”تشويه الأعضاء التناسلية للنساء”.. العلم VS التقاليد
الأكثر مشاهدة
في الثلاثين من عمرها ما تزال تذكر اليوم الذي أجهزوا على جزء من جسدها فيه كأنه الأمس، أثناء حديثها معي خنقتها العَبرة وهي تحكي عن ما لم ينتهي أثره رغم الأعوام العشرين التي مرت على يوم حدوثه، يومها كانت عطلة مدرسية أثنوها عن الاستيقاظ المتأخر واللعب مع أطفال الشارع واقتدتها الأم -التي أُجريت نفس العملية لها عن طرق "الداية" والربط في السرير والقطع المباشر دون أي تخدير- إلى الطبيب الذي تقمص دور "حلاق صحة" وضرب بكل مناهج الطب التي انكفاء عليها سنوات عرض الحائط، أتم عمله بقطع جزء من عضوها التناسلي لتكون بذلك "طاهرة، عفيفة ومصونة" لن يتلاعب بها الرجال.
لم يكتفوا بهذا القدر فدار نقاش عائلي بعد "العملية" حول ماهية الجزء البارز لدى الفتاة وكون الطبيب لم يجري عمله على وجه الدقة وأن هناك خطرًا ما على الفتاة التي لم يلتفتوا لكونها أصبحت مستباحة يمكن لأي عابرة من الجارات والأقارب أن تمر على الفتاة وتحديد ما إذا كان يتوجب حضور الداية أم لا، وهو ما جعلها عرضة لعملية ختان أخرى كانت ستودي بحياتها عن طريق قطع شريان. الأم التي اتبعت ما وجدت عليه الأباء والأجداد في بناتها الأكبر أقلعت عن هذا مع تلك الحادثة ولم تكررها مع الفتيات الأصغر والأكثر حظًا.
ختان الإناث أو "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية" وهو المصطلح المعتمد من قبل مُنظمة الصحة العالمية وتُعرفه بأنه "أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي لذلك" وهو عادة منتشرة فيما يعرف بالحزام الأفريقى، ولا تنتشر فى العالم الإسلامى إلا فى بضعة بلاد، كمصر والسودان. وقد كشف مسح لوزارة الصحة المصرية عام 2014، أن 61% من الرجال في مصر يوافقون على استمرار الختان، وأن 82% من العمليات تتم بمعرفة أطباء وممرضين.
"أول ما شُفت الموس بدأت أصرخ، سابت عمتي رجلي وضربتني بالقلم على وشي، ومسكتني تاني بنفس الطريقة المهينة، وقطع الراجل حتة من جسمي، الغريب أنه طلع تمرجي من المستشفى العام مش حلاق... مر على الواقعة دي 28 سنة بس مقدرتش انسى كرهي للحظة دي بكل اللي شاركوا فيها"
الجدال لم يتوقف للحظة على مدار سنوات، لكنه طفى إلى السطح مرة أخرى مع إقرار مجلس النواب تغليظ عقوبة ختان الإناث بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، وتحويله من جنحة إلى جناية. وهو ما حدث قبلًا في 2007 بعد وفاة الطفلة بدور شاكر بأحد العيادات الخاصة بالمنيا – لذكرى بدور أصبح اليوم الوطني لمناهضة الختان 14 يونيو- أضيفت المادة (242 مكرر) إلى قانون العقوبات، لتجرم ختان الأناث ومعاقبة من يجريه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه. لكن القضايا لم تذهب إلى المحكمة سوى في حالات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
فتغليظ العقوبة وحده غير مُجدي، فالأمر لا يقتصر على الشرائح المجتمعية الأكثر فقرًا أو الأقل حظًا في التعليم لأن مرض البحث وراء عفة الفتيات متفشي في مختلف الطبقات، والتغيير في هذا الأمر يتطلب جهد مضني لدحض الثقافة الموروثة على كل المستويات بما يطال مجلس النواب ذاته الذي صرّح بعض نوابه ضد القانون كالنائب إلهامي عجينة، عضو مجلس النواب عن محافظة الدقهلية، الذي أيد ختان الإناث بشدّة، ليس هذا فقط بل الختان "الجائر" أيضًا لأن الرجال يعانون من الضعف الجنسي والمصريون من الأكثر استهلاكًا للمنشطات "إذا بطلنا نعمل ختان هنحتاج رجالة أقوياء، ونحن لا نمتلك رجالاً من هذا النوع".
فيما أبدى ممثلو حزب النور ـ 12 نائبًا ـ اعتراضهم على تجريم الختان إلا في 7 حالات "فيها مشاكل والحزب مع تجريمها" كما قال ممثله، مستدركًا "لكن هناك نوعا آخر أوصى به الرسول وعلماء الإسلام، وذلك به فوائد للمرأة" ولم يذكر تلك الفوائد حرجًا.
وقد ردت النائبة آمنة نصير، أستاذ العقيد والفلسفة بجامعة الأزهر، بوصف الختان بالعادة القبيحة التي لا دخل للإسلام بها وأن استمرار نقاشها يعد جهلًا وجهالة.
"تخيلي تبقي بتلعبي وأمك تنادي عليكي وتدخلك أوضة فيها ست شكلها وحش ماسكة موس وبين رجلها طشت نحاس مقلوب، قلعتني وطاهرتني... تخيلي أنهم بيلفوا حوالين أيدك فتلة لازم تفضل أسبوع علامة على الطهارة وكل اللي يقابلك يباركلك، وجوز خالتك يحطلك عشرين جنيه في أيدك حلاوة الطهارة.. دي فضيحة مش طهارة"
أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا جاء فيه أن ختان الإناث يرجع إلى العادات والتقاليد الموروثة وليس الدين وأن مخاطره الجسمانية والنفسية يستوجب معها تحريمه وأن ذلك هو القول الصواب الذى يتفق مع مقاصد الشرع ومصالح الخلق.
وأوضحت فتوى دار الإفتاء أن حديث أم عطية الخاص بختان الإناث "ضعيف جدًا" ولم يرد به سند صحيح فى السنة النبوية، وأشارت الدار أنها تفاعلت مبكرًا مع البحوث العلمية الطبية الصادرة عن المؤسسات الطبية المبكرة والمنظمات الصحية العالمية المحايدة التى أثبتت الأضرار البالغة السلبية لختان الإناث فأصدرت عام 2006 بيانًا يؤكد أن الختان من قبيل العادات لا الشعائر وأن المطلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القول بالتحريم.
كذلك أعلنت جميع الكنائس المصرية موقفًا رافضًا للختان من المنظور المسيحي الذي يدعو إلى تكريم جسد المرأة وعدم إهانته فقد كتب الأنبا موسى قائلًا:
"ختان الإناث في المسيحية عادة ضارة، ليس لها سند ديني على الإطلاق، إذ لا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، تنصح أو تأمر بهذه الممارسة. كان ختان الذكور فريضة دينية فى اليهودية، وتم إلغاؤها دينيًا فى المسيحية، ولكنها بقيت كممارسة صحية فقط. أما ختان الإناث فلم يرد به شيئًا. ولاشك أنها مأساة عظيمة تتكرر كل يوم".
"ستي مسكتني من ضهري وأمي فتحت رجليا وجت الداية تقطع، اتحركت من الرعب فقطعت من الفخد والدم غرق الحصيرة، أمي صووت وجريوا بيا ع الدكتور اللي زعقلهم وطاهرني هو... أنا مش هطاهر بنتي أبدًا لا عند دكتور ولا داية ولا أنتوا كمان تعرضوا بناتكم للخطر".
طبيًا لا يوجد على الإطلاق أى احتياج لتلك العملية، والدعوة للقيام بفحص الفتاة بواسطة طبيب لمعرفة ما إذا كانت تحتاج إلى الختان أم لا خاطئة، وإذا كان بعض الناس يقولون بوجود بعض الأمراض التى تؤدى إلى كبر الأعضاء التناسلية، فذلك يتعلق بأمراض نادرة الحدوث لها أعراض أخرى تظهر فى سن الطفولة وتشخص مبكرًا، ويتم العلاج عن طريق الأدوية والتدخل الطبي.
فيما رصدت حملة نظمتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف مصر" بعض من الأقوال الشعبية المغلوطة حول الأمر ودفعها
- ما أنا لو سبتها كده هطلع عنيها زايغة
- --ختان البنات ليس له علاقة بتقليل الشهوة الجنسية أو الحماية من الإنحراف الأخلاقي، لأن السلوك الجنسي يتحكم فيه المخ وليس الأعضاء التناسلية، ولا يحافظ على البنات سوى التربية السليمة.
- ده علشان خلفتها تبقى سهلة
- --من ضمن المشاكل الطبية الشهيرة لختان البنات حدوث التهابات والتصاقات بالمنطقة التناسلية يمكن أن تصعب عملية الولادة.
- ولما بناتنا تتجوز أجوازهم يقولوا علينا إيه؟
- --البرود الجنسي أثناء العلاقة الزوجية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بختان الإناث حيث يتم تشويه الجزء المسئول عن الاستمتاع الحسي أثناء العلاقة.
ولو كان الختان يتعلق بالعفة وحماية البنات من الوقوع في أخطاء تتعلق بالجنس، فبنفس المنطق يمكن أن تُقطع أيديهن للحماية من ارتكاب السرقة.
تدوين على تويتر بعض الشهادات والرسوم من حملة #أنا_مانسيتش التي أطلقتها مؤسسة تدوين
تشوية
الكاتب
ندى بديوي
الأربعاء ٢١ سبتمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا