ممنوعون من الطفولة والزواج والعمل.. البدناء على هامش الحياة
الأكثر مشاهدة
مع سمر حسن
(1)
"أنا اتأذيت نفسيًا كتير..حتى في أبسط الحاجات، كنت طفلة بتحلم تلبس جزمة بالرينا"
بينما يحلم الأطفال بالألعاب والهدايا وجبال الحلوى كانت سارة تقضي أيامًا تبكي لأن حلمها بارتداء حذاء يشبه ذلك الذي يزين قدما أختها ويعطي لفستانها شكلًا آخر، بعيد المنال. المهمة كانت صعبة لدرجة أن يقضى والدها ساعات يطوي الأرض بحثًا عمن يصنع لها حذاء بقياسها،"هيخسروا إيه لو عملوا المقاسات أكبر شوية.. ليه لازم يحطونا في قوالب"..
كان الجميع يردد على سمعها أنه لا يجدر بها "التشرط" وأنها "لازم تلبس اللي يجيلها".. تخيل كيف سيؤثر ذلك على نفسية طفلة؟. "كنت 17 سنة وكانوا السواقين بيقولولي اركبي يا حجة.. وياخدوني تريقة طول الطريق".
(2)
هناك 2 مليار شخص حول العالم من أصحاب الوزن الزائد، وأكثر من نصف مليار شخص لديهم سمنة مفرطة، وفي عام 2014 وصلت نسبة النساء المصريات اللاتي تعانين من السمنة إلى 10 مليون امرأة أي حوالي 39.7% من نسبة النساء، كما تصنف مصر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث سمنة النساء، والمرتبة الرابعة في أكثر سكان العالم بدانة لعام 2016.
ويتعرض أصحاب الأوزان الكبيرة إلى الوصم الاجتماعي، وهو ما يجعلهم عرضه للتحيز والاتجاهات السلبية التي يوجهها المجتمع نحو شكلهم وحياتهم الاجتماعية مما يحد من حركتهم وتفاعلهم مع المجتمع.. وفي كل الحالات الأمر مؤذ وجارح.
وبحسب العلماء يتم تقسيم تداعيات وصمة الوزن الزائد لأشكال مختلفة منها:
- التحيزات اللفظية.. والتي تكون عن طريق السخرية والمضايقات والشتائم والألقاب السيئة أو التحقير من الشخص.
- العدوانية.. والتي تظهر في سلوك الأطفال بمنع زملائهم ذوي الأوزان الكبيرة من اللعب معهم، أو التعدي على الأشخاص باللمس أو التحرش.
- الإهمال المجتمعي والتمييز.. من خلال عدم توفير المعدات الطبية الملائمة لهم، وضيق الكراسي في الأماكن العامة مثل المواصلات أو السينما أو المطاعم، وعدم توفر ملابس تناسبهم، أو تخصيص محلات بعينها لهم وإطلاق أسماء خاصة وساخرة أحيانًا مثل "باندا".
(3)
شبت سارة السيد ومعاناتها مع المجتمع تزيد بزيادة سنوات عمرها، وكانت التعليقات والضحكات التي تتخذ منها موضوعًا تؤثر على نفسيتها سلبًا، فتغرق نفسها في مزيد من الطعام.
لم تسلم من حصار نظرات الشفقة أو السخرية في كل موضع تخطوه، فكانت تكره الخروج للمطاعم أو السينمات، الأولى لأن العيون تتابع حجم طلبها ولا تخجل من "الفرجة" عليها، والثانية لأن كراسي صالات السينما معدة لأوزان محددة،
كل ذلك أثر على حالتها النفسية وتقبلها لذاتها، وعرضها للكثير من الليالي السيئة، لكنه كان نقطة في بحر ما عانته في المكان المعني بتعليم التقبل والاندماج "المدرسة".
(4)
يواجه ذوو الأوزان الزائدة تلك الوصمة في أماكن متعددة وقد تؤثر على حياتهم وسيرها بشكل كامل، خصوصًا مع حدوثها في الفترات الأولى من العمر، كأن تحدث في المدارس فيتعرض الأطفال إلى سخرية أقرانهم ومدرسيهم، مما يؤثر عليهم في المستقبل ويجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب ولوم الذات وعدم تقديرها والشعور بالوحدة، وقد تبقى الصفات التي ينعتون بها ملتصقة بلا وعيهم مدى الحياة، فيما تشير دراسة أجريت بجامعة مينسوتا الأمريكية، إلى ارتباط حالات انتحار لشباب بدناء مع التعرض للوصم في فترة الطفولة.
"المدرسين كانوا بيحبوا يبينوا إن دمهم خفيف بالتريقة عليا"
في المدرسة عانت سارة من تعليقات زميلاتها والمدرسين، ورغم أن كل كلمة كانت تؤثر فيها سلبًا إلا أن كل شيء اختلف عندما أقدمت زميلتها بالفصل على اختبار إحساسها من خلال "دبوس"، "شكتني علشان تشوف بحس ولا لأ.. رغم إننا كنا كبار"، حاولت سارة وقتها الشكوى لمدرس الفصل، لتجد من يساندها وتستعيد بصوته جزءًا من كرامتها، لكن رده قضى على آخر ما تبقى لها، "قالي إنتي هتعملي فيها بتحسي".. 5 كلمات قضت على إثرهم المرحلة الثانوية في المنزل، لا تبرحه إلا للضرورات القصوى، وأصيبت باكتئاب شديد ووصلت مضاعفاته إلى شلل في القدمين.
(5)
أظهرت دراسات بجامعة إكستر البريطانية، أن النساء البدينات يلاقين تمييزا أكثر من الرجال البدناء في مجال العمل فكون المرأة ذات وزن زائد يقلل فرصها في الحصول على عمل، أو يجعل راتبها أقل من أقرانها.
"كنت بترفض كل ما أقدم على شغل"
عادت "رباب عطية" خمس سنوات إلى الخلف عندما كانت تعاني من السمنة المفرطة وكان وزنها 120 آنذاك وبنبرات صوت حزينة عبرت عما كانت تعانية من أزمات نفسية عندما أغلقت جميع أبواب العمل في وجهها رغم امتلاكها مهارات تمكنها من القبول في أماكن عدة، فكان الـ "CV" الخاص بها يجتاز المراحل الأولى حتى تصل إلى مقابلة العمل فيتم رفضها بشكل قاسِ، بعد تنحية ما تمتلكه من مهارات جانبًا، ويظل شكل الجسد في المقدمة رغم عدم أهميته في الوظائف التي تتقدم إليها، ولم تستطع الحصول على المركز المرموق الذي تعمل به في أحد المدراس الدولية إلا بعد رحلة 5 سنوات للوصول إلى الوزن المناسب، رغم كل ما تعرضت له من ضغوط نفسية.
(6)
"مش هتلاقي حد يتجوزك.. عمرك ما هتتجوزي طول ما أنتي بالشكل دا.. شوفي لها حل عشان تعرفي تلاقيلها عريس"
تتردد هذه الكلمات يوميًا على مسامع "منى محمد" التي تبلغ من العمر 18 عامًا، والتي عندما كانت في المرحلة الإعدادية حيث الوقت الذي كانت زميلاتها تفكرن في التنزه والخروج والمذاكرة، كانت "منى" تتعمد عدم الظهور لتبعد عن جسدها نظرات الشفقة التي تتلقاها وكأنها تهرب من عار "كنت بقعد في أوضتي عشان ما أقابلش أي حد"، تحاول الابتعاد عن همهمة وهمس زميلاتها، وتبحث جاهدة عن محلات الملابس والأحذية لكي تتخفى داخلهم وتظهر بالشكل الذي يريدونه إلا أن الرد يكون "مقاسك مش موجود هنا".
وفي البيت لم تكن بمأمن من وابل التعليقات السلبية، فعبرت بنبرات سيطر عليها الحزن "خالي كل أما ييجي عندنا يقول لماما، بنتك عمرها ما هتتجوز بالشكل دا لازم تشوفيلها حل" ومن هنا بدأت والدتها تسعى للتخلص من وزنها الزائد بكافة الطرق بهدف الحصول على "عريس لقطة" رغم أنها ما تزال صغيرة، وبالفعل أجرت الفتاة عملية تكميم المعدة لكي تتخلص من 45 كجم لكنها أجرتها بدافع آخر "أنا عملت العملية عشان أكون مضيفة طيران مش عشان ألحقلي عريس".
(7)
تعامل شريحة كبيرة من المجتمع الشخص البدين على أنه السبب فيما وصل إليه، رغم أن السمنة قد ترجع إلى وجود سبب غير الطعام أو لتفاعل تناول طعام غير صحي مع وجود عوامل وراثية، أو أمراض الغدد الصماء أو تناول أدوية معينة.
وفي كل الأحوال زيادة الوزن في حد ذاتها قد لا تضر الإنسان بقدر ما يتلقاه من ضرر نفسي نتاج النصائح والمزاح غير المرغوب فيه، فتلك الكلمات السلبية قد تتسبب في تدمير حياة إنسان بشكل كامل.
الكاتب
ندى بديوي
الأحد ٢٩ أكتوبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا