”روضة الفردوس”..”حزينة للأبد” هوياتهن اختيارية أم إجبارية؟
الأكثر مشاهدة
سمر حسن- هدير حسن -ندى بديوي
وكأنه سر مخابراتي أو أن إفشاءه على الملأ يمثل إهانة لكل ذكور العائلة، هكذا يتعامل المجتمع العربي مع اسم المرأة، فهي لا بدّ أن تنسب إلى أي ذكر، فإذا كانت بنت فإنها ابنة فلان أو أخته، تكبر قليلًا لتصبح "مدام كذا"، تنجب لينسب اسمها لوليدها خصوصًا إن كان ذكرًا، اسمها لدى شريكها "الحكومة"، "أم العيال"، أو "البيت"، وما إن يتقدم بها العمر حتى تصير "الحجة".
المجتمع العربي، وخاصة، القبلي منه يجد في ذكر اسم المرأة ما يهين، حتى أن بعضهم يقرنون اسمها بـ"أكرمك الله" وكأنها نقيصه أو عيب، يقول أبو الطيب المتنبي:
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
يعذو بعضهم عدم ذكر اسم المرأة لاعتبارات دينية رغم أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة، فالتاريخ الإسلامي يعتمد جزء كبير منه على نقل النساء للأخبار والأحاديث النبوية، ويُعرِف أسماء نساء النبي محمد وبناته دون نسب لغيرهن، كما يذكر القرآن في عدة مواضع اسم "مريم بنت عمران" بل يتعدى ذلك ويسمي سورة باسمها.
ولكن من يتمسكون بهذه العادة يسوقون حججا من بينها أنه عندما يتعمد الزوج ألا يذكر اسم زوجته أمام الغرباء، فهذا محمود لكونه بذلك يغار عليها، وأن اسم المرأة لا يجب أن يكون على لسان من "هب ودب".
"هوية المرأة" بين الواقع والرقمي
في متابعة لصفحات موقع التواصل الاجتماعي، نجد كثيرات اخترن أن يتواجدن على هذه المنصات بأسماء مستعارة لا تعبر عن هويتهن الحقيقية، وعرفن أنفسهم على حساباتهن الشخصية بـ "روضة الفردوس"، أو "حزينة للأبد"، وغيرها من الأسماء التي نصادفها، في حين اختارت أخريات أن تعرف عن نفسها بهوية ابنها أو زوجها، كمن تختار أن تلقب بـ "أم عمرو" أو "زوجة محمود".
الصورة التي يفضل أي شخص الظهور بها، والطريقة التي يحب أن يعرفه الناس عليها، تقع في إطار الحرية الشخصية، ولكن "احكي" أراد أن يتعرف على آراء السيدات والبنات اللاتي قررن ألا يظهرن بهويتهن الحقيقية والاعتماد على الأسماء التي ذكرناها، وطرح أسئلة حول ما إذا كان ذلك نابع من اختيارهن، أم أجبرن عليه.
سؤال عن الضرورة التي تجعل أي سيدة تظهر باسم آخر على أحد "جروبات" موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، جاءت ردود السيدات عليه متباينة، فرفضت نسمة مصطفى أن تخفي المرأة خلف اسم مستعار أو لقب، وقالت "ستنا فاطمة الزهراء وستنا مريم بنقول أساميهم مش بنقول أم الحسن أو أم عيسى".
رجحت "نهى طلعت" أن يكون السبب وراء اختيار بعض السيدات هو التواري وراء اسم مستعار نظرا لرفض أهلها، سواء أبيها أو أخيها، لوجودها على "فيسبوك"، ولكي تتواصل مع أصدقائها دون علمهم تختار اسم غريب حتى لا يعرفوا بوجودها، بينما أوضحت سيدة باسم "جيمي" أن اختيارها للتواجد على "فيسبوك" باسم ابنها ووضع صورته بدلا من صورتها الشخصية بسبب المضايقات التي تعرضت لها من قبل عندما كانت باسمها الحقيقي "لقيت طلبات صداقة غريبة ومضايقات كتير، لكن دلوقتي مرتاحة".
تقول ريهام أحمد، 27 عاما، إن أول اسم لحسابها الشخصي على "فيسبوك" كان يحمل اسم ابنتها، ولكنها بعد فترة طويلة أبدلته ليحمل جزء من اسمها وليس اسمها كاملا، وبعد مناقشة مع الزوج، أكدت أنه رفض تمامًا وضع صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي خوفًا من أن يقوم أي شخص بالسطو على صورها، وأيدت ريهام خريجة كلية الإعلام رأي زوجها "ممكن أي حد معرفوش ياخد الصورة عادى جدا".
في حين قالت نشوى سمير، 28 عاما، التي يحمل حسابها اسم ابنتها الكبرى "حبيبة"، أن عددا كبيرا من صديقاتها المتزوجات وغير المتزوجات على فيسبوك تحمل حساباتهن أسماء غير أسمائهن الحقيقة مثل (بيرو- نينو- رقة الورد- الحور العين- الموج الهادي)، وقالت إنها جعلت حسابها باسم ابنتها بسبب حبها الشديد لها، ولكنها في نفس الوقت لفتت إلى أن زوجها رفض أن يحمل حسابها الشخصي اسمها الحقيقي حتى الآن.
"مبيحبش حد يعرف أن ليا أكاونت على الفيس، أنا أصلا لسه داخله على الفيس قريب"، استكملت نشوى حديثها لـ "احكي" عبر "سكايب" من السعودية، موضحة أنها قامت في أحد المرات بوضع صورة لها وابنتها مما سبب لها مشكلة وصفتها بالهائلة بينها وزوجها، فاضطرت إلى مسح الصورة ولم تتكررها مرة أخرى.
"أنا مغلوبة على أمري"، في نهاية الحديث أكدت "نشوى" على رفضها لما يقوم به الزوج الذي يعمل مهندسًا مدنيًا، متمنية أن يحمل حسابها اسمها الحقيقي، وأن تضع عليه صورها وصور بناتها، لأنه يعبر عن هويتها التي أخفيت بسبب الزوج.
رأت ندى جمال أن المضايقات التي تتعرض لها البنات على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن التصدي لها بضبط إعدادات الحساب على النظام الشخصي، بمعنى تحديد الأشخاص الذين يمكن لهم رؤية الصور والمنشورات على الصفحة، ولكنها رفضت الألقاب ورأت الاسم الحقيقي أفضل.
وفي هذ السياق، قالت غدير أحمد، الباحثة في دراسات المرأة والجندر، إن النساء (قد) تلجأن للتعامل بهوية الزوج أو الابن كنتيجة منطقية لتعريفها بينهم اجتماعيًا، "الستات في مصر بيتقالها يا أم فلان، أو زوجة فلان، فالتعريف الاجتماعي بهوية الزوج والابن ممتد من الحياة الاجتماعية للحياة الرقمية على فيسبوك".
وأرجعت السبب في تعريف النساء بهوية ذويها من الذكور إلى الاعتزاز باسم ابنها أو الفخر بكونها أم، لافتة إلى أن هذه نقطة جدلية "بتخلينا نسأل ليه الستات ممكن تعتز بكونها مُنجبة أو متزوجة"، مستكملة حديثها بأن المجتمع ككل يقبل النساء بشروط معينة مثل الزواج والإنجاب كأطر اجتماعية معترف بها.
وقام "احكي" بالبحث على موقع فيسبوك بجملة (اسم المرأة على فيسبوك)، وأظهرت النتائج البحثية رفض عدد كبير من رواد الموقع بأن تظهر المرأة بهوية غير هويتها الحقيقية، مؤكدين على أن هذا محو لكيانها، في حين ذهبت عينة أخرى من الآراء، أنها حرية شخصية وقد تكون نابعة من الضغط الأسري والمجتمعي.
اسم المرأة المعلن بين القبول والرفض
نظرا لترجيح بعض الأراء أن رفض الأهل لوجود بناتهن على "السوشيال ميديا"، قد يكون السبب في اختيار لقب أو اسم مستعار لهن، سأل "احكي" إسلام دسوقي، 23 عاما، الذي أوضح أنه لا يفرض قيود على إخوته الفتيات الصغار، ولا يتحكم في طريقة وجودهن على "فيسبوك"، ولكنه يعرف الدافع الذي يجعل آخرين يفعلون ذلك، وقال "ممكن الخوف عليهم من المعاكسات والمضايقات، أو أنهم ينجرفوا لحاجة غلط، وممكن غيرة وقلق، وقلة ثقة في البنات".
وعلى صعيد آخر، رفض محمد أحمد (اسم مستعار) البالغ من العمر 23 عامًا أن تنشأ شقيقته الوحيدة حساب على موقع فيسبوك لمدة كبيرة تصل إلى 5 سنوات من الإقناع والمناقشة، حتى أتى اليوم وأباح لشقيقته التي تصغره بعام واحد فقط إنشاء حساب على فيسبوك "رجعت عن رأيي لإني حسيت أنها زهقانة وعشان هي معندهاش أخت"، ورغم تراجع محمد عن القرار إلا إنه وضع شروطا له تتمثل في أن يكون معه الرقم السري للحساب.
"لإنها ماتعرفش حاجة في الفيس وممكن تغلط غصب عنها و تشترك مثلا على أي صفحات"، مبررا ذلك بأن شقيقته لا تعرف شىء عن كيفية إدارة الحساب الخاص بها، فلا بدّ أن يكون الحساب تحت إدارته المباشرة.
في هذا الصدد رأت الباحثة في دراسات المرأة والجندر أن ذلك يعد نوع من أنواع التفاوض، ولكنه يحمل في طياته الكثير من الهيمنة من قبل (الزوج- الأخ)، بحيث يكون تواصلها رقميًا مع الأشخاص تحت إشرافه هو شخصيًا.
"دا مش بيعكس ضعف شخصية البنت قد ما بيعكس ضعف ثقة الشخص المهيمن"، بهذه الكلمات أكدت غدير أحمد، خلال حديثها مع لـ"احكي"، أن ذلك يعكس ضعف ثقة الشخص المهيمن، ومن الممكن أن تدشن الزوجة أو الشقيقة حساب آخر باسم مستعار، ويصبح لها حياة مستقلة تماما بعيدا عن إشراف الشخص المهيمن.
الكاتب
احكي
الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا