نساء أجهضن.. وأخريات طالبن بالتقنين.. والرد ”العيّال عزوة”
الأكثر مشاهدة
نساء أجهضن.. وأخريات يطالبن بالتقنين.. والنائبة الطبيبة ترفض اسقاط الحمل المشوه.. ألف عملية في مصر يوميا.. والطب الشرعي يحتكر الأقراص.
الإجهاض.. التجريم لم يمنع الجراحات غير الآمنة.
الواحدة من صباح الإثنين 12 يناير 2015، تتحرك بخطوات مرتعشة في شوارع قلب العاصمة المصرية، تصل إلى العيادة، تكاد تكون فارغة إلا منها هي وزوجها والطبيبة ومساعدتها فقط. تعمدت أن تُجري عمليتها بعد منتصف الليل دون علم أحد.. تدخل غرفة العمليات وكلمات والدتها الغاضبة تتردد في أذنيها « العيل هو اللي هيحافظلك على بيتك ويكتّفلك جوزك.. دي العيال عزوة».
تهمس لنفسها بكلمات واهنة؛ علّها تطمئن خوفها وتُثبت أقدامها قبل لحظات من العملية «أنا خدت القرار الصح، أنا مش مستعدة للحمل دلوقتي، أنا لسه في أول الجواز ومش مستعدة نفسيا ولا جسديا لأطفال، هي التربية سهلة!».. تشدّ على يد زوجها تستمد منه شجاعة بدأت تفقدها.. تدخل إلى غرفة العمليات.. رُفعت الأقلام وجفت الصحف..
إحساسها لم يأت من الفراغ.. سبقنها إليه الكثير من النساء المصريات.. في أوائل السبعينات من القرن الماضي، تحولت حياة المرأة من كونها مجرد ربة منزل إلى سيدة تتعلم وتعمل.. مما ولّد لديها شعور بالخطر والخوف من تحمّل مسؤولية طفل، فطالبنّ بتقنين الإجهاض أواخر عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وأوائل عهد السادات.
أستاذ الانثربولوجي عبد الصمد ديمالي، يقول إن المرأة المصرية أول من بدأت بمطالبات تقنين الإجهاض في الشرق الأوسط، لكن مع عودة العاملين بالخليج ودخول المذهب الوهابي لمصر في آواخر التسعينات، اختفت المطالبات، كما تغيرت طبيعة المرأة المصرية والمجتمع المصري ككل.
حكايات عن الإجهاض غير الآمن
صوتها يشق السكون، تخرج صرخاتها مدويّة مستغيثة، وبجوارها من يُفترض أن تكون أكثر أهل الأرض رحمة بها تكتم أنفاسها، تكتم أمها أنفاسها صارخة فيها «اتكتمي خلينا نغسل عارنا».. الفتاة تنزف بشدة.. الأدوات البدائية التي استخدموها «للتخلص من العار» جعلت الدماء تتدفق من جسد الفتاة الواهن، لم تشفع الأدوات البدائية من المياة الساخنة وما عاداها أن يوقفوا النزيف..
«مشكلة الحكومة أنها منفضة لحالات الإجهاض والوفاة الكتيرة في مصر نتيجة للإجهاض غير الآمن» هكذا تقول طبيبة رفضت ذكر اسمها لـ«احكي»، وتعترف: «أنا بعمل عمليات إجهاض رغم عقوبة القانون والبلاغات اللي سبق واتقدمت فيّا»، وتُبرر: «بعملها خوفا على المرضى فقط، ولتوفير إجهاض آمن، وهو حق من حقوق المرأة».
إحصائيات صادرة عن منظمات غير حكومية معنيّة بالمرأة، حول عدد عمليات الإجهاض السري بمصر، تفيد أن عدد حالات الإجهاض يتراوح ما بين 900 و1000 ح
نفس المشهد يتكرر، في بلد آخر، ولكن بنفس اللغة والأفكار.. داخل إحدى غرف العناية المركزة بلبنان، تستلقي ليليان والدماء تتدفق منها بغزارة حادة، خرجت عملية الإجهاض عن السياق..
زوجها بالخارج، بجواره تجلس ابنتها الصغيرة، وسؤال واحد يدور في ذهنهما.. «هل ستعود ليليان معهما إلى المنزل؟»...
في القاهرة، تروي شقيقة ليليان حكاية اختها لـ«احكي»، قائلة: «ليليان في 2013 عرفت بحملها في وقت كانت هي وزوجها يمران بمشكلة مادية صعبة، ذهبت للطبيب من أجل الإجهاض لكن الطبيب رفض إجراء العملية».
بصوت يقطر حزنا تُكمل «لبنان حتى 2013 كان مجرما فيها الإجهاض، وده اللي اضطر ليليان وكثير غيرها للجوء للإجهاض السري».
8 مايو 2015، سكاي نيوز- المغرب
أعلن وزير الصحة المغربي، الحسين الوردي، عن تأييده لترخيص الإجهاض، مؤكدا أن المرأة ينبغي أن تنال حريتها في جسدها...
فلاش باك.. بعض المنظمات المغربية تطالب بتقنين الإجهاض؛ نتيجة لإحصائيات أثبتت وفاة 2-4% من مجموع وفيات النساء نتيجة للإجهاض السري وغير الآمن.
وبعد نقاش اجتماعي دام لشهور بناء على طلب العاهل المغربي لحسم الجدل وصياغة نص قانون يساند المرأة في حقها للاختيار، خرجت المغرب بقانون يجرم الإجهاض لكن بشروط "عدم وجود تشوهات للجنين – الاعتداء الجنسي – الزنا".
وخلال ساعات من نص القانون أعربت نساء المغرب عن غضبهن من القانون، كما أعرب وزير الصحة المغربي على حسابه الخاص- للتويتر- قائلا: "بعد قانون تجريم الاجهاض رجعنا لنقطة الصفر تاني، وهذا ما كنت أخافه خلال مناقشة القانون .. وأن العاهل المغربي سيستمع للرأي المتحفظ، وهيخرج في النهاية قانون عدم وجوده أفضل".
تذكرت حينها مصر وتشريعاتها المتعلقة بالإجهاض ( في القانون المصري يعد الإجهاض من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة؛ إذ غالبًا ما يكون المقصود به إنهاء حق الجنين في الحياة المستقبلية. وقد خصص له المشروع المصري بابًا مستقلاً في قانون العقوبات هو الباب الثالث، وعنوانه: «إسقاط الحوامل وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة». لم يضع القانون المصري تعريفًا محددًا لإسقاط الحوامل (الإجهاض)؛ وإنما اكتفى بتحديد صوره، والعقوبات المقررة لكل صورة منه. بينما عرّفته محكمة النقض المصرية بأنه تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان).
دكتور خالد منتصر يقول لـ«احكي» إن الإجهاض أكبر جراحة سرية تُجرى للنساء في مصر والمنطقة العربية، ويكاد لا يمر يوم في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج»، مؤكدا تعرّض مئات النساء في أماكن متفرقة من مصر، من شمال الدلتا إلى جنوب توشكى، لهذه العملية المُحاطة بالشكوك والمحفوفة بالمخاطر والمتبوعة بالشعور بالذنب والندم أحيانا».
يواصل منتصر أن ما قد يدفع المرأة للمجازفة هو الرغبة في الإحساس بالارتياح والتخلص من مشكلة أو عار أو حمل مزعج أو مشوه.
المدهش والعجيب، في رأي منتصر، أن الإجهاض قد دخل هو الآخر عصر الخصخصة والعولمة والشركات عابرة القارات، فتطورت هذه الممارسة السرية من الإجهاض الشعبي التقليدي الذي مارسته بطلة رواية "الحرام" ليوسف إدريس بعود الملوخية، إلى الإجهاض الأرستقراطي السهل اللطيف بمجرد الحبوب والأقراص، مرورا بطريقة القفز من فوق السرير وضرب البطن باللكمات والذهاب للعيادات المتخصصة في الإجهاض، والتي يكسب أصحابها الملايين من الباحثات عن الاستقلال التام وموت الجنين الزؤام! كما قال منتصر.
ويكمل: «في الفترة الأخيرة لوحظ انتشار أقراص الإجهاض المحظورة، ووصولها إلى مصر بكميات كبيرة مهربة، والخطير أن السيدات يتناولن هذا الدواء وكأنه "بونبون" أو قرص أسبرين، ولا يعرفن أنه دواء له أعراضه الجانبية كالأدوية الأخرى، وأن استعماله له حدود وضوابط يحددها الطبيب ولا تحددها الصديقة أو الجارة، والخطورة أن الخجل من إعلان الرغبة في الإجهاض تجبر المرأة على تناول هذه الأقراص بطريقة سرية تجعل من علاج مضاعفاتها أمرا صعبا بعد فوات الأوان».
الإجهاض والقانون
في بداية زواجها تعرضت لعنف جسدي.. خلافات عديدة غير معتاد عليها في بداية الزواج، أعربت عن خوفها لصديقتها وعن رغبتها في الانفصال إذا استمر الوضع هكذا، لكنها مرتعبة من حدوث حمل نتيجة للعلاقة الزوجية، فنصحتها صديقتها الطبيبة تناول دواء"contraplan2" بعد العلاقة طوال خمسة أيام.
تذهب "نوال" إلى الصيدلية للسؤال عليه.. الرد: "غير مصرح بصرفه دون روشتة وتصريح من طبيب معالج!" تخبر صديقتها وتسألها عن بديل فتثور الصديقة موضحة "آه أصلهم احتكروا العلاج في الطب الشرعي لحالات الاعتداء الجنسي بس، دولتنا الحبيبة تدّعي تنظيم الأسرة في حين أنها تمنع المرأة من حقها في جسدها".
طبيب النساء والتوليد الدكتور محمد الخطيب، يؤكد أن "contraplan2" لم يُمنع من الصيدليات كما أشُيع مؤخرًا، لكن العلاج "شاحح" من السوق نتيجة لنقص أحد مواده المُصنع منها بمصر.
ليضيف دكتور خالد منتصر أن صرف العلاج "بالروشتة" أمر في صالح المرضى، نتيجة لاستخدام النساء العشوائي مؤخرًا لأدوية الإجهاض؛ مما يسبب أعراض جانبية وفي بعض الحالات نزيفا حادا.
النائبة البرلمانية والطبيبة شادية ثابت أوضحت في تصريح خاص لـ«احكي» عن الإجهاض وفيروس زيكا أن الإجهاض ما هو إلا قتل روح، مُضيفة «مفيش أي حد ليه الحق في قتل وزهق روح حتى لو كان مشوه». وأكدت رفضها لبعض التشريعات الاستنثائية حول حق الإجهاض في حالات التشوه والاعتداء الجنسي.
تجلس جانب أبنائها "مقيدين" بسلسلة إلى أحد الأعمدة بمنزلها، ينظران بأعين مُرتعبة، فهم لا يدركون من الدنيا شيئا بعد، رغم تخطيهما الـ20 عاما من عمرهما.
تبدأ حكاية "شادية" من زواجها لأحد أقاربها كعادتهم في إحدى قرى الشرقية، تعلم بحملها، يخبرها الطبيب هى وزوجها أن الأجنة مشوهة، "لما عرفنا بتشوهم وهما توأم قلت لأحمد أسقطهم زي ما الحكيم قال، لكن رفض وقال ده قدرنا ولازم نستحمله!»
"لو عايزة تعرفي احنا استحملناه فعلا ولا لاء فهقولك لاء، أحمد زهق واتجوز غيري وأنا بموت من 20 سنة جنبهم..."
الكاتب
حسناء محمد
الإثنين ٠٧ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا