لابسة طرحة ليه؟
الأكثر مشاهدة
تابوه ل: سمر حسن - هند خالد
كعادتها كل يوم في الصباح الباكر، تقف أمام المرآة لدقائق طويلة، تتفنن في تضبيط لفة "الطرحة" حتى لا تبدو شعرة واحدة منها، وتبدأ معركتها مع الدبابيس التي تغزو في أصابعها كحقنة الوريد، وهي تعلم أن ذلك يؤخرها عن العمل، ثم تلقي بنظرة سريعة على مظهرها بالكامل، لتلاحظ مدى تناسق ألوان البلوزة مع البنطلون الجينز الجديد، لكنها ما إن تبتعد عن المرآة حتى تعود مجددًا، يوخزها استفهام يدور برأسها من آن لآخر، يلتفت حول رأسها كحجاب آخر.. "أنا لابسة الطرحة ليه؟".
لابسة طرحة ليه؟ سؤال مكون من ثلاث كلمات، مظهره بسيط لكنه يحمل بين طياته الكثير من الجدل، ومن الناحية الاجتماعية يدخل ضمن دائرة المحرمات أو المناطق الصامتة المحظور التحدث فيها، ويفرض السؤال نفسه بعد تزايد الدعوات التي تطالب بخلع الحجاب، وأخرى تتمسك به بشدة، فتقبل البعض السؤال بصدمة واندهاش وعلامات من التعجب، والبعض الآخر استقبل السؤال بصوت المناجاة رغبةِ في البوح والفضفضة تخفيفاً للضغط وهروباً من قهر الإجبار وظلم العادات والتقاليد، لأن من المؤكد أن وراء كل طرحة حكاية.
وخرجنا لنسأل بعض الفتيات "هو إنتي لابسة طرحة ليه؟"، لتكون أولى الإجابات" لا إله إلا الله"، بعلامات يصاحبها استنكار ظهر على وجه الفتاة العشرينية "نشوى عباس"، التي رأت أن الإجابة محسومة، ولاتستحق المناقشة، وهي أن الحجاب فرض.
ووراء كل طرحة حكاية مختلفة، تتصارع بين التمسك بها بشدة، والرغبة فى التخلص منها، وكيان صارم فرضه المجتمع على كل فتاة، ووضعها بين رحى الالتزام بقوانينه أو الطرد من رحمته، فأصبح يحكم على المرأة وفق المظهر وليس الجوهر، وهو ما تجسد فعليا مع "سميرة سراج" ذات الـ16 عاماً والتي تحكي بلغة التمرد "مجتمع سطحي، يقبل بالمظاهر، لازم ألبس الطرحة بصرف النظر عن باقي اللبس، والطرحة مش فرض ديني" وبعلامات تهكم سيطرت على المشهد، ولغة رفض لا تتخطى لديها سوى السخط، "مش هخلع الحجاب لأني مكسلة أواجه المجتمع"، وتعود سميرة بالتفكير إلى الوراء وتقول "إن تجربة الحجاب تجربة سيئة، بابا وماما مغصبونيش، بس المجتمع فرضه عليا وأريد التخلص منه".
"بدون حجاب، يعنى ببيع عبادة ربنا" تردد "فريال حسن-22" هذه الكلمات وهى تتأمل في لوحاتها، وتحدثت عن ريشتها التي تواجه بها أصحاب الفكر المنغلق اللذين يحصرون دائرة الفن والأبداع على الغير محجبات فقط، وبنظرة إلى خيالها الذى يظهر على زجاج لوحتها، قالت أن الحجاب هو أبداع من قبل الله سبحانه وتعالي فرضه علينا لكي يكمل لوحته الفنية على الأرض، وبصمت مصاحب بلمعة فى عينيها تردد بأن زوجها المستقبلي فقط من يستحق أن يرى جمالها.
القراءة دائما ما تستهوي المرأة، لتصل إلى ما يرغبه عقلها من أفكار، وهو ما عبرت عنه "نورهان" الحاصلة على ماجستير فى القانون، وهي تجلس على مقعد فى البهو الخارجي لساقية الصاوى، وتحمل بين يديها كتاب، شاردة بين صفحاته، وعندما يقطع السؤال قراءتها، نظرت بتحدي واصفة الحجاب "حتة قماشة حطاها على شعري، مش هي ديه إلى هتدخلي الجنة ولا هتدخلني النار، وبالنسبة ليا ملهاش أى قيمة".
تصمت "نورهان" برهة من الوقت، وتعود إلى الوراء لتسرد مشوارها مع الحجاب الذي ارتدته كفرض وهي في الصف الثالث الإعدادي فى شهر رمضان، وانصياعها لسماع الداعية "عمرو خالد" و"مصطفى حسني"، وانقلبت الموازين باتكاؤها على عجاز القراءة التي قادتها إلى التفكير، ووصولها إلى إيمانها بالاحتشام وليس الحجاب، ناظرة إلى فتاة مرت أمامها ووصفتها بأنها لابسة حتة قماشة على شعرها لكن وجهها لا يظهر ملامحه من طغيان مستحضرات التجميل، وآخرى مرت دون حجاب، ولكنها ترتدى فستان واسع وهذا هو (الاحتشام).
"أنا قرأت فى العقيدة والدين الإسلامي وتعاليمه مختلف تماماً عن الهبل إلى اتربينا عليه"، و"المثل العليا والشيوخ كلهم بلاستيك" بهذه الكلمات أنهت نورهان حديثها عائدة إلى كتابها.
لو عايزة تمثلي الدور ده يبقى لازم تخلعي الطرحة أو تلبسي باروكة" هذا نموذج من بعض العبارات التي يرددها المخرجون مع أي ممثلة متمسكة بحجابها، وتعشق التمثيل، فيضعها أمام الاختيار الصعب، وهنا تعرفنا على "بوسي أحمد" التي تبدأ العقد الثاني من عمرها فى استراحة قصيرة بعد بروفة عرضها المسرحي القادم، وتقول بصوت يمزقه التعب "أنا بقوم في المسرحية بدور"قوادة "وأنا محجبة، وهاكون لابساه عادي وأنا بعمله"، واتكأت بظهرها على الحائط، متحدثة بلغة الحيرة بين ارتداءه إرضاء لله، وحلم التمثيل: "دا حتى المعهد العالي للسينما إلى هموت عشان أدخله، للأسف مابيقبلش محجبات".
الحجاب بالنسبة للبعض حرية شخصية، وليس إجبار، وهو ما اتبعته "سهام صبحي" صاحبة الـ ٣٨ عاما، التي تحكي بصوت المغضوبة اجتماعيا عن حكايتها مع الحجاب بنبرة غاضبة وملامح استياء: "جوزي لا يمنعنني من قرار خلع الحجاب، وعندي بنت محجبة وبنت مش محجبة، ولكن اتخاذ القرار سوف يضايقه بسبب دائرة الحشريات المحيطات بي" بهذه الكلمات انهت سهام حديثها متمنية خلع الحجاب في أقرب فرصة.
إذا كان الحجاب من وجهة نظر بعض البنات مجرد قماشة، لكن ريهام يحيي الفتاة الثلاثينية ترى أنها بدونها كأنها ماشية عريانة، فبهذه الكلمات بدأت حديثها عن الطرحة التي بدأت بتهديد مدرس اللغة العربية لها بقص شعرها في حالة عزوفها عنه في مرحلة تعليمها الابتدائي، وقابلت "ريهام" هذا التعسف بارتدائها الملابس القصيرة ذات "النصف كم" على "الطرحة"!، ثم اقتنعت تدريجيا بأن الحجاب فرض من خلال استماعها إلى رجال الدين.
وتحولت رياح عندها إلى القناعة الكاملة بأن الحجاب فرض من فروض الدين الإسلامي من خلال استماعها إلى رجال الدين، وبنظرة إلى ملابسها الواسعة، قالت هذا هو الحجاب التي اقتنع به الذى يطبق شروط الدين الإسلامي للحجاب، وهي "لا يشف ما تحته، وفضفاضًا، وساترًا لجميع البدن".
اسمعي كلام الناس عشان تنولي رضاهم" ، وفقا لهذا المبدأ.. تكون حكاية "نيرمين أحمد" التي دارت في فلك آخر، فهي غير مقتنعة بالأديان السماوية وما تفرضه، وتصف نفسها بأنها Agnostic) -اجنوستك) التي تترجم إلى العربية (بالاأدرية) وقالت أنها تعنى" أنك تكوني رفضتي الأديان وشايفة أنها غير منطقية وهزلية"، وبنظرة يسيطر عليها الظلم وملامح قهر مرسومة على وجهها، أشارت نرمين إلى طرحتها التي تتخذ شكل (الإسبانش)، وقالت " أنا هريحهم.. هلبس حتة القماشة ديه.. وهخرج نص شعري..ويبقى اسمى لابسة طرحة"، وبنظرة شاردة إلى السقف تمنت نرمين في نهاية حوارها خلع الحجاب.
وكانت "فتاة التوربون" آخر مجيبة عن السؤال، فبنظرة ساخرة ووجه مرسوم بملامح التهكم، تنظر وئام أحمد" إلى الخلف قالت " حجاب أيه.. لأ طبعا كل الحوار أني مش عاملة شعري انهاردة ولازم أداريه".
الكاتب
احكي
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا