مديحة يسري سمراء النيل التي ألهم جمالها الشعراء والكتاب
الأكثر مشاهدة
مصرية خالصة، كانت تؤمن أن ما تقدمه لا يمثلها وحدها ولكن يمثل بلدها أيضا، اختارتها مجلة "التايم" الأمريكية في بداياتها كواحدة من أجمل عشر نساء في العالم، هي مديحة يسري "سمراء النيل".
وجه مميز لا يمكن لعين ألا تلحظه، نشرت صورتها إحدى المجلات كواحدة من الوجوه الجديدة، خطفت العيون والقلوب، وهذا ما أحدثه أول ظهور لها على الشاشة في دور صغير بفيلم "ممنوع الحب" عام 1940، الفيلم الذي اختاره لها المخرج محمد كريم بعد اكتشافه لموهبتها.
بداية مديحة يسري
في القاهرة يوم 3 ديسمبر 1921، ولدت "هنومة حبيب خليل" لأسرة متوسطة الحال، كانت تميل إلى الفن، وزرعت أسرتها بداخلها الثقة بالنفس، والاعتزاز بالكرامة، درست في مدرسة الفنون بشبرا، وأنتجت أعمالا فنية ورسومات مطرزة أبهرت مدرسيها، ولكنها كانت تحب التمثيل وتتمنى أن يراها الناس على شاشة السينما، ولكن حلمها واجهه رفض العائلة لمهنة "المشخصاتي".
جمعتها الصدفة بالمخرج محمد كريم، وانطلقت بعد دورها في "ممنوع الحب"، الذي قام ببطولته محمد عبد الوهاب وليلى فوزي، فاختار لها عبد الوهاب اسم "مديحة يسري"، وقدمت عددا من الأدوار الصغيرة، حتى جاء الدور الرئيسي في فيلم "أحلام الشباب" بطولة فريد الأطرش في عام 1942، وهنا اقتنعت أسرتها ووالدها بالأخص بموهبة ابنته، وصار يساعدها في اختياراتها للأفلام والأعمال التي تشارك بها.
الفتاة التي كانت تحب الفن وتعشق الذهاب إلى السينما وتتخيل نفسها بطلة العمل، استطاعت أن تكون فنانة لها شهرة واسعة، ونجمة متربعة لسنوات طويلة على عرش البطولات النسائية لا يقوى أحد على منافستها، فقدت للسينما ما يقرب من 130 فيلما، أشهرهم "شهر العسل، كيد النساء، آه من الرجالة، لحن الخلود، آمنت بالله، ياسمين، يسقط الحب، لحن الخلود، من أين لك هذا، أقوى من الحب، بنات حواء"، وشاركت في مسلسلات تلفزيونية، منها "وداعا يا بيع العمر، الوديعة، وهوانم جاردن سيتي بجزئيه الأول والثاني، طائر العنق".
حفل مشوارها الفني الطويل الذي امتد إلى 60 عاما أعطت خلالهم مديحة يسري من وقتها ومالها وعمرها لأجل الفن، فكانت تعلم أنها صاحبة وجه جميل له طلة مبهجة، وأن ملامحها المصرية الأصيلة السر الذي يميزها، ولكنها أدركت أن الجمال وحده لن يقدم فنا يحترم جمهوره، فأصرت على أن تكون أعمالها لها رسالة وموقف من القضايا الاجتماعية، خاصة، القضايا التي تمس المرأة ووضعها الاجتماعي في مصر.
إيمانا منها بأن الفن ليس للتسلية فقط، ولكنها أداة لتحقيق التغيير، أسست شركة للإنتاج السينمائي، وأنتجت للسينما 18 فيلما، أهمهم "الأفوكاتو مديحة" الذي اهتمت أن يرصد حق المرأة في العمل كما الرجل، وطالبت في "بنات حواء" بالمساواة بين المرأة والرجل، وأنتجت أفلام أخرى منها "وفاء للأبد" و"قلب يحترق".
سمرة بشرتها وجمالها الآخاذ المتفرد، كان سببا لإلهام الشعراء والكتاب، فيُقال إنها آسرت قلب الكاتب الكبير عباس العقاد، وكتب في إعجابه بها رواية تحمل اسم "سارة"، كما كانت طلتها تلجم الشاعر عبد المنعم السباعي، فيكتب لها القصائد التي غناها عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ومنها "جميل وأسمر، وأروح لمين، وأنا والعذاب وهواك"، كما أشيع حب أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة 52 لمديحة يسري، ولكنها لم ترغب في الإفصاح عن ذلك.
زيجات مديحة يسري
بخلاف المحبين والعشاق، كانت تجارب مديحة يسري مع الزواج غير موفقة، فتزوجت أربع مرات، في ثلاثة منها كانت الخيانة سبب الانفصال، معتبرة السبب قوة شخصيتها واستقلاليتها. المرة الأولى من محمد أمين، ثم الطيار أحمد سالم، والثالثة من محمد فوزي، الذي ظل صديقا لها رغم الطلاق، والأخيرة من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية، ولكنها لم تستمر سوى أربع سنوات.
رغم المحبة التي كانت تكنها لكل من تزوجتهم، وبالأخص أحمد سالم برومانسيته وحبه المخلص لها، كانت علاقتها بمحمد فوزي مختلفة ولها طبيعة خاصة، فساندته في تأسيس "مصر فون"، وظلت صديقة لها حتى بعد الطلاق، ووقفت إلى جانبه في وقت أزمته مع تأميم شركته، غير أنه كان الوحيد الذي أنجبت منه ابنها عمرو محمد فوزي، بطل الجودو، ولكنها فقدته في حادث سيارة وهو مازال في الـ 27 من عمرها، وكانت تلك صدمتها الكبرى.
وفي الستينيات، طال التأميم مديحة يسري أيضا، فذهبت سيارتها والفيلا التي تملكها، وفقدت حسابها في بنك القاهرة، ولم تعد تملك سوى مكتبها الذي حولته إلى بيت لتسكن فيه، وظلت مثابرة وصابرة، فهي لم تعتاد الشكوى والتذمر، لكنها حاولت أن تتعامل مع الواقع وتخلق منها فرصة جديدة، حتى عرض عليها أحد مالكي شركات الإنتاج شراء مجموعة من أفلامها بما يُقدر بـ 10 آلاف جنيه.
كونها واحدة من نجمات زمن جميل، يفتقد كثيرون أجواءه، واعتبرتها هي أيام لن تعوض مهما مرت السنون، فمديحة يسري واتتها الفرصة لتعيش أيام الملك فاروق، وتراقب لحظات التحول السياسي في مصر، كما حظيت بالوقوف أمام رموز ونجوم كبار أصبحوا مدارس يتعلم منها الراغبون في التمثيل، فشاركت يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأنور وجدي بطولة عدد كبير من الأفلام، كما كانت صديقة مقربة من أم كلثوم.
رحيل مديحة يسري
يعتبر كثيرون أن آخر أعمالها للسينما هو فيلم "الإرهابي" 1994، لكنها شاركت بعده في فيلم الفرح، الذي تم إنتاجه عام 1999، من بطولة ميرفت أمين ونشوى مصطفى، كما أن آخر أعمالها للتلفزيون لم يكن مسلسل "هوانم جاردن سيتي"، ولكنها شاركت في مسلسل "قلبي يناديك" عام 2004 بطولة داليا البحيري وفتحي عبد الوهاب، وعينها الرئيس السابق محمد حسني مبارك في مجلس الشورى عام 1998 لست سنوات.
عن عمر وصل إلى الـ 97 عاما، توفيت مديحة يسري مع الساعات الأولى ليوم الأربعاء 30 مايو بمستشفى المعادي العسكري، بعد صراع طويل مع الشيخوخة، تاركة تاريخ طويل من الأعمال الفنية التي صنعت تاريخ السينما في مصر، موصية أن تخرج جنازتها من مسجد الحامدية الشاذلية ويقام لها بالمسجد عزاء كبير، ولكن خرجت جنازتها من مسجد السيدة نفسية، وعاشت مديحة يسري وهي تؤمن أن الجنة في انتظارها، بسبب صبرها على ابتلاء فقدان الابن والتقرب إلى الله بالحج والعمرة وأداء الأعمال الخيرية.
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا