”سمرا بس حلوة”.. عنصرية المصريين على أنفسهم
الأكثر مشاهدة
سمر حسن – ندى بديوي
هدير، فتاة مصرية، تستيقظ بصعوبة صباحًا، أحيانًا يتسع وقتها لفطور منزلي، تعودت أن تلتقط من برطمان السكر ملعقتين فقط حفاظًا على الوزن، تضع نفسها في ملابس مريحة لتناسب عملها الصحفي الذي يحتاج الكثير من الحركة وتقضي بضع دقائق إضافية أمام المرآة لتضع لمسة نهائية من الـ"آيلاينر" (محدد العيون) ثم تخرج إلى الشارع لتواجه متناقضات المصريين التي لا تنتهي، فيقابلها هذا بتمتمات مستعيذة ويعلق آخر بـ "إيه الليل اللي هجم ده" والكثير من تلك الكلمات الجانبية المتناقضة مع من يتباهون بأنهم "حتى لوني قمحي لون خيرك يا مصر" ويضم تراثهم أغنيات وأغنيات عن جمال اللون السائد جينيًا في البلد الإفريقي لدرجة أن تغني صباح من كلمات عبد العزيز سلام "غنوا كتير للسمر والبيض فاتوهم ليه"، كثرة ما تلاقيه المصورة التي تقضي جل وقتها في الشارع جعلها تقول أنها "شايلة ومعبية"، ثم تتساءل لماذا يجب أن يقترن مديحها بكلمة "بس" وكأن جمالها الأسمر يشذ عن المعادلة الأساسية بأن الجمال يساوي شخص أبيض. وتعلق منزعجة: "من كتر ما بيمارس علينا عنصرية، بقينا احنا نفسنا عنصريين تجاه نفسنا وتجاه الناس". هدير وكثير من مثيلاتها أصبحن يتعاملن مع أنفسهن وكأنهن شواذ القاعدة بالفعل، وتصل بهن الدرجة أحيانًا لأن تكون لديهن كلمات المديح والذم متساوية.
التمييز العنصري في مصر
آلاء تقاوم العنصرية بالسخرية
"سمرا بس حلوة أنا مكنتش متعودة اسمعها لأني خارجة من مجتمع كله نفس اللون"، بلغة ساخرة تحدث آلاء زين خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عن عدم اكتراثها بالتعليق على لون بشرتها، وعادت بذاكراتها إلى مرحلة التعليم الابتدائي موضحة أنها لم تسمع أي تعليقات لأن مجتمعها كله يحمل نفس لون البشرة، ولكن بدأت سيل التعليقات ينهال عليها عندما انتقلت إلى مدرسة متنوعة، فترددت على مسمعها جمل من قبيل (أنتي سمرا بس حلوة - أنتي سمرا بس شعرك ناعم -شيكولاتة شيكولاتة)، موضحة أن تلك الأخيرة كانت أكثر ما يضايقها.).
وفيما يتعلق برد فعلها، بينت أنها متصالحة مع لون بشرتها الذي تفضله كثيرًا، واصفة تلك التعليقات بالمتخلفة، بينما وضحت أن شقيقتها تتخذ رد فعل منافي فتتشاجر مع أصحاب تلك التعليقات ويصل بها الحال إلى البكاء حتى الانهيار، كما يلجأ العديد من صاحباتها ذوات نفس لون البشرة إلى الكريمات باهظة التكاليف حتى يصلن إلى لون البشرة التي ترضي المجتمع "بيدفعوا فلوس كتير عشان يفتحوا بشرتهم ويهربوا من الكلام السخيف".
لم تتخلص الفتاة العشرينية التي تعود جذورها إلى النوبة من التعليقات في كل مكان فخلال حديث احكي معها دخل عليها شاب عشريني ونظر لها نظرة ثاقبة وهي جالسة على إحدى المقاهي وقال لها "سبحان الله أنتي سمرا بس حلوة"، بكلمات يغلب عليها المرح اختتمت آلاء التي أجرت مشروع تخرجها عن أهل النوبة "مبقاش يفرق معايا أنا بسمع الكلام دا من وأنا صغيرة بس فيه ناس تانية بتنهار من كتر العنصرية اللي بتشوفها".
"صوابعك مش زيّ بعضها"..ضد التصنيف والقولبة
من نفس المنطلق وبسبب المعتقدات الثقافية الراسخة، أصبحت كلمة "أسود" تعني دائمًا صفة سيئة وليس وصفًا عاديًا فكانت التعليقات على حملة "صوابعك مش زيّ بعضها"، والتي انتشرت على موقع فيسبوك ضد التصنيف والقولبة، يدور معظمها حول سباب لفتاة ظهرت فيها تحمل لوحة مكتوب عليها "أنا من أسوان ومش سودا" فاعتبر البعض أن ذلك من منطلق عنصري، من بينهم ما كتبته فتاة أسوانية اتخذت موقفًا دفاعيًا على ذكر كلمة "سودا" على الفور وقالت:"ده بوست عنصري وقليل الذوق، وعلى فكرة أنا واحدة من أسوان وسمرا آه سوري سودا وأفتخر أيا كان المسمى، كفاية إنكم مالقتوش في أسوان عيب غير ده، وطبعًا ده من وجهة نظركم المحدودة والضيقة".
"عنصرية اللون" في "سوق الزواج"
عندما يتم وضع جملة "سمرا بس حلوة" في محرك البحث جوجل، تؤكد النتائج البحثية على تأصل عنصرية اللون، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن كلمتي (الزواج- لون البشرة)، فقترنت النتائج بـ " أنا سمرا وكل اللي حواليا لا يريدوني "لعيالهم- كيف أتقبلها طلعت سمراء- يعايروني بشكلي - ما ذنبي في لوني - وهل أنا جميلة؟".
"كان متقدملي عريس صالونات بتكلم وبقول إني عندي ثلاث بنات الكبيرة دكتورة صيدلانية والتانية دكتورة علاج طبيعي وأنا آخر العنقود إعلامية ولسه بتكلم راح العريس قال لها ممكن أشوف صورة الصيدلانية، ماما استسلمت لأمر وطلعت صور أخواتي الاتنين فلاقيته أول ما شاف الصور قالي إيه ده إنتي أغمق واحدة في إخواتك إزاي كده"، بابتسامة سخرية بدأت "رنا السيد" باحثة الماجستير تسرد مواقفها المتعددة مع لون بشرتها الأغمق من شقيقاتها صاحبات البشرة البيضاء والعيون الملونة، وخاصة فيما يتعلق الأمر بالزواج.
ومن أكتر الأسئلة التي كانت تتعرض إليها صاحبة الـ28 "إنتي طالعة سودا كدا لمين؟", حتى وصل الحال بـ"رنا" بالتمرد على لونها وجعلها تسأل والدتها " ماما ليه أنا مش بيضا زي اخواتي؟"، ولكن عندما مر الزمن بها قالت أنها صارت واثقة بنفسها ولونها لافتة إلى أن الشعب المصري رغم أن معظمه من ذوات البشرة الخمرية إلا أنه مصاب بقصور لتصنيف مفهوم الجمال.
موسم البحث عن العروسة.."أنا عايز عروسة بيضا"
نموذج "طنط حشرية" موجود فى كل مكان نذهب إليه وخاصة فى حياة الفتيات قبل الزواج، ولا يخلو الأمر من التفحص اللوني ويصل الحال ببعضهن بأن تتأكد "هو دا لونك ولا بتاع من اللي بتحطوه على وشكم"، لكي تلبي حلم "الشاطر حسن" في الوصول إلى " ست الحسن والجمال" ويكون هذا الجمال مشروط بالبشرة البيضاء.
وعندما بدأ مهندس البترول "تامر على-37" رحلة البحث عن "العروسة"، كان شرطه الأساسي أن تكون العروسة من ذوات البشرة البيضاء، مبررًا ذلك بأن الفتاة السمراء تعصبه، وفي نهاية رحلة البحث استقر على زوجته "رحاب" ناصعة البياض، وقال في معللقًا أنه لو لم يجد "رحاب البيضاء" على حد وصفه لاستمر بالبحث عن "الفتاة البيضاء".
"أخويا الكبير متجوز واحدة بيضا، وأخويا التاني متجوز واحدة بيضا، هتيجي عليا أنا وبختي يكون في السمرا"، رد مهندس الميكانيكا "على زين العابدين-29"، بأن معياره في اختيار العروسة لا يكون مقدار تعليمها ولا ذكاؤها ولا قوة شخصيتها ولكنه يريدها "بيضاء".
كل العرسان عايزين عروسة بيضا علي أساس أن السمرا دي مش خلقة ربنا؟"، كتبت هذه الكلمات صاحبة إحدى "جروبات الزواج" على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، لتحارب العنصرية بمثيلتها وتضع "البنات السمرا" في موقع دفاعي وكأنهن موصومات بسمارهن الذي يجب عليهن أن يخفينه ".
وينعكس هذا بشكل أو بآخر على بعض الفتيات ويضعهن بين مطرقة التصالح مع الذات وسندان الواقع العنصري، ففي هذا الصدد قالت "هدير" أن المجتمع يرى أن الفتاة صاحبة البشرة السمراء لا يجوز لها أن تتزوج إلا من شخص يماثلها في اللون، والحموات يفضلن "العروسة البيضاء"، وهذه النظرة المجتمعية الفقيرة شكلت داخل "هدير" فتاة الصعيد وشقيقاتها إنهن لابد أن يتزوجوا شخص "أسمر" يشبههم ولا يصلحن للارتباط برجل أبيض.
من الذي وضع القاعدة وجعل الآخرين شواذها
علميًا: العنصر هو مجموعة من الأفراد لهم أصل عام قابل للوراثة، وينفي العلماء وجود عناصر بشرية نقية الدم تمامًا وذلك لأن الأجناس البشرية خضعت عبر مراحل تاريخها إلى عوامل الهجرة والاختلاط والزواج من بعضها، وهذا يبين كذب تلك الإدعاءات التي جعلت العالم يفقد ملايين البشر في حروب عالمية، كذلك التبريرات الاستعمارية الأوروبية التي اتخذها الساسة كسبيل لاستغلال الشعوب حيث حاول بعضهم إعطاء تفسيرات دينية وعلمية لاختلاف الشعوب فقالوا أن الجنس الأبيض هو الأعلى وأن الجنس الأسود ما هو إلى حلقة وصل بين القردة العليا والإنسان في سلم التطور.
ليستشري السرطان العنصري في العقل الإنساني على مر الأجيال ويصبح وصمة يسعى الإنسان للتخلص منها وجزءًا من بلاد تحاول التنصل من لونها وكأنه سبة.
ما يمكن أن نصفه بأنه "تنصل لوني" يظهر جليًا في حجم مبيعات منتجات تفتيح البشرة، الذي بات أمرًا شائعًا وجزءًا من حياة المجتمعات في الدول السمراء. فبحسب الكاتب ليستر ديفيس، في أواخر الستينيات من القرن الماضي، ورد أن حوالي 60 % من نساء القارة الأفريقية تستخدمن خلطات تبييض البشرة. مما جعلها تحتل المركز الرابع في المنازل بعد المواد التموينية من صابون وشاي وحليب معلب.
ووسط إعلانات تجارية تربط بين البياض والجمال وتضع ابتسامة مشرقة على وجه من تطبق "كريم" التفتيح على بشرتها، يكون تفتيح الدرجة اللونية حلم للفتيات ومقياس لجمالهن لدى الجنس الآخر.
طبيًا تستخدم مستحضرات التفتيح تلك للحالات المرضية مثل البقع أو الكلف الذي يصيب النساء بعد الحمل.
ووفقًا للتحليل الإحصائي لجوجل فإن البحث عن كلمة "تفتيح البشرة" في المنطقة، احتلت مصر المرتبة الأولى ومن بعدها السودان، فالأردن. أما في القطر المصري فاحتلت محافظات الصعيد المراتب الأولى في البحث عن الكلمة.
"بني 33" يوثق العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء
أصبح من المعيب تقييم الإنسان على أساس لونه أو عرقه ودينه على حد سواء، ومواجهة بعض العنصريين من أصحاب البشرة البيضاء الذين يرون أنفسهم أعلى قيمة ومنزلة من أصحاب البشرة السمراء لمجرد اختلاف اللون بينهم"، هذا كان هدف القائمين على الفيلم التسجيلي القصير "بني 33"، في إطار مشروع تخرج عدد من طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
وركز الفيلم على قضية التمييز العنصري ضد أصحاب البشرة السمراء في مصر، من أجل تمكين قيم العدالة والمساواة من خلال التأكيد على أن كل أفراد المجتمع يتمتعون بذات الفرص دون النظر للون بشرتهم.
"وفاء البدري" صاحبة البشرة السمراء ضمن "أطلس جميلات العالم"
"وجهك لا يصلح للظهور على الشاشات" هكذا قيل لها عندما أقيلت من إحدى الجهات الإعلامية بمصر، وفاء البدري صحفية مصرية تعيش بألمانيا أدرجت صورتها ضمن "أطلس جميلات العالم".
وشرحت خلال حوارها مع برنامج "عنها في نصف ساعة " على راديو "بي بي سي"، كيف تعرضت لما وصفته بانتقادات واضطهاد في بعض الأحيان في عملها كمراسلة تليفزيونية خلال فترة وجودها بالقاهرة بسبب "شكلها"، و كيف أختيرت في برلين بسبب ملامحها الفرعونية لتكون واحدة ضمن مشروع يجمع وجوه نساء من جميع أنحاء العالم.
وعلى أساس معيار البساطة في الجمال دون تدخل جراحات التجميل اختارتهن المصورة الصحفية الرومانية "ميخايلا نوروك" صاحبة مشروع أطلس جميلات العالم.
الكاتب
احكي
الخميس ٢٧ أكتوبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا