الممنوع الموجود .. ”الدورة الشهرية”
الأكثر مشاهدة
تحرير : نورهان سمير - نيرة حشمت
لماذا تزدريني ؟؟
بدأت القصة عند تلك اللحظة التي دخلت فيها الصيدلية لأشتري "فوط صحية" ، أطلبها بالاسم و الوصف فيشير "الصيدلاني" دون أن ينظر إلي "اتفضلي خدي الي انتي عايزاه " ،لم يعنيني في البداية ما فعل ، و ليست تلك المرة الأولى التي يتكرر فيها ذات الموقف فكل شهر اًصبحت أتوجه وحدي إلىّ "رف" الفوط الصحية و أخذ ما أريد ، الصيدلية تلك تحديدا تعطيك الأدوية في أكياس بيضاء شفافة مطبوع عليها اسم الصيدلية و شعارها ، أما حين تشتري فوط صحية فإنها تعطيك إياها في "كيس أسود " ..لماذا ؟
نظرت إلى الكيس بشيء من الإستنكار .. و لأول مرة أقف عند ذلك الكيس الذي أحمله .. لماذا تعطيني كيسًا أسود بدلًا من الأكياس العادية الخاصة بالصيدلية .. أدرت ظهري و عدت للصيدلية المزدحمة و أخرجت الفوط من الكيس الأسود ووضعته على المنضدة "من فضلك أنا عايزة كيس عادي أنا مش جايبة مخدرات " ..نظر إلي الصيدلي نظرة استنكار ، كنت أستطيع أن أسمع صوت عقله الذي راح يقول " إيه البجاحة دي؟؟"
الجميع ينظر إلي بشيء من الإستغراب .. لم أهتم ،خرجت و قررت ألا أسمح للصيدلي أن يزدريني مرة أخرى .. أنا لن آخذ الفوط الصحية وحدي، الصيدلي سيحضرها لي، و لن آخذها في كيس أسود .سآخذ الكيس الشفاف الخاص بالصيدلية
لن أخجل منهم و لامني .
في سن ال12 تأتي الدورة الشهرية يصاحبها الألم وشعور بالخوف من التهامس الدائر حولها بأنها قد كبرت وأصبحت آنسة، وأنه منذ تلك اللحظة ستكون عليها مسئوليات لا تدرك ما هى، لكن هكذا أخبرتها سيدة كبيرة من عائلاتها ،ما تزال ماثلة أمامها
كلمات التخويف وارتبطت بصورة قطرات الدم الحمراء التي فاجأتها في ذلك اليوم، كرهت "هى" الدورة وكرهت الألم الذي تعانيه وكرهت القيود التي فرضوها عليها بمجيء "البريود".
مرت أكثر من 12 عامًا على مجيئها أول مرة لـ ندى، وما تزال تكرهها وتكره آلامها، وتتذكر المرات الأولى لها عندما كانت تسقط من الألم تتلوى على الأرض، والآن تمضي عليها مرات كثيرة لا تستطيع القيام من السرير في أول يوم سوى بالمسكنات التى هى ضرورية لها لتمضية ذلك اليوم، بالإضافة لشرب القرفة التي بمثابة طقس خاص بيها لذلك اليوم، وتكره شعور السائل المنسكب من جسدها إحساس يملئني بـ "الكره لحياتي والقرف من كل شيء"، البريود تجعلني شخص عصبي من الأحسن أن يتجنبني من حولي وقتها.
الدورة الشهرية " السر العظيم "
في مجتمعنا تعد الدورة الشهرية من أعظم أسرار الفتيات .. يتوجب عليها أن تخفي السر .. لا يجب أن يعلم أحد أنها في فترة الحيض
إنه شيء يدعو للخجل .. يعتقدون أنها نجاسة يجب إخفائها ..بل حتى أنهم لا يدعونها فيما بينهم بأسمائها الحقيقية .. فأطلقوا عليها العديد من الأسماء التي تغلفها و هي في النهاية " الدورة الشهرية " ذلك الدم الذي يخرج من رحم الأنثى.. و بالرغم من أن المجتمع يعي تمامًا الأمر طبيًا و أنه مجرد حالة عضوية تحدث للأنثى دون الرجل إلا أنهم يتعاملون معها وفق موروثات ثقافية و تاريخية تناقلتها الأجيال جيلًا بعد آخر تحمل في مفاداها إنتقاصًا للأنثى دون أي مبرر لذلك الإنتقاص
في تلك الأيام تحديدًا تتغير المرأة فسيولوجيا و نفسيًا .. كالشعور بالألم أسفل البطن ،ويزيد شعورها بالتوتر و الضغط و الآم في المفاصل و الظهر و الشعور بالصداع بالإضافة الى احتباس السوائل في جسمها .. و بالإضافة إلى كل ذلك تعاني المرأة في تلك الفترة من ضغط "إخفاء السر " و كأنه من العيب أن تبيح بأنها في فترة حيض
بل ومن المدهش أن تجد أن الحديث عن الدورة الشهرية يقف موقف الحديث في الأمور الجنسية لدى المجتمع .. فالحديث عنها ممنوع بين الجنسين ، و إن أبحت بأنك في فترة حيض تعانين من أمرين على الأرجح
الأول أن يزدريكي من حولك لأنك "بجحة " لا يجوز الولوج في تلك الأحاديث فالحديث عن الدورة الشهرية عيب ، و الثاني أن يشمئز منك الذكور الذين يثير الحديث عن الدورة الشهرية قرفهم .. و الحقيقة ما يثير الإشمئزاز هو احتباس تلك الدماء الفاسدة داخل أوردتهم و شرايينهم
فتصاب الفتاة في فترة الحيض بمتعاب جسدية و نفسية ومجتمعية، وقد يكون لديها مشاكل صحية بسببها، لكن "عدم" البوح الذى تتربي عليه بخصوص الدورة الشهرية يجعلها لا تتكلم أو تتألم بصوت، ومن تتجرأ عليها اذا مواجهة المجتمع.
الألم الشديد والنزيف المستمر ذاك ما جعل "أية" تذهب لإجراء سونار على الرحم لتعرف لأول مرة أسباب الألم الذي طالما أنهكها ونغص عليها حياتها، وأنها مصابة بما يعرف بـ "بطانة الرحم المهاجرة"، وأنه أنسجة الرحم الداخلية تكونت خارج الرحم ما يتسبب في نزيف شديد وألم أشد، بسبب نزول دماء الحيض من كل تلك الأماكن التي تجمع بها، وحاولت أية توعية بقية البنات بالموضوع فأسست مبادرة للتوعية به كمرض، وقابلها الكثير من "العيب وميصحش ومينفعش تكلمي عن ده"، فكل ما يخص البريود غير مباح الكلام عنه
خصصت إحدى الشركات البريطانية أيام الحيض إجازة للسيدات ، كما ورد في " اندبيندينت" أنه قامت تلك الشركة بتخصيص إجازة لموظفاتها أثناء فترة حيضهن ، وذلك للتخفيف من آثار الضغط عليهن ، والشركة أخذت في عين الإعتبار إحتياجات الموظفات النفسية و الجسدية في تلك الفترة من الشهر
تعد تلك الخطوة هي الأولى من نوعها لكسر حاجز الصمت فيما يتعلق بموضوع الدورة الشهرية
و صرحت "بيكس باكستر" رئيسة موظفي الشركة قائلة : " إن هذا الأمر يعد خطوة للأمام على طريق كسر حاجز الصمت فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وحسب دراسة أجريت مؤخرا،فإن تسعين بالمئة من النساء يعانين من آلام الدورة الشهرية ،في حين تصفه 20% منهن بالألم الذي يمكن تحمله،إلاأن الجزء الآخر يصفن الألم الذي يتعرضن له في تلك الفترة بالشديد، مما يقلل بشكل كبيرم قدرتهن على العمل بفاعلية "
تضيف "باكستر" أن هذه الخطوة جاءت رداعلى العديد من سياسات الشركات التي يسيطر عليها الرجال،والتي تروج أن هكذا إجازات ،قد تقلص من الإنتاجية ،كماقالت إن هذه السياسةالجديدة تتعلق بجعل النساء يشعرن بالمرونة والراحة في بيئة العمل، مما سيزيد من فاعلية عملهن خارج أيام الدورة الشهرية،بحيث تصبح فاعلية العمل الذي يقمن به ثلاثة أضعاف المعدل المطلوب، الأمرالذي يعوض تلقائيا أيام الإجازة المأخوذة خلال الدورة الشهرية، وهذا مايدعى بالتوازن.
"جيرمين غرير" في كتابها الأشهر المرأة المخصية
الموسيقية "كيران غاندي" لم تترك الدورة توقفها عن نشاطتها بل خاضت ماراثون سباق في أبريل الماضي في "لندن" ودماء الحيض تسيل على ساقيها، لم تخجل منها ولم تخفيها، بل ترى أن التمييز ضد النساء سيتنتهى بانتهاء الشعور بالخجل من الدورة الشهرية، وأن النساء يخفون أثار الحيض حتى لا تثير قرف الذكور وذلك يكون عبئًا نفسيًا على النساء بالإضافة للتعب الجسدي.
الكاتب
نيرة حشمت
الخميس ٢٤ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا