المجتمع VS ” الخدامة ”
الأكثر مشاهدة
تحرير نورهان سمير - نيرة حشمت
يعد المجتمع المصري واحد من مجتمعات عديدة تقيم الوظيفة وفقًا لما تدره تلك الوظيفة من ربح على أصحابها , و لا تقدر الوظيفة بأهميتها أبدًا , بل حتى إنه لا يترك أصحاب تلك الوظائف يمارسون حقهم في العمل دون أن يركض خلفهم ليصمهم بوصمة عار و لا يمل أن يذكرهم دائمًا بأنه وضعهم في أدنى درجات السلم الإجتماعي
من المهن التي وصمها المجتمع هي مهنة " عاملات المنازل " أو " الخدامة " حتى أصبحت مهنة الخادمة من المهن التي يجب أصحابها أن يتبرؤا منها و يمارسونها في الخفاء , فالخادمة تُعير بتلك المهنة و ابنة الخادمة قد لا تتزوج و ابن الخادمة تظل أمه وصمة في حياته مهما على قدره و شأنه
تتعرض عاملة المنزل من التحقير في البيت الذي تعمل به و من المجتمع الذي تخشى غالبًا أن تطلعه على حقيقة عملها فلا يرحمها
ومن أشكال التحقير الي تتقلهاها عاملات المنازل النظرة الدونية التي تبدو في سلوكيات كثيرة و عبارات قاسية من أصحاب العمل " المخدومين " مثل عبارات "انتي خدامة عندنا والهدوم الي اتي لابساها دي بتاعتنا و ماتنسيش نفسك " , " إوعي تتشطفي في البانيو روحي اتشطفي في الطبق جنب البلاعة " , أما النوم بالنسبة لعاملات المنازل المقيمات لدى المخدومين فيكون غالبًا في المطبخ و نادرا ما تخصص بعض الأسر غرفة أو حتى سرير خاص بعاملة المنزل
كما تتعرض عاملة المنزل لإهانات كالتخوين و الاتهام بالسرقة سواء اكان أموالا أو حلي أو طعام تقول إحداهن " يحطوا الدهب و الفلوس قدامك و يشوفوا انتي حرامية و لا لأ " , كما تشكوا معظم عاملات المنازل من كثرة الشغل و طول ساعات العمل و الخصم من الأجر إن لم يكن الحرمان من الأجر كله
تعاني عاملة المنزل من ذل أصحاب المنزل لها في كثير من الحالات , ثم تخرج للمجتمع لتلاقي ذات المذلة و الإهانة من أفراد المجتمع فهي " الخدامة " , و بالرغم من تشدق العديد بكلمة " الشغل الشريف مش عيب " إلا أنه يعير الخادمة بعملها , لذلك تضطر معظم الخادمات لإخفاء هوياتهن كخادمات , بين كل عشر خادمات واحدة فقط يعلم أولادها و جيرانها أنها خادمة و الباقيات يختفين من قسوة المجتمع العنصري الذي يصنف قيمة الفرد وفق درجات طبقية تضع الدكتور و المهندس في الدرجات الطبقية العليا و الخادمة في الدرجات السفلى
تقول صابرين " لما ساءت الأحوال و ضاق الحال اشتغلت خدامة و لما ابني عرف غضب و قال ازاي أمي تبقى خدامة و راح من ورايا لصاحبة البيت الي كنت بشتغل فيه و طلب منها تمشيني عشان ما اشتغلش خدامة " و كعاملات منازل كثر لا تستطيع وفاء أن تخبر من حولها انها تعمل خادمة :"أنا عندي بنت لو الناس عرفت إني بشتغل خدامة هيعيروها العيال في المدرسة , و لما تكبر ماحدش هيتجوزها عشان بنت خدامة ", لما ذا لا تتزوج إبنة وفاء إذا علم المجتمع أ، وفاء خادمة ؟؟ وفق أي شريعة لا تزوج إبنة الخادمة مهندس أو دكتور ؟؟
ساهمت السينما منذ نشأتها في ترسيخ صورة الخادمة بشكل سيء و إستعمال أدوارها في إبرز الفروقات الإجتماعية بين الخادمة و أصحاب المنزل , فنجد العبارة الأشهر في ميلودراما الأفلام الأبيض و الأسود " إزاي ابن الباشا فلان يتجوز بنت الخدامة " , كفيلم التلميذة لشادية و التي حال كون أمها " أمينة رزق" خادمة من زواجها من حسن يوسف الباشا ابن الحسب و النسب , الحب ينتصر في النهاية و تتزوج بنت الخدامة ابن الباشا , لكن يساهم ذلك الانتصار بشكل آخر أكثر سلبية,وهو ترسيخ دونية الخادمة و ذريتها
أو ترسيخ فكرة أخرى أكثر سوءا و هي أن يخون الزوج دائمًا زوجته مع الخادمة اللعوب التي تجيء الكاميرا بمشهد ظهرها المحني أُثناء المسح لإغراء صاحب المنزل , و إيقاعه في فخ الزواج منها , أو أن تضبطهم الزوجة أُثناء ممارسة الجنس , و ظلت أفلام كثيرة و مسلسلات ترسخ تلك الفكرة الخادمة التي تفتن السيد أو الشاب الوسيم ابن أصحاب المنزل لتوقعه في شباكها
بالإضافة إلى ترسيخ فكرة أن الخادمة لم تسلم من تحرش صاحب المنزل أو إغتصابها مثل فيلم " دعاء الكروان " حيث قتل الخال هنادي لأن صاحب لأنها وقعت في غرام سيدها فاستدرجها لحبه و تركها بخطيئتها , و العديد من الأفلام رسخت ذات الفكرة فوصمت عاملة المنزل بتلك الوصمة
كما ساهمت السينما و التليفزيون بشكل كبير في وصم عاملة المنزل بوصمة السرقة , فغالبًا ما تظهر الخادمة على شاشة التلفزيون أو السينما و هي تسرق أصحاب المنزل و خاصة " الإسورة أو الحلق الألما ظ بتاع الهانم " , فوصمت أيضا الخادمة بالسرقة إذا اضعت ورقة من المنزل تكون هي المتهم الأول , و يعاملها المجتمع على هذا الأساس أيضا من أقرب المشاهد على ذلك مسلسل " نصيبي و قسمتك " حيث ظهرت الخادمة الأصيلة التي عاشرت أهل المنزل خمسة عشرة عامًا من العمل و ظهرت تسرق ساعة الزوج و تدعي البكاء و التمثيل و على الرغم من ان المشهد خارج السياق الدرامي للقصة إلا ان المخرج أصر على إبراز مشهد الخادمة و هي تأخذ الساعة التي هربتها عن طريق القمامة و تمسح دموع التمثيل عن وجهها
أما إبن الخدامة او بنت الخدامة فتظهر في السينما و التليفزيون دائما في حالة من التمر على وضع الأم , لأن بنت الخدامة لن تتزوج إلا بشخص أدنى منها و كذلك إبن الخدامة كما في العديد من الأفلام لا يستطيع أن يتزوج الفتاة التي يحبها لأن أبوها دائمًا يرفض أن يزوج ابنته ابن الخدامة
لا يعترف المجتمع أن عاملة المنزل تعد جزءا مهم لإستقامة أوضاع العديد من المنازل , و هي مهنة تبادل منفعة تقدم العاملة خدمة لأصحاب المنزل مقابل أجر معين , و هي سمة كافة الأعمال في كافة القطاعات ,فلماذا يركض المجتمع خلف عاملة المنزل بصفتها الكائن الأكثر وصمًا و التي يجب عليها أن تعيش حياتها متبرئة من مهنتها مختفية خلف ستائر أعمال أخرى يقبلها المجتمع إلا كونها خادمة "خدامة".
الكاتب
نيرة حشمت
الخميس ٠٥ مايو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا