”ضرب وأذى.. محاولات انتحار.. تحرش” حكايات صامتة عن العنف الأسري
الأكثر مشاهدة
سمر حسن
في ازدحام الروتين اليومي، نواجه القلق والخوف والازدراء، ولكننا نخبر أنفسنا الصبر، معتبرين مشاعرنا السلبية إلى زوال، طالما لدينا عائلة ومنزل، حيث السكن والهدوء والراحة، حتى يأتي يوم ويصبح البيت هو الجحيم الذي نفقد فيه فطرتنا الإنسانية، ونُعامل كالدواب.
العنف الذي ينخر في البيوت المصرية، وتتعرض له الأمهات والبنات والزوجات، لا يدمرهن وحدهن، ولكنه يزرع الكراهية والبغض في نفوس أجيال قادمة، جراء تعرض واحدة من بين كل 3 نساء في العالم إلى العنف على يد الزوج أو الأخ أو الأب، فتصبح النتيجة ما يقرب 35% من النساء في العالم يتعرضن للعنف، وفق منظمة الصحة العالمية.
في 25 نوفمبر، يحتفي العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف، في حملة تستمر حتى العاشر من ديسمبر في كل عام، وفق ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجاء اليوم تخليدا لذكرى وفاة الأخوات "ميرابال" الثلاثة، بعد تعرض إحداهن للعنف على يد الحاكم الدومينيكي "تروخيليو"، بعد رفضها لمحاولات تحرشه بها، إلى جانب معارضة الأخوات لسياساته، فقرر أن يتخلص منهن في 25 نوفمبر 1960.
العنف الأسري ضد المرأة
دخل "احكي" بيوت مصرية تتعرض فيها النساء للعنف الأسري، من خلال استمارة انتشرت على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تسألهن عن شكواهن وآلامهن، لتحكي كل واحدة دون أن تخشى الإفصاح عن هويتها، فتقول إحداهن، عمرها لم يتجاوز الثلاثين، عن زوج حول حياتها إلى جحيم بدأ مع الساعات الأولى لزيجة حدثت دون فرح أو بهجة، كونها غير مصرية وليس لها أهل وأسرة، جعلها أسيرة للعنف والضرب الذي تتعرض له يوميا، "أولها بدأت بكف ع الوش، وبعدين خبط على الضهر، وبعدها الضرب بقى بالشلاليت"، بسبب اغترابها وغربتها عن المكان، في كل مرة على مدار الأربع سنوات، هي عمر زواجها، تقرر فيها الهرب تجد نفسها تعودة مرة ثانية "برجعله لأني بنام في الشارع.. علشان مليش حد أروحله، وهو رافض يطلقني، وكمان خايفة أسيب ولادي لأنه بيضربهم ومش عاوزة أظلمهم"، فكرت في الانتحار ولكنها تخشاه، معتبرة حياتها أكبر جريمة اعتادت فيها أن تتعرض للإهانة والضرب لأتفه الأسباب.
بعد أن اعتادت الظلم حتى من والدتها، رأت الفتاة ذات الـ 22 عاما أن "الأهل مش سند، لو مأخدتش حقي بنفسي هضيع، فبقيت أقوى وأعنف وأنصح"، ففي العاشرة من عمرها تعرضت للتحرش من زواج والدتها، وبعد أن أدركت فعلته وأخذت تحكي لوالدتها "كانت شايفة إن أنا اللي كنت بخليه يتحرش بيا"، كانت الأم تقف في صف الزوج، الذي كان يضرب ابنتها كلما قررت فضح أفعاله.
أصبح العيش في بيت وتوفر الطعام والشراب أقصى ما تحصل عليه نهى (اسم مستعار)، وترى فيه الكثير، فطوال سنوات عمرها الـ 22، اعتادت أن تتعرض للضرب والإهانة الجسدية والمعنوية من أخيها، الذي تدعم والدتها أفعاله "أخويا بيقفل عليا الأبواب ويعلم الشبابيك عشان تبان لو فتحتها، وياخد سلك التليفون والموبايل وكابلات الكمبيوتر"، في رغبة منه لعزلها عن العالم، فأضحى كل تصرف يعقبة ضرب وإيذاء بدني ونفسي، حتى شعرت نهي بمشكلات نفسية "بقيت معدومة الثقة في نفسي، أمي بتتعمد تضربني وتزعق لي قدام أي حد".
العنف الذي يبدو تصرفات فردية، أوضح المجلس القومي للمرأة أن له تكلفة اقتصادية تصل إلى 1.49 مليار جنيه في العام، بسبب الإيذاء الذي يؤثر على صحة المرأة ويقلل من إنتاجيتها في العمل ومساهمتها الاقتصادية، وفي استطلاع رأي للمجلس عام 2013 على 13500 سيدة وفتاة أعمارهن من 15 إلى 55 عاما على محافظات مصر المختلفة، وجد أن ثلث العينة تعاني من أشكال العنف المتعددة، في حين تبلغ أقصى نسبة للعنف الأسري في محافظة القليوبية بواقع 61%، في حين كانت السويس أقل نسبة بواقع 16%، وكان سبب العنف، وفق الاستطلاع، العادات والتقاليد وسوء خصال الرجال.
من بين حكايات مختلفة عن عنف الأب، وسوء تصرفاته تجاه بناته من تحرش وضرب وأحيانا اغتصاب، تعاني أسماء (اسم مستعار) من تعمد والدها إهانتها وضربها، هي الوحيدة بين أخواتها الأربعة، "ماما كانت بتخاف عليا أكتر واحدة، فكان بيجر شكلها بيا، وبعد كده يضربها هي كمان" تفسير حاولت أن تفهم به سبب ما يقوم به والدها، الذي أصر على أن يجعل أخيها يفتعل لها مشكلة في عملها، دون اعتبار لسنواتها الثلاثة والثلاثين، مما جعلها تهرب من اي طريق يحاول أن يتواجد به، وتبتعد عن أي دراسة أو عمل يمكن أن يكون له به سابق معرفة "حاولت أنتحر أكثر من مرة لأني كارهة نفسي، أنا شبهه في الملامح وخايفة أطلع شبهه في الطباع كمان".
في المساحة التي أتاحها "احكي" للفضفضة والحكي عن تاثير العنف السري على السيدات والبنات، عبرت 85 حالة عن الأذى النفسي والإهانات اللاتي تعرضن لها، فكانت النتيجة أن مصدر العنف كان الأب بنسبة 37.6%، تلاه الزوج أو الخطيب بنسبة 23.5%، ثم أطراف آخرون مثل (الأقارب أو الجيران أو المرتادون على المنزل) بنسبة 17.6%ن أما الأخ فكان مصدر العنف بنسبة 15.2%، وأخيرا جاءت الأم بنسبة 5%.
في ضوء حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء، قامت تسع منظمات نسوية (مؤسسة المرأة الجديدة، مركز نظرة للدراسات النسوية، مؤسسة قضايا المرأة، مركز القاهرة للتنمية والقانون، مبادرة المحاميات المصريات، مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، مركز النديم، مؤسسة المرأة والذاكرة، مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية) بتقديم مشروع قانون لمكافحة العنف ضد المرأة.
يقترح القانون في مواده وجود وحدة مختصة لتلقي شكاوى العنف ضد المرأة في دوائر وأقسام الشرطة، وتخصيص خط ساخن منفرد لها، ومعاقبة من يُكره الضحية أو مقدم الشكوى على التراجع عن شكواها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، مع الحفاظ على سرية بيانات مقدم الشكوى أو الضحية، وعدم الإفصاح عنها إلا بموافقة كتابية منها.
وكان المجلس القومي للمراة قد قدم مشروع قانون لمواجهة العنف ضد المرأة إلى مجلس النواب في 2016، ولكنه لم ينل حظ وافر من النقاش والتحليل.
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا