”فاسخة ام مُطلقة” ؟ بنت ما بين لقبين
الأكثر مشاهدة
تجلس " آية " على طاولة مستديرة تنتظر القادم لخطبتها هي لا تعرفه ، لم يسبق لها أن رأته سوى على ورقة ملونة لا تشي بشيء عنه سوى تعديلات المصور على كافة ملامحه حتى تلك الخطوط في الجلد و التي تعلمت آية من "الفراسة" أن تقرأها ,طمسها "الفوتوشوب" كانت الصورة فارغة ، و كان إلحاح والدها على مقابلته هو الدافع الوحيد الذي يحملها في كل مرة على الجلوس مع (العريس) بالرغم من معرفتها مسبقًا أنه سيرحل من حيث جاء كسابقه ، لا لسبب يعيبها، ولكن لسبب يعيب المجتمع فيلقي بذلك العيب عليها ..في مجتمع آية (المجتمع الشرقي) لا يحق لها أن تكون "آية" فقط دون لقب يعرّفها للمجتمع و كل الألقاب (عيب) سوى لقب المتزوجة ، هو اللقب الطاهر في أعينهم اللقب البريء الذي يُبريء بالتالي حاملته من أي عيب ،أما الفتاة التي لم تتزوج يحملونها لقب "عانس " و تلك التي لم تُوفق في خطبتها تسمى "فاسخة خطوبتها " و التي تركت زوجها تُسمى "المطلقة" و " الأرملة " و " العزبة " و الكثير من الألقاب التي تحملها المرأة رغماً عن أنفها
في مجتمع "آية" تكون هوية التعريف بالأنثى مرتبطة دائمًا بذلك الرجل الذي يهبها اللقب أو يسلبها إيّاه ،فكافة أوضاعها الإجتماعية تعود إلى وجود الرجل في حياتها بشكل أو بآخر
آية التي عاشت قصة حب توقفت عند كتب الكتاب فقط و لم تكتمل القصة حتى الزواج الكامل قرر المجتمع أن يقيم علها حد " الإلزام " و سلب كافة حقوقها في الإختيار ، آية الجميلة ذات الخمس و عشرين عامًا فقط أصبحت ملزمة أن تتزوج الرجل الذي يجيئ لخطبتها عساه يقبل بها ،لأن المجتع وصمها وصمة عار لمُجرد أنها لم تكمل زواجها , فعلقها بين المخطوبة المنفصلة و المُطلقة ، حصرها بين لقبين و حرمها حتى أبشع حقوقها المشروعة ، لقب يخصها و يقنن حقوقها حسب قانونهم إن كانت مجبرة على كونها فرد من أفراد هذا المجتمع ، وجزء من منظومة التفكير تلك
تقول آية أنه في كل مرة يتقدم عريس لخطبتي أكون مجبرة على الجلوس معه فوالدي قالها صريحة " ما سمعكيش بتقولي تاني ان في حد تعرفيه عايز يتقدملك..." إنتهيتِ يا آية .. دورك انتهى في حكايتك و حياتك.. الآن عليك الخضوع لرغبات والدك الذي أصبح الأحق فقط بتزويجك حتى لا تفضحيه على حد تعبيره
ليس فقط والد آية هو المُتجني الوحيد على حقوقها , فالكل لا يلبث أن يُساهم بدوره في تشويه حياة آية , كأنها لوحة بيضاء أصبح لكل فرد الحق في تلوين جزء منها كيفما أحب لتصبح اللوحة في النهاية مشوهة لا تمت لصاحبها بِصلة ،لوحة بتوقيع جماعي لا يخص أحد في النهاية
فالعريس الذي يتقدم لخطبة آية يرحل فور معرفته أن آية "كتبت كتابها" و لكنها لم تتزوج ،يرى أنها منقوصة ، الغريب أنه لا يمانِع إن كان الأمر يقتصر على مُجرد خطوبة و "اتفسخت" لكنه يرفض و بشدة إن كانت تلك الخطوبة في صورة شرعية على هيئة " عقد زواج " و " اتفسخ " ،ماذا ينقص آية في هذه الحالة ؟؟
تقول آية أحد المتقدمين سألني بوضوح و "ببجاحة" : " إنتي لسة بنت ؟؟" ، أيُعقل أن يكون ميثاق شرعي من الله شيء يعيبني و ينقصني و يجعل المجتمع يرى أنه بالتأكيد أني بتلك الوثيقة كان كل شيء مباح بيني و بينه ؟؟ و لماذا يجب أن أقبل انا ان أوافق على مقابلة العريس المتقدم حتى و إن كان " مطلق" و له أولاد أيضاً ؟؟
فالغالبية العظمى من المتقدمين يكونوا اما مطلقين أو يفوقوني في السن و لا يحق لي الإعتراض .. فالأمل لوالدي أن أتزوج " وخلاص" لا يهم من سأتزوج
في الواقع ليست آية فقط هي من يُعاني من "كلبشات" الألقاب ،ليست هي الوحيدة التي يصلبها المجتمع اذا ما قررت ان تقول لا أريد ، اذا قررت أ،ه برغم الوثيقة الشرعية لن أقبل أن أستمر في زيجة لا أستطيع تحملها
الفكر في جوهره مشوه فينتج أفكاراً مشوهة تعبث جوراً في عقليات المجتمع الذي تنصب نتائجه كلها في النهاية على الحلقة الأضعف في نظرهم " المرأة" ، فتولد بلقب و تكبر بلقب و تتزوج بلقب و تنفصل بلقب و تنجب بلقب و تموت بلقب .
لماذا لم يعد من حق آية أن تتزوج من تحب ، فهي يوم أن أحبت مرة أخرى أغلقوا في وجهها الباب فوالدها أبداً لن يقبل أن تتزوج رجل من إختيارها لالا تتكرر"الكارثة" حد تعبيره ، و المشكلة الأخرى أن والدة من تحبه لا تقبل أن يتزوج إبنها فتاة تُلقبها بالمطلقة فابنها لابد ان يتزوج "ست البنات "
و لماذا لا تكون آية "ست الستات" .. أي قانون كوني أصدر حكمًا ضد آية و مثيلاتها في ذلك الوضع الذي لا ينقص منهن شيئًا بمصادرة ما تبقى من حياتهم ليقرر عنهم المجتمع من يجب أن يكونوا ، و كيف سيعيشون ، و من سيتزوجون؟
الحب حق ..و الزواج حق .. و الانفصال حق .. و الحرية حق .. و الحياة حق.
الكاتب
نورهان سمير
الأربعاء ٢٤ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا