دعاء عارف تطلق شفاء بعد معاناة مع السرطان
الأكثر مشاهدة
"شفاء طلع من رحم معاناة المرض" كالأمل الذي يمنحه الله لك بعد شقاء وطول انتظار، هذا إيمان دعاء عارف الذي جعلها ترى في محنتها منحة وهبة كبيرة، وتؤمن أن ما بعد الظلام والغربة نور واقتراب.
كانت الحياة تسير بوتيرتها العادية، دعاء تنهك نفسها في العمل وتقضي أغلب ساعاتها من أجل أن تحقق نجاحات أكبر، فتعمل في مجال التسويق منذ 2001، وقتها لم تكن قد أنهت مرحلة الدراسة في الثانوية العامة بعد، ومن يومها لم تتوقف مسيرتها المهنية سوى لأسباب خارجة عن إرادتها جعلتها ترى في الدنيا جانبا آخر.
رغم اهتمامامها بالعمل في مجال التسويق، قررت أن تدرس في كلية زراعة لحبها للحيوانات "كانت أقرب كلية لطب بيطري، اللي كان نفسي أدخلها عشان بحب تربية الحيوانات"، وحصلت منها على البكالوريوس، الذي أتبعته بدبلومة في مجال الجودة، وعملت في مجال جودة الأغذية بمجموعة من الشركات الكبرى، مما استوجب سفرها من طنطا إلى القاهرة بشكل يومي.
استمرت دعاء في مشوارها المهني، وقررت أن تحصل على ماجيستير إدارة الأعمال MBA من الأكاديمية البحرية، وتخصصت في التسويق، وعملت بشركات عالمية منها الأمريكية والأسترالية، فعملها بالنسبة لها كان أهم شيء، هو ما يشغل وقتها كله، وتمنحه من جهدها الكثير، فاستطاعت أن تتدرج بالمناصب، وتنال وظائف مستقرة بمرتبات عالية.
تجنبا للمسافة التي تقطعها مستقلة القطار يوميا من طنطا إلى القاهرة، كان القرار بالانتقال إلى القاهرة في 2016، لكنه لم يكن رغبتها، بل عرض من والديها، الذين أدركوا أنهم نجحوا في تنشئة ابنتهما بما يكفي لتستقر وحدها بعيدا عنهما "في البداية أنا اللي كنت خايفة ومترددة أستقر في القاهرة، لكن هما دعموني جدا واعتبروا أني وصلت لسن أقدر اعتمد فيه على نفسي وأكون لوحدي".
بعد شهور قليلة من الانتقال إلى القاهرة، وحين كانت مسيرتها المهنية تتجه نحو مسارها الطبيعي، هاجمها السرطان "كنت بأخد علاج للغدة الدرقية، لكن حصلت مشكلات صحية كبيرة، واكتشفت أني مصابة بسرطان الغدة من 4 سنين"، أمر لم تستقبله دعاء باستنكار أو رفض، ولم ينتابها الغضب، بل تقبلت الوضع الجديد ورأت فيه فرصة للحصول على إجازة "كنت زعلانة أكيد، لكن قولت كويس أني هأخد إجازة بعد مدة طويلة من الشغل"، لتفاجيء مَنْ حولها وتتعامل وكأنها أصيبت بـ "دور برد".
إصابتها بالمرض كانت في المرحلة الثالثة، واحتاجت إلى تدخل جراحي، في يوم ما زالت تتذكر تاريخه، فكان 31 يناير 2017، ولكن رحلة التخلص من العلاج لم تنته، فخضعت لجرعات الكيماوي والإشعاع وفترات العزل "كان العزل أكتر وقت مزعج وبحس فيه بالوحدة، لأنه بعد الإشعاع يمنفعش أتعامل مع أي حد لمدة 3 ايام"، وبسبب هذه التجربة، التي كانت تضطرها للمكوث ساعات طويلة وحدها غير قادرة على طلب الدواء، ظهر "شفاء".
شفاء دعاء
وهي تفكر في وضعها الصحي الجديد، الذي يتطلب منها الالتزام بمواعيد محددة لتناول الأدوية، التي غالبا ما تنساها، واجهت دعاء الحيرة في معرفة أماكن توفر الأدوية والطريقة التي تواجه بها اختفاء أحدهم أو نقصه بالسوق، واكتشفت أن كثيرين من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة يعانون من نفس الأمر، ففكرت أن الحل في تطبيق Application يساعدهم على تذكر مواعيد تناول الأدوية ويوصلها إلى منازلهم في أوقات ثابتة.
"أنتي نفسك محتاجة الـ Application ده، وحتى لو محققش النجاح ممكن تستخدميه أنتي بس" قالت لها صديقتها محاولة أن تخفف عنها، ولكن دعاء كانت على علم بطريقة عمل السوق بخبرتها في العمل بشركات كبرى، إلى جانب اهتمامها بالبيزنس والتسويق، وبمساعدة صديقتها وشقيقتها، التي أصبحت كل منهن مسئولة عن جزء بالمشروع، واستغلال دعاء لأوقات عزلتها الإجبارية في الدراسة والبحث وطريقة تنفيذ المشروع، استطاعت أن تطلق "شفاء" في مايو 2017.
أصبح بإمكان المرضى أن يقوموا بتصوير روشتة الأدوية الخاصة بهم، وتوضيح احتياجهم الدوري لها سواء كان أسبوعي أو شهري، لتصلهم بصورة مستقرة دون حاجة إلى طلبها في كل مرة، وذلك بالاتفاق مع اقرب صيدلية للمريض، مع إمكانية البحث عن دواء بعينه ومعرفة المكان المتوفر به عبر "شفاء"، كما يعمل التطبيق على تنبيه المشتركين بنقص أدوية معينة أو عدم توفرها حتى يستطيع أن يسأل طبيبه عن البديل.
لم يواجه "شفاء" المشكلات التي تعيشها المشروعات الصغيرة والـ StartUps، فهو لم يخلق حاجة غير موجودة أو يقوم على فكرة لا تمت للواقع بِصلة، كما تقول دعاء، ولكنها أتى من معاناتها الشخصية "أنا حسيت الألم ده مع الناس، وعارفة هيكونوا محتاجين إيه، وده خلى التطوير في الفكرة منطقي وبيخدم الناس"، فكانت دعاء هي البوصلة التي يسير على دربها "شفاء"، وكانت تجتهد حتى تعمل على تفاصيله، فبدأت في تحضير الدكتوراة من جامعة US Davis.
اقرئي عن مشروع نبيلة رضوان لبيع الذرة
مرورها بلحظات من الضيق بسبب الزيارات المتكررة للأطباء، ومحاولاتها الدائمة لتهوين الأمر وتذكير نفسها بأن وضعها أفضل كثيرا من غيرها، تمكنت دعاء من الشفاء والتوقف عن جلسات العلاج في فبراير 2018، بعد سنة واجهت فيها المرض ولم يتمكن منها، وعاشت فيها لحظات كادت تفقد معها الأمل، ولكن النجاحات التي حققها مشروعها كانت العون لها في الاستمرار.
"كنت متعودة من ربنا بعد كل فترة صعبة ووحشة، بتيجي حاجة حلوة وكان شفاء هو الحاجة دي" فإيمانها أن بعد كل عسر يسر، جعلها تثق في استمرار مشروعها، الذي تم اختياره كواحد من ضمن أفضل 80 مشروع في Lab Cycle9 بالجامعة الأمريكية، كما حصل على المركز الأول في مسابقة Digi- preneur ضمن فعاليات أسبوع شباب الريادة العالمي، وفي يناير 2018، أصبح شفاء شريك رسمي بمسرعة الأعمال Flat 6 Labs.
على مدار عام حقق شفاء نجاحات موفقة وغير متوقعة، ففي خلال 12 أسبوع قام بتلبية 1600 طلب للمرضى، وتطمح دعاء مع حلول عام 2019 أن تصل المبيعات من خلال التطبيق إلى 24 مليون جنيه، بعد أن أقنعت 147 صيدلية بفكرتها، وتتمنى أن تستحوذ على نسبة كبيرة من سوق شراء الأدوية من خلال التطبيق، وهو السوق الذي يُقدر بمليون و600 ألف روشتة سنويا.
نصائح لرواد الأعمال
في حين أن مرضها جعلها تبتعد عن نشاطات كانت تحب القيام بها مثل المشاركة في الكشافة والسفر المتكرر، ولكنها أظهر لها كيف يمكنها أن تقدر حياتها بالطريقة الصحيحة وأن تستمتع بوقتها، وأصبحت راضية بوضع جديد ما زال لم يحرمها من السفر، ويسمح لها ببعض النشاطات البسيطة.
تعتبر دعاء أن نجاح مشروعات رواد الأعمال يأتي من قدرتهم على تنفيذ الافكار "الفكرة ببلاش، وممكن تيجي على بال أي حد، المهم أنها تكون موجودة على أرض الواقع"، فهذا ما سيجعلها فكرة ناجحة، ولكنها ترى ضرورة ألا يقع الشخص أسير فكرته ويصبح متيما بها ولا يقبل أي تغيير عليها "أسمع الناس وأعرف مشكلاتهم".
اقرئي أيضا عن سالي مبارك وحكايتها مع الفضة
اعرفي كيف حاربت زقزوقة الاكتئاب بالاشغال اليدوية
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا