن هناك كثير من السيدات أُصيبوا بأمراض جنسية سيكولوجية؛ بسبب زواجهم المبكر، حيث تشعر المرأة مع الوقت بالفتور الجنسي.
وضرب أستاذ الصحة النفسية مثلًا بطفلة احتجزها أهلها بالمستشفى التي يعمل بها، مستشفى الخانكة، باعتبارها مجنونة، والسبب زواجها وهي في الثامنة من عمرها، مما أصابها بالهلع والجنون.
أمّا عن الزواج المُبكر، يقول "السيد" أن المرأة هي الدعامة الحقيقية للمجتمع، وزواجها دون اكتمال نضوجها، يؤدي إلى انعدام قدرتها على التعامل مع أطفالها، أو تربية وتنشئة جيل جيد وناضج.
كما قالت المحامية بمحكمة الأسرة "لبنى عبد الحفيظ " أن المحكمة يرد عليها يوميًا كثير من حالات الطلاق والخلع، ولكن النسبة الأكبر لحالات الخلع، الناتجة عن رفض الزوجة لزوجها، وفيها يتراوح عمر الزوجة في الغالب بين 17 وسنة، ما يُثبت زواجها المبكر، وتصل حالات الزواج المبكر الفاشلة.
الكاتب
حسناء محمد
الخميس ٢١ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا