قطر الجواز هيفوتك...مش هنفرح بيكي بقى؟!
الأكثر مشاهدة
بنظرات متفحصة يصحبها رفع إحدى الحاجبين، يبدأ التحقيق الصامت بنظرة عابرة للتقييم المبدئي، وينتهي بفحص يخترق أصابع اليد اليمنى واليسرى، والرمي بالمشاعر الإنسانية في غير مكانها، والتلفظ بكلمات تصيب القلب ثم تقويه "الحقي بوكيه العروسة واقرصيها فى ركبتها تحصليها فى جمعتها، من كتر خطابها بارت، أنتي متجوزتيش لحد دلوقتي هما الرجالة اتعموا في نظرهم ، شدي حيلك بقا" يتكرر هذا المشهد الساخر الذى يعتلى بطولته (طنط حشرية) و(عواجيز الفرح) في حياة الكثير من البنات، اللاتي يحلمن بـ(باب حسين المفتوح) وليس (سجن سي سيد).
ولكل مكان عواجيز فرحه، ففي حالة "رقية" الصحفية البالغة من العمر26 عاماً، من إحدى القرى التابعة لمحافظة المنوفية، وتعمل بالقاهرة ، وهو ما يعني أنها رأت كلا العالمين ، الأول عالمها الأصلي الذي يؤمن بأن "راجل في البيت ولا شهادة على الحيط"، والثاني الذي يؤمن بأن لكل من الفتاة والفتى فرصاً متكافئة وحقوقاً متساوية في هذه الحياة، والفرص متاحة أمام من يمكنه النجاح فقط دون اشتراط النوع.
لذا ففي الزيارات الأسبوعية لأهلها بقريتها وإذا ما اضطرت لحضور مناسبة اجتماعية فهي دائما تلتقي بـ"عواجيز فرح قريتهم" والذين لا هم لهم سوى متابعة أيادي الفتيات، لتحديد نوع السلام على هذه الفتاة، فمن ارتدت دبلة في يمناها فيقال لها "عقبال فرحك"، ومن ترتديها في يسراها فيقال لها "عقبال عوضك" ، حتى من تحمل ولدها على يديها فلابد لها من تهنئتها أيضا ، فإن كانت تحمل ولدا فيقال عقبال ما تخاويه ، وإن كانت تحمل فتاة "عقبال عوض يجيلك".
وتستكمل رقية حديثها قائلة "هنا تبقى من لا ترتدي شيئا في يديها والتي تكون تسليتهم غالباً، فإن كانت شابة حديثة التخرج فتعتبر ذو فرص أفضل فيكتفون بالقول عقبالك، أما إن كانت قد تخطت الرابعة والعشرين وكثرت رؤيتها في المناسبات الإجتماعية وحضرت الكثير من مناسبات صديقاتها، فهذا يعني أنها المستهدفة من هذه الحفلة.
تنحصر أبرز التعليقات التي تواجه رقية في "مفيش حاجة في الطريق، مش هنفرح بيكي بقى، يابنتي الناس اللي بيتقدموا كويسين فيه إيه مالك" ، وعندما لا يحصلوا منها على حق ولا باطل تنتقل القضية لوالدتها، التي لا ينفكون لمطالبتها بأن تعرضها على شيخ لأنه يبدو أنه معمول لها عمل ، "أيوه أومال إيه اللي مقعدها لحد دلوقتي، ما هي بنت ناس ومتعلمة وبتشتغل ومؤدبة، هاتيلي سبب يقعد بنتك جنبك لحد دلوقتي" .
ولم يسلم والد "رقية" من التعليقات والتلميحات بأنها قد تكون مرتبطة في العاصمة، لذا يرفض من يتقدمون لها في بلدها، فبعد معظم المناسبات تجد نفسها مراقبة ومحاصرة من الجميع.
"من اختار أن يحسن الإختيار فعليه أن يتحمل نتائج هذا الإختيار ، دمتم أقوياء ومتحملين لإختياراتكم" بهذه الكلمات انهت "رقية" حديثها بنفس عميق وعادت إلى موضوعها الصحافي لكى تنهيه.
وتتنوع ردود فعل الفتيات، فسارت مهندسة الاتصالات ( نرمين أحمدى -27) في تيار آخر، ووصفت كل من تقول لها هذه الكلمات من قبيل "هتتجوزي أمته بقا" بالخوف الشديد على مصلحتها ورغبة الاطمئنان عليها، فهى لا ترد على هذه الكلمات بالعنف بل تضحك محاولة أن تحدث كل عقلية بلغتها، وفي إحدى المرات قالت لها قريبتها "مش عايزة تتستتى"، فردت نرمين قائلة " يعني أنتى متستتة أوي عشان اتستت".
"العنوسة قضية نسبية، بإمكان فتاة أن تتزوج وتنجب وتبقى رغم ذلك في أعماقها عانساً، وردة تتساقط أوراقها في بيت الزوجية" بهذه الكلمات ردت الكاتبة أحلام مستغانمي عن وصف كل من تتأخر عن الزواج بكلمة "عانس"، كما أظهرت دراسة أجراها عالم الاجتماع " Nick wolfinger "في جامعة "Utah" الأمريكية ، أن السن المناسب للزواج يتراوح ما بين 28 و32 عاما للإناث والذكور باعتبار أن الإحصائيات أكدت تقلص نسب حدوث الطلاق في السنوات الخمس الأولى.
بينما توصل عالم الاجتماع " "Philip Cohenفي جامعة "Maryland" الأمريكية، أن احتمالات الطلاق لا تزداد مع تأخر سن الزواج، بل إن العمر الأنسب لزواج لا يتبعه طلاق، هو بين الـ45 و الـ49.
وعن التعامل الأمثل في مثل هذه المواقف ، قالت المذيعة والصحفية "رحاب صبري" صاحبة كتاب "مشروع عانس"، لابد أن تتقبل البنت هذه الكلمات بكل قوة وصمود، دون أن تنظر بانكسار إلى الارض، ويوجد كثيرات يحملن لقب "متزوجة" ولكن يفتقدن إلى الحرية وراحة البال والسعادة.
وأضافت "رحاب" رغم أنها صاحبة كتاب يهاجم هذه الصورة النمطية المنتشرة فى المجتمع الذي يدفننا في كهف الموروثات، إلا أنها تتعرض إلى مثل هذه السخافات رغم صغر سنها ، ولكن الفرق بينها وبين بنات كتير إيمانها بأن لا يخص أحد كونها متجوزه أو مخطوبة.
"عايزين يضموا كل التفاح لسلتهم الفاسدة" بهذه الكلمات بدأت المترجمة "هند السيد-27" حديثها وهى منهمكة فى العمل، واصفة كلمة "هنفرح بيكي أمتى دي" بأنها "أكثر الجمل أنانية في التاريخ، لأنها ضمنياً معناها إني عاوزة بني آدمة تعيش أطار معين في الحياة، لمجرد أنها تفرح اللي حواليها، الكلام بضمير المتكلم والجمع ده، وإسقاط المخاطب اللي أنا عاوزه يقوم بالدور ده أنانية مفرطة وطلب بجح من المتكلم، حتي لو المتكلم ده الأهل نفسهم".
"متشوفيه لسحر ياهدى، بس أوعى تنسي"، بهذه الجملة بدأت سحر البالغة من العمر 25 عاماً، بعلامات حزن تظهر على وجهها، موضحة أن هذه الكلمات خرجت من والدتها إلى إحدى قريباتها، طالبة منها أن تتحدث إلى (العريس اللقطة) وترشح ابنتها له وتقوم بـ"توفيق رأسين في الحلال".
وعلى خطى والدة "سحر" ظهرت لنا الكثير من صفحات الفيس بوك، التى تقوم بدور (الخاطبة الإلكترونية)، مثل صفحة "نفسي أتجوز صح"، والتي يقترب عدد مشتركيها من 46 ألف شخص، تهدف للتنسيق بين الشباب والفتيات لاختيار الشريك المناسب، ويتم التنسيق بين المتقدمين بملء استمارة وإرسال صور، على أن يتم التوفيق بينهما مع مراعاة المستوى الاجتماعي والتعليمي والديني وطلبات الطرفين، وتحتوي استمارة التعارف على عدد من الأسئلة الدينية، قيمي نفسك بوضع درجة تقييم لك من (0-7) على أداء العبادات أسبوعياً بشكل تقريبي مثال (أصلي الفجر 5-7 مرات أسبوعياً) قيمي نفسك بالرقم 6 مثلاً، أواظب على قراءة صفحة قرآن يومياً على الأقل، حددي الدرجة من (0-7) أسبوعياً، ثالثاً: أحافظ على أذكار الصباح والمساء يومياً، حددي الدرجة من (0-7) أسبوعياً.
ووضح "محمود نواف" مؤسس المشروع في إحدى حواراته الصحفية، أنه تم وضع الاستمارة، والتي يصل عددها لـ50 سؤالاً، عن طريق استشاري تربوي وأسري ضمن أعضاء الفريق، بناء على الطلبات التي تلقوها قبل وضع الاستمارة.
"أنا مبقلش الكلمة ديه خالص، أنا بقول فيه جديد، عشان أعرف البنت ارتبطت ولا لأ، عشان تفضل في دماغي، لو لقيت عريس مناسب" قالت الأستاذة "سعاد" التى بدأت العقد السادس من عمرها، هذه الكلمات وهي مبتسمة ومتمنية أن يرزق الله كل (حواء) بآدم (يسعدها)، وفي استمرار ضحكها انهت حديثها " بس أنا عايزة أقلك برده، قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة".
ودائما يظل الفن هو سلاح الرد على الجهل والموروثات التي تُسلب المرأة حريتها، فقدم مشروع "بُصّي" عرض "آنسة ولا مدام" تزامنا مع يوم المرأة المصرية 16 مارس الماضي ، في المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة،حيث تناول الع الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها الفتاة غير المتزوجة في مصر، و"بُصّي" مشروع فني يهدف إلى خلق مساحة حرة للسيدات والرجال في مصر لحكي التجارب الشخصية المسكوت عنها في المجتمع، بهدف رفع الوعي حول مشاكل النوع الاجتماعي.
فتاة تجلس على كرسي حاملة بيد بوكيه ورد ناشف، وترتدي ملابس و"شبشب" قديم ، يرمز إلى الفكر القديم الذى يحصر البنت في الجواز فقط ، وعلى الكرسي الآخر الموجود بجانبها ملابس لرجل "قميص وبنطلون"، في محاكاة لعريس تمسك بيده، وكتبت عليها "مش هنفرح بيكي بقى، فرح هنا لطنط يابني عشان تفرح". هذا كان رد الاستايلست "ريهام عاطف" على صفحة الفيس بوك الخاصة بها.
الكاتب
سمر حسن
الخميس ٢٨ يوليو ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا