”شرطة مراقبة ملابس النساء”.. متى تختار المرأة ما ترتديه؟
الأكثر مشاهدة
ماذا لو استيقظ العالم على تبادل للأدوار؟ فأصدرت النساء القوانين وأعدت المسودات، وكرست جهود الدولة لملابس الرجال، فتقتحمن حجرات الوضوء مثلًا على هذا الذي رفع جلبابه أعلى من مستوى ركبتيه قليلًا فكشف عن عورته، أو تجهزن فرق مسلحة برذاذ الفلفل لمواجهة من غطى جسده كله ببدلة السباحة بما يشكل خطرًا على مبادئ العلمانية.
يبدو أن جسد المرأة وماترتديه سيظل محور التشريعات حتى نهاية العالم، فلا يوجد إجابة عن سؤال لماذا يري الرجال أن طريق نشر/دحض أي شيء يبدأ بجسد المرأة؟!
فمشهد السيدة التي أحاطتها الشرطة محولة استمتاعها بطقس مشمس على أحد شواطئ نيس الفرنسية لمحكمة تفتيشية حول ما ترتديه وإجبارها على خلع ملابسها الفوقية كدليل براءتها من خرق مبادئ الجمهورية بعدم ارتداء البيكيني ولتتمكن من الرقود على الرمال وتستنشق بعض من الهواء المنعش، يفتح الباب لسؤال آخر لماذا تُوَظف قوات شرطية هدفها الأول والأخير كم القماش الذي ترتديه النساء؟، يبدو السؤال سخيفًا وهزلي لكن شواهده عبر التاريخ كثيرة.
فعشرينيات القرن الماضي ليست بالبعيدة، حيث انتشرت "شرطة الشواطئ" في الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت مسلحة بشريط قياس الأطوال، فتقف النساء صفًا ويبدأ الشرطي بقياس المسافة المكشوفة بين ركبتها و"المايوه"، ومن يكتشف جرمها ببضعة سنتيمترات أقل من المسموح، تُخير بين إطالة الزيّ لدى "خياط الشاطئ"، المغادرة أو القبض عليها وتحرير غرامة.
وكما احتج كثيرون على القرار الفرنسي بمنع البوركيني أو زي السباحة الكامل، من بينهم من استخدم صور الراهبات بزيهن المحتشم، وسائقو دراجات نارية ذهبو إلى الشاطئ بكامل ملابسهم وبالخوذات أيضًا، فعلت نساء القرن الماضي فارتدين "المايوه" القصير والتقطن الصور بجانب لافتات منع ملابس السابحة غير الكاملة.
ودائمًا ما يتحكم دين الدولة في مظهر نسائها، فإيطاليا التي جاءت من خلفية كاثوليكية قوية ظلت حتى خمسينات القرن الماضي تفرض غرامات على المقصرات في لباس البحر وتطردهن من الشواطئ، كذلك تفعل الآن فرنسا التي تدين بالعلمانية وترى في زيّ السباحة الساتر للجسم رمزًا إسلاميًا يمّكنها منعه من محاربة "الإرهاب الإسلامي".
لسنا هنا في موضع حديث عن ما تفعله تنظيمات مثل "داعش" أو "طالبان" في النساء كونها منظمات إرهابية انتقلت للتشريع بالسلاح والدم، مما يدفع النساء للرقص فرحًا أو لحرق الملابس السوداء عند تحريرهن من قبضة الإرهاب.
بينما نظام إسلامي كما إيران فقد استحدث شرطة أخلاقية مهمتها التأكد من ارتداء الحجاب، بعد ثورة الخميني الإسلامية والتي جاءت بآمال عريضة في الحرية والديمقراطية لكن "خلف كل قيصر يموت، قيصر جديد"، فاستبدلت ديكتاتورية الشاه السياسية بديكتاتورية دينية أشد وطأة.
فالإيرانيات اللاتي ارتدى جزء كبير منهن الحجاب في عهد الشاه كتعبير سياسي عن رفضهن لسياسات النظام الغربية الإمبريالية، أصبحن مجبورات على الاستمرار في ارتداءه بعد المرسوم الذي أصدره آية الله الخميني عشية يوم المرأة العالمي، 7 مارس 1979، بفرض ارتداء "التشادور" وهو مايشبه الإسدال ذو القطعة الواحدة الذي يغطي الرأس والجسم معًا.
قبل ذلك عانت المرأة الإيرانية من اتجاه مضاد سلكه رضا بهلوي، شاه إيران حتى عام 1941، فأصدر مرسومًا ملكيًا بمنع ارتداء الحجاب وفرض الزيّ الغربي عام 1936، فقد وضع نموذج نهضة أتاتورك بتركيا نصب عينيه ورأى أن مسيرة التقدم تبدأ بمنع الحجاب.
مرة أخرى كان للشرطة دور في تطبيق القرار، فكانت تخلع الحجاب عن مرتدياته بالقوة، فقد لاقى القرار معارضة كبيرة حيث كان الحجاب تقليدًا اجتماعيًا ورمزًا دينيًا خصوصًا في الطبقات الاجتماعية الأقل، التي فضلت كثيرات من نساءها المكوث في المنزل على خلع الحجاب وأخريات غامرن بالخروج لمواجهة الشرطة المسلحة.
ليتم وقف قرار المنع بعدما تم التخلص من رضا بهلوي خلال الحرب العالمية الثانية بسبب شك الحلفاء في تحالفه مع هتلر، فيتولى ابنه محمد رضا بهلوي سدة الحكم، وتكتسب المرأة حرية اختيارها لما ترتدي بشكل مؤقت فقد أدت إدارته السياسية لانهيار كل شيء والوصول للنقطة الحالية من الحكم الإسلامي المتشدد.
النظام الإيراني ليس وحده صاحب هذا الاتجاه فقد مرت تونس في عهدي كل من بورقيبة وبن علي بنفس قرار منع الحجاب، بينما تعيش السعوديات وغيرهن ممن يمرون بأرض المملكة، تحت أعين هيئة الأمر بالمعروف، ولا أحد يعلم متى يصبح ما ترتديه المرأة شأنها الخاص.
مصادر..
When the police could arrest women for their bathing suits
From Bikinis to Burkinis, Regulating What Women Wear
الكاتب
ندى بديوي
الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا