بيوت على أكتاف النساء..”ست بميت ست”
الأكثر مشاهدة
سمر حسن – هدير حسن- ندى بديوي
يعيشون معنا وحولنا، لكنهن مهدورات الحقوق، ينكر عليهن المجتمع قرارهن بالاختيار، ويريد أن يفرض رؤيته للصواب والخطأ، فلا "مرأة" تعيش مع أولادها وحدها، لا بدّ من وجود الرجل، ففي حين ينظر كثيرون إلى "الأم" التي تفقد زوجها أوتقرر الانفصال عنه، لتربي أبناءها بمفردها بنظرة يملؤها الشك والريبة، استطاعت أمهات كثيرات أن يمضين في مشوارهن غير عابئات.
مَنْ منا لا توجد أم وحيدة في عائلته أو محيطه الاجتماعي، هن كثيرات لكن جهودهن غير ملحوظة، فدائما ما يفضلن الابتعاد عن "كلام الناس" وشكوكهن التي لا ترحم، لذلك تلك حكايات أمهات وحيدات، يُطلق عليهن البعض Single Mothers تبوح بها سيدات لم يتركهن المجتمع لحالهن، ولم يرأف بهن.
كيف يواصل الأرامل حياتهم بنجاح؟
"الناس مش بتحترم الست إللي قاعدة لوحدها، وبتعتبر أنها مشكوك في أمرها" تلك القناعة التي توصلت إليها فاطمة علي، 50 عاما، بعد أن قضت 20 عاما عاكفة على تربية أولادها وحدها بعد وفاة الزوج.
توفي زوج "فاطمة" وهي ما زالت في سنوات الشباب والعمر طويل أمامها، فكان يمكنها أن تبدأ حياة جديدة مع رجل آخر، ولكنها فضلت الابتعاد والنأي بنفسها عن الجميع، وتقضي سنواتها في تربية ابنها وابنتها، الذين لم تتخط أعمارهم العامين، وقت رحيل الأب، "مكنتش عاوزة أرتبط بحد تاني، لأني عارفه أنه مش هلاقي حد زيه"، ولكن هذا لم يسر على هوى المجتمع.
تقول "فاطمة" إن المجتمع لا يقتنع أن تفضّل المرأة تربية الأولاد على الزواج، فكانت تسكن مع والد زوجها المتوفي، وبدأ الجيران يتدخلون في حياتها ويلقون على مسامعها حديث من نوعية "يا عيني ليه ماتجوزتيش أنتي صغيرة.. هما أهل جوزك محاصرينك ومانعينك من الجواز.. ما تسيبلهم العيال وتمشي"، وترى فاطمة أن المجتمع يعتبر المطلقة أو الأرملة "محتاجة راجل"، ويبدأ الرجال في التعامل معها بسهولة، وأحيانا قلة احترام.
تعرضت المرأة الخمسينية وأطفالها لمواقف عديدة اضطرتها في البداية إلى الرحيل وترك الشقة التي تقطنها من زوجها، فأحد الجيران عندما واجتهه وصدت محاولاته للتحرش اللفظي بها، قام بالتهجم على شقتها، كما قامت إحدى الجارات بتسليط أبنائها الكبار على طفلها الصغير، وتعمد إيذائه ودوما ما كانت تقول لها "أنتي فاكرة نفسك الشريفة العفيفة".
ما حدث معها جعلها لا ترغب في التعامل مع الناس، وتفضل الابتعاد عنهم وعدم الاختلاط بهم "مش عاوزة أتعامل مع حد"، حتى الأصدقاء والأقارب قررت ألا تتردد عليهم، خوفا من تعليقاتهم، والأفكار التي قد تراودهم، فالزوجات قد يعتقدون أنها تسعى لاحتطاف أزواجهن.
تشعر بعد سنوات الرحيل الطويلة أنها سعيدة بما أنتجته، فابنها الأكبر تخرج من كلية الحقوق، وابنتها الصغرى في عامها الدراسي الثاني بالجامعة "لما بينجحوا بحس أنه أنا اللي نجحت"، لكن دوما ما كان يرهقها الإحساس بتحمل المسئولية وحدها، وتتمنى أن يكون الوالد موجودا حتى يخفف عنها "على الأقل مكنتش هحس أني مضغوطة، ومتحملة نتيجة كل حاجة لوحدي"، ففاطمة يؤرقها الشعور بالتقصير، فهي ترى نفسها وكأنها في سباق تسعى للوصول إلى نهايته دون معوقات، ونهاية السباق تعني لها أن يتزوج أبناؤها.
"الطلاق" بداية لحياة جديدة
"بالنسبة لجملة سينجل ماما فهي لفظ بيطلق على أي أم تربي أبنائها بمفردها"، بهذه الكلمات بدأت الفتاة الثلاثنية تحكي تجربتها كامرأة مطلقة في ظل مجتمع يحكمه دائرة من الموروثات الثقافية تقع على كاهل المرأة سواء كانت مطلقة أو أرملة،"كل واحد بكلمة وأولهم الأقربون أللي بيشوفوا دخولك وخروجك ومواعيدك".
وبصوت يظهر عليه علامات الأرهاق، ألقت "ريهام حسن – اسم مستعار" الضوء على حجم المسئولية المتزايد التي تقوم بها "الأم" في غياب "الأب"، فتصبح مسئولة عن المنزل والأبناء، ولابد أن تتحلى بقوة الشخصية "ولادي بيقولولي أنتي بقيتي صارمة أوي ياماما"، موضحة أنها لابد أن تلعب الدور المزدوج الذي فرض عليها منذ طلاقها الذي مر عليه عام.
"الأم السينجل لازم تطلع أنيابها وأظافرها، لأن مجتمعنا الذكوري متربي أن أي أم أو ست مطلقة أو سبق لها الزواج وخالية الآن تبقى سداح مداح"، لفتت المرأة الثلاثنية إلى أن المجتمع ينظر إلى الأم الوحيدة بأن علاقاتها غير مشروطة، ومن الممكن أن تبني علاقات دون أي قيود "أنا كسنجل ماما بفكر ألف مرة قبل ما أسمح لحد بالصداقة وبفكر ألف مرة في ردودي وبفكر ألف مرة في طبيعة الشخص إللي قدامي، من مبدأ العمل بمثل (حرص ولا تخون)".
وبنبرات صوت مصحوبة بثقة بالنفس، لفتت "ريهام" على الأشياء الإيجابية التي اكتسبتها من تجربة طلاقاتها منذ أكثر من عام، ومن أهمها قوة الشخصية ولعب دور الأم والأب في آن واحد "أرجل من أرجل راجل لأني مسئولة عن بيت وأولاد والدهم بيرمي كل أول شهر 800 جنيه"، لافتة إلى تملص زوجها من أي مسئولية متعلقة بابناؤها الاثنين، فيترك لها مبلغ ضئيل، ويهددها باستمرار أنه سيوقف الإنفاق على ابناؤه "عندي ولدين يعني لازم عيني في وسط راسي"، مستكملة حديثها بأنها تمثل الداعي الأساسي لنفسها وأنها قادرة على كل شىء "مش سهل يملا عيني راجل أنا بعمل أدواره كلها من غير كلل ولا ملل".
وفقا للبيانات والإحصائيات الرسمية، مصر الأولى عالميا في نسب الطلاق، وبلغ إجمالي عدد حالات الخلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014 وفقا للتقرير الصادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء ، وأضاف التقرير أن مصر احتلت المرتبة الأولى عالميا، بعد أن ارتفعت نسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين.
"بشتغل وبصرف كل راتبي كنت محوشة مبلغ في البنك بصرف منه وبحاول أوفق إني بمشي على قدى"، بدأت الفتاة الثلاثنية بشرح الطريقة التي تدبر بها أمورهها، وهي الاستغناء التام عن شراء الملابس لنفسها، وعدم اللجوء إلى شراء الأطعمة الجاهزة "لو بشتري ساندوتشات في الشغل فطار بوفر واخد معايا ساندوتشات من البيت".
بلغ عدد السيدات الأرامل 2.5 مليون، أى يفوق عدد الرجال الأرامل "5 مرات" تقريباً، وفقا لما قاله الدكتور محمد عبدالجليل، مستشار رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وخبير التعداد السكانى.
"اللون الأسود" ملاذ آمن
"أتجوزي، مينفعش تعيشي لوحدك، لازم رجل يسندك، ليه معنديش أخوات، ليه معندناش بابا، ليه مبنخرجش لوقت متأخر"، هذه الكلمات حمل ثقيل على الفتاة العشرينية التي تركها حب عمرها بعد عام من الزواج للمجتمع الذي يوصم المرأة الأرملة باتهامات.
"عشت أربع سنين في دمار تام، حياتي كلها سودة" بدأت الخلافات مع أهل زوج الصحفية "س.أ" بعد عام ونصف من الوفاة، ففي إحدى المرات عقب خروجها من المنزل قاموا بتغير "كوالين" الشقة، وكانت هذه الصدمة الأولى بعد وفاة زوجها "عشت سنتين ما بين قضايا ومحاكم، حصلت على أول قرار بالتمكين من مسكن الزوجية بعد 9 شهور نفذته بعدها بأربعة شهور".
لم تستسلم للظروف التي فرضت عليها من قبل الأهل والمجتمع، بعد وفاة زوجها قامت ببيع "شبكتها" واستثمرت ثمنها في مشروع لكي تصرف على ابنتها التي تبلغ من العمر ست سنوات "رفضت أخد مليم من أهل جوزي أو من والدي، صرفت المعاش بعد الوفاة ب8 شهور".
"بنتي جالها شبه اكتئاب، ورحت لإخصائي نفسي، بنتي كانت شايفة الحياة سودة من خلالي أنا" كانت الشرارة الأولى التى حركت الأم نحو تغيير حياتها والبحث عن عمل ابنتها، واتجهت نحو تخصصها، وعملت بالحقل الصحفي في وكالات عربية وخلال أربعة أشهر أصبحت مديرة لفريق عمل كامل "كنت باخد بنتي في المواصلات من المحلة للقاهرة"، وزادت مهام العمل على كاهلها مما جعلها تهمل ابنتها، فتركت العمل، ودخلت في موجة اكتئاب أخرى، وقاموسها لا يعرف الاستسلام، فبدأت رحلة البحث عن عمل آخر، وغيرت اللون الأسود، وتغيرت نظرتها للحزن " لو أنا وبنتي مبسوطين جوزي هيكون مبسوط في قبره".
بعد أربع سنوات رأت ابنتها البحر لأول مرة، وبدأت الحياة تختلف، واتجهت إلى العمل في عدة مواقع صحفية، حتى استقرت في موقع عربي شهير".
لم تقع المرأة الأرملة تحت مقصلة المجتمع فقط بل القانون أيضا يجعلها تدور في دوائر مفرغة " القانون غبي ، لازم الأب هو إللي يقدم للمدرسة"،
"محدش بيصرف عليا جنيه وإللي بيديني حاجه ياخدها، أنا أدرى بظروف بنتي، أنا مريت بأيام بشعة وصل بيا الحال أني فتحت حصالة بنتي، مكنش فيها شلن"، بهذه الكلمات تحدثت المرأة العشرينية عن التسلط والتحكم من قبل الأهل، وكان اللون الأسود هو ملاذها الآمن التي تحتمي به من رجال المجتمع تجنبا للمضايقات، ولكنها لم ترحم من قبل المحيطين بها.
"نفسي بابا يجي ياخدني من المدرسة"، هذه الكلمات كانت بمثابة السكين التي تذبح الأم عندما تسأل ابنتها عن والدها الذي لم تره، وكانت تتجنب تلك المواقف من خلال جلب وسائل الترفيه لها " كنت مصممه أفهمها اني بتعب عشان أجيب لها مصاريفها ولوازمها بالراحة عشان تقدر انشغالي عنها".
وفي نهاية حديثها لـ "احكي" أكدت على أن أي امرأة تلعب دور الاب والأم تحتاج إلى الدخل في المقام الأول والإرادة والقوة في المقام الثاني.
نشوى..تجسيد لمعاناة أكثر من 38% من نساء مصر
"نفسي حد يساعدني أربي ولادي كويس" هكذا تحلم نشوى صاحبة الأعوام الـ 33 والمسئولة عن عائلة من 3 أبناء ، أكبرهم في الصف الأول الإعدادي، وأبيهم الذي لا يترك المنزل اتكالا على ظروفه الصحية.
تعمل صباحا كعاملة "بالأجرة" في أحد المدارس الابتدائية "لو اتثبت في الحكومة الحال هيتعدل هاخد 1200 جنيه بدل ال300 جنيه إللي باخدهم دلوقت"، وبعد انقضاء اليوم الدراسي تذهب للعمل في المنازل "أهو بروح أساعد واحدة أعملها سلم أو أروق بيت وأخد حسنة منها ورزقي على الله".
أكثر ما يضيق على "نشوى" صاحبة التكوين الجسماني الضئيل أنها لا تستطيع قضاء ولو قليل من الوقت مع أبنائها "كل يوم برجع مهدودة ع النوم.. وهي الساقية دي بتتكرر" خصوصا مع حضور شكلي للزوج الذي كلما تعكر مزاجه أو تعاركا مثل كل الأزواج طردها هي والأبناء خارج الشقة التي استدانت من الجيران والمعارف لتجمع مقدمتها "كل شوية يهزقنا ويطردنا ونروح نقعد عند أهلي رغم إن ولاد الحلال جمعولنا ال8 تلاف جنيه بطلوع الروح.. ومكانش ينفع أكتبها باسمي وجوزي عايش علشان دي من إسكان الشباب".
نشوى تجسيد لمعاناة عدد كبير من المصريات اللاتي يستسلم أزواجهن للظروف لتصبح النساء في وجه تيار الحياة وحدها دون سند، حيث تخطت في مصر نسبة المرأة المعيلة إلى 38% ، فزوجها كان يعمل سائق توكتوك لكنه أصيب بفيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) ومن بعد المرض أصبح لا يبرح المنزل ليتم الاعتماد عليها لتوفير احتياجات المنزل "شغلي كله يدوب يقضي الأكل والشرب.. عليا إيجار كتير وهيحجزوا على حاجات في البيت لو مدفعش.. وأنا مش بإيدي حاجة".
الكاتب
احكي
الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا