خطاب ترامب ووهم الحريات الأمريكية.. هل يخلعن المسلمات الحجاب؟
الأكثر مشاهدة
سمر حسن - هدير حسن
"فلنخرج جميع المسلمين من البلاد ولنبني حاجزاً بيننا وبينهم.. تحجيم عدد الجاليات المسلمة لدى أمريكا.. وقف كامل وكلي لدخول المسلمين للولايات المتحدة.. التخلص من جميع المحجبات العاملات في إدارة أمن النقل الأمريكية في المطارات واستبدالهن بجنود أمريكيين متقاعدين"، من يقرأ هذه الكلمات، يصنف ناطقها بأنه متطرف أو عنصري، ولا يجول بخاطره أنها أحد تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، التي أثارت في حينها القلق والغضب، وجعلت كثيرين على يقين بأن رجل بمثل هذه العقلية لا يمكن أن يقود الولايات المتحدة، ويمثل صورتها أمام العالم أجمع، ولكن جاء اختياره صدمة لهم، وإشارة إلى ضرورة إعادة الحسابات.
قلق مسلمي أمريكا بعد وصول "ترامب" للبيت الأبيض
يعيش أكثر من 3 ملايين مسلم في أمريكا، وفق استطلاع رأي أجراه "مركز بيو البحثي الأمريكي" عام 2015، يواجهون خطر تحقق تصريحات ترامب بشكل فعلي، فأضحى وجودهم في أمريكا، وطريقة تكيفهم مع العالم الذي ينتمون إليه يتعرض للتهديد، كما يشعر ذووهم خارج الولايات المتحدة بالقلق من عدم قدرتهم على الالتقاء بهم مستقبلا.
ووصلت تخوفات المسلمات إلى أوجها عقب طرد السيدة المسلمة روز حميد، البالغة من العمر 56 عاما، من مؤتمر انتخابى للرئيس الجمهورى المحتمل، حينها، دونالد ترامب في يناير 2016 من قبل الشرطة بعدما وقفت فى احتجاج صامت أثناء إلقاء ترامب خطابه.
قلق المسلمين بشكل عام في الولايات المتحدة، يتبعه قلق المسلمات بشكل خاص، لأن الحجاب يميزهن بطريقة واضحة لباقي فئات المجتمع، ويجعل من السهل التعرف عليهن من خلاله، لذلك تواصلت "احكي" مع عدد من المسلمات المصريات اللاتي يدرسن ويقمن في ولايات أمريكية مختلفة، لتتعرف أكثر على إمكانية تحقق هذه التهديدات على أرض الواقع، وهل يمكن أن يتم إضطهادهن بسبب زيهن وديانتهن في بلد التنوع والاختلاف وتقبل الآخر؟
الأوضاع الاقتصادية وراء فوز "ترامب"
زينب (اسم مستعار) 29 عاما، وتدرس في ولاية "ديلاوير"، مسلمة محجبة، تعتقد أن فوز ترامب ناتج عن ضيق الشعب الأمريكي بالسياسة، التي تعمد ترامب في خطابه أن يظهرها وكأنها سبب المشكلات، إلى جانب عدم تحسن الأحوال الاقتصادية حتى بعد فترة أوباما، وشبهت الأمر بالانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012، حين قرر كثيرون أن يختاروا "مرسي" بدلا من "شفيق" لأنه يمثل النظام القديم، فكان اختيار ترامب كونه من خارج اللعبة السياسية، خاصة، وأن هيلاري كلينتون متورطة في قضايا فساد وتمثل النظام القديم بالنسبة لهم.
"ترامب بيتكلم زي الناس هنا، خاصة في الأرياف، بطريقة عشوائية وغير منمقة وعنصرية كمان"، فالشعب الأمريكي يريد رئيسا ليحسن أوضاعه الاقتصادية "هما عاوزين يأكلوا عيش، واختاروا ترامب عشان الاقتصاد والبيزنس، مش مهم هو عنصري ولا بتاع ستات المهم يعيشوا أحسن"، واتفقت معها "نهى محمد"، التي تعمل بولاية "ويسكونسن"، موضحة أن فوز ترامب كانت مبرراته اقتصادية معبرة عن ضيق فئات العمال والفلاحين من تدهور أحوالهم المادية.
تصريحات ترامب ضد المسلمات" بروباجندا" أم حقيقة؟
وحول المضايقات التي طالتهن أثناء فترة الانتخابات وما تلاها من فوز ترامب في النهاية، عبرت المسلمات المحجبات اللاتي تواصلت معهن "احكي" عن نوع المضايقات اللاتي تعرضن لها. تقول زينب، التي تدرس في ولاية "ديلاوير" منذ ما يقارب العام، إنها لا تخشى أن ينفذ ترامب تهديداته الخاصة بالمسلمين، موضحة "كلامه قبل الرئاسة بروباجندا، ومش هيقدر يمنع المسلمين أنهم يدخلوا أمريكا"، ولكن أشارت إلى أن إجراءات الرقابة على دخول الولايات المتحدة ستكون أشد "ده طبيعي، والإجراءات عامة من بعد ظهور داعش بتزداد صعوبة في كل مرة".
واتفقت معها ولاء عطوة، 30 عاما، المقيمة بحي بروكلين في مدينة "نيويورك" منذ 2012 مع زوجها، الذي استقر في أمريكا منذ أكثر من 15 عاماً بسبب عمله ، فلفتت إلا أن ترامب لا يستطيع أن يؤذي أحد ولكنه سوف يعقد إجراءات الهجرة إلى أمريكا بشكل كبير.
أرسلت إدارة الجامعة، التي تدرس بها زينب، بريداً إليكترونياً إلى كل الطلاب الأجانب صبيحة فوز دونالد ترامب، لتؤكد لهم أن الجامعة إدارة مستقلة وأن تصريحاته ضد أي منهم لن تنالهم في شئ، ولن تؤثر على تعامل إدارة الجامعة معهم. "العنصرية غير مقبولة في المجتمع"، وأضافت زينب، في حوارها عبر الإنترنت لـ "احكي"، أن أصدقاءها يحترمونها، ويرفضون فوز ترامب "كثير كلموني بعد فوزه وأكدوا على احترامهم ومحبتهم ليا"، وأوضحت أنها لم تتعرض لأي مضايقات.
خطاب "ترامب" موحد الأقليات
"وجود ترامب في الرئاسة يجعل العنصريين لديهم جرأة في التعبير عنها " وقد يكون هذا ما تخشاه زينب، موضحة أن عنصرية بعض الأمريكيين، خاصة غير المتعلمين، تجاه أصحاب البشرة السوداء متأصلة بهم، وبدأت تزداد معها العنصرية تجاه الصينيين والمكسيكيين والمسلمين وغيرهم، ولكن كانوا يخفون هذه العنصرية ولا يستطيعون التعبير عنها، ولكن بعد فوز ترامب بدأ الأطفال في بعض المدارس، حسبما تقول زينب، أن يضايقوا زملاءهم من المكسيك ويهتفون "يلا هيبني السد".
ولكنها ترى أن انتخابه سيعمل على اتحاد أصحاب الديانات والأعراق والجنسيات التي اضطهدها في تصريحاته، وتقول "هنا في قانون، وألف طريقة للشكوى، والمسلمين لازم ميسكتوش على حقهم"، مشيرة إلى ضرورة لجوء أي شخص يتعرض للاضطهاد أو المضايقات للقانون ويرفض أن تُنتهك حقوقه.
في ولاية ويسكونسن، حيث تعمل "نهى محمد" في الجامعة منذ أغسطس الماضي، لم يختلف الوضع كثيرا، فهي فتاة مسلمة غير محجبة، ولم تتعرض لأي مضايقات، ولكنها أوضحت "أول ما وصلت هنا لاحظت الفجوة بين المعاملة في مصر وهنا، الناس هنا بتتعامل برقي واحترام وبساطة بغض النظر عن شكلنا سواء حجاب أو دقن" مؤكدة أن الشعب الأمريكي غير عنصري، ولكن هناك مضايقات جعلتهم يشعرون بالقلق.
وقالت لـ "احكي" إن هناك مضايقات تعرض لها مسلمون وزملاء لها في مدن أخرى "اتهددوا إذا مقلعوش الحجاب إنهم يسيبوا بيوتهم، وفي أمهات قالوا لأولادهم يقلعوه"، وترى نهى أن تواجد ترامب في الرئاسة قد يؤثر على التعددية التي تميزت بها الولايات المتحدة على المدى البعيد "اللي مكنش مهتم يبص على حد وهو ماشي، هيبص وبعدين الفكرة ممكن تنتقل لفعل"، معتقدة أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على صورة المسلمين والعرب في الولايات المتحدة، ويزيد جهل الشعب الأمريكي بهم "الأغلبية هنا فاكرينا بنلبس زي الأفغان ومجتمعنا عامل زي السعودية".
ترى "نهى" أن مسألة مساندة القانون لها وحمايته وغيرها من أي اضطهاد "مسألة نسبية وبتعتمد على الأشخاص والمكان والأحداث"، ولكنها أكدت على ضرورة أن التعامل بحذر وحرص.
ولم يختلف وضع ن.خ المقيمة بولاية أورجن منذ 3 سنوات، فهي لم تواجه أي نوع من المضايقات "أنا بنزل كل يوم ومشفتش حاجة وحشة من حد، لأن أورجن مفيهاش عنصرية"، وترى أن الولاية متسامحة مع الاختلافات كافة، حتى أن الكنيسة أباحت زواج مثليي الجنس، ولكنها سمعت من شقيقتها قيام أحد العنصريين بتتبع صديقتها في ولاية ميشجان وطلبوا منها أن تخلع حجابها وإلا قاموا بحرقها.
خلع الحجاب.. الملاذ الآمن
" مفيش أي حاجة في حياتي اتغيرت، ولكن في ناس زمايلي قلعوا الحجاب عشان خايفيين" كشفت ولاء، خلال حوارها مع موقع "احكي" عبر "سكايب"، أن هناك العديد من زميلاتها خلعن الحجاب عقب تصريحات "ترامب" عن المسلمين والحجاب، خوفاً على حياتهن باعتبار أن "الحجاب" يميزهن بأنهن مسلمات.
كما عبرت آلاء بساتنة، الكاتبة الأمريكية السورية المسلمة، في مداخلة مع شبكة "سي إن إن" عن خوفها من ارتداء الحجاب بعد وصول "ترامب" لسدة الحكم، فقالت "بالنسبة لي شخصيا، أعتقد أنه يحتاج للاعتذار على ما كان يقوله، ويؤكد للمجتمع الإسلامي أننا سنكون في أمان لأنني لا أعلم متى يمكنني السير في الشوارع مرتدية حجابي مرة أخرى".
وأضافت بستانة، "لقد ارتديت حجابي على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية، وكان ذلك اختياري منذ البداية ومنذ اليوم الأول، ويمكنني أن أؤكد لكم أنني سأخرج من الاستوديو اليوم وأخلع حجابي، وسأرتدي قبعة بدلا من ذلك" معبرة عن فقدانها للآمان ولا تستطيع السير في الشوارع بالحجاب.
"بلقر" تواجه "ترامب"
دفعت تصريحات ترامب، العديد من المسلمات إلى الرد على العنصرية والتطرف ضد الإسلام والمحجبات، فشنت فتاة مسلمة عربية تدعى "مروة بلقر" القاطنة بمدينة "لوس أنجلوس" - أكبر مدن ولاية كاليفورنيا-،هجومًا حادًا على المرشح الجمهوري، أوضحت فيه معنى الدين الإسلامي ودعوته، بمنشور لها على صفحتها بموقع "فيس بوك".
وكتبت "بلقر": "عزيزي دونالد ترامب، اسمي مروة، مسلمة، سمعت بأنك ترغب منا أن نرتدي شارات هوية، لإظهار أننا مسلمين، ولهذا قررت أن أتخير لنفسي واحدة، إذ لا يمكن التعرف علي بسهولة كمسلمة بمجرد النظر إلي، ولهذا تركت لك الشارة التي ارتديها لتعلمك من أنا بفخر، الشارة التي تخيرتها هي شارة السلام، لأنها أنسب ما يمكن أن يشير إلى ديني، وتعاليمه".
وكانت الفتاة الوحيدة التي تفاعل معها مؤسس فيس بوك "مارك زوكربيرج" بعلامة إعجاب على منشورها، الذي حصد ما يزيد عن 743 ألف علامة إعجاب وما يزيد عن 178 ألف مشاركة.
" أنا لو معايا الجنسية وليا حق التصويت، طبعا كنت هختار هيلاري، عمري ما هختار المجنون دا"، هكذا اختتمت "ولاء" بهذه الكلمات مداخلاتها مع "احكي".
كما أعلن مجلس العلاقات الأميركية- الإسلامية، أكبر مجموعة تعني بحقوق المسلمين في الولايات المتحدة، أنه أصيب بصدمة شديدة بعد تصريحات ترامب، ووصفها المدير التنفيذي للمجلس نهاد عوض بإنها تصريحات متهورة ولا تتناسب مع خطاب الأمريكيين.
الكاتب
احكي
الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا