أفلام مصرية برعت في تجسيد الصراع النفسي
الأكثر مشاهدة
في مقالنا السابق عن تجسيد الأفلام العالمية للصراع النفسي ذكرنا براعة وتفنن المخرجين والممثلين في هوليود وحول العالم في تجسيد الصراع النفسي كيف كان للإضاءة والإخراج والعديد من العناصر المختلفة دورا كبيرا في تجسيد هذا الصراع وتنفيذه ببراعة شديدة، ولكن هذه المرة سنتحدث عن براعة تفوقها كثيرا من وجهة نظري، إنها براعة الكتابة والأداء المصريين.
يمكن أن تحكم على وجهة نظري بالمبالغة ولكن عليِ أن أخبرك أن الأفلام المصرية ربما يصل القليل منها إلى مهرجانات عالمية أو جوائز كبيرة ولكن هذا لا يعني أبدا أنها لا تصل في براعة الاداء والتنفيذ إلى مستوى الأفلام العالمية بالإضافة إلى كونها تجسد جزء كبير من شخصياتنا، تشعر وكأنها قريبة منك، ربما تساهم اللغة في هذا ولكن في النهاية إن جمال وروعة الأفلام المصرية في نظري لا يضاهيه أي شيء.
إتقان الفن المصري يمكنك أن تلمحه بسهولة عندما تشاهد فيلم من انتاج السبعينات على سبيل المثال ولكن لا تشعر بنقص في الإمكانات على الرغم من أنها لم تكن قد وصلت لما وصلنا له الأن في السينما، رؤية وكتابة كالتي يقدمها نجيب محفوظ وموسيقى لموسيقار عبقري مثل عمر خيرت وأداء بارع كأداء نور الشريف وعادل إمام لا نستطيع إلا أن نقف أمامهم مندهشين من شدة الجمال والإتقان التي يقدومها.
فإليك أهم الأفلام التي استطاع الفن المصري العبقري تجسيد الصراع النفسي بها بكل جمال ودقة.
أفلام مصرية جسدت الصراع النفسي ببراعة
1- بئر الحرمان (1969)
في الرابعة فجرا يجد الكاتب يوسف فرانسيس سندريلا الشاشة على باب شقته ترتدي ثوب عاري الصدر ووجهها ملطخ بجميع ألوان المساحيق فيبتسم بشدة لرؤيتها قائلا "برافو، هي دي الصورة اللي تخيلتها".
هذا هو ما فعلته سعاد حسني كي تحصل على دور "ناهد/ميرفت" في فيلم بئر الحرمان والذي يعود في الأصل إلى رواية من تأليف الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس والذي يشاع عنه أنه تجسيد لمرض الفصام غير أن الفصام هو انفصام الشخص عن واقعه وهو عكس ما يمثله الفيلم في شخصية البطلة والحقيقة أنها تعاني من ازدواج في الشخصية فهي الفتاة الزوجة الرقيقة في الصباح وإحدى فتيات الليل في المساء، ولكن يكشف لنا الفيلم أن ازدواج الشخصية الذي تعاني منه ناهد أو ميرفت هو نتيجة لعقدة تعرضت لها في صغرها نتيجة لاكتشاف أبيها خيانة أمها فيعاملها بجفاء فتصاب بما يمكن أن نسميه بالحرمان العاطفي مما يتسبب في بحثها عن العاطفة ليلا واللهث وراء أي رجل لتعويض ذاك الحرمان.
الفيلم من بطولة: سعاد حسني، نور الشريف، محمود المليجي ومريم فخرالدين ومن تأليف إحسان عبد القدوس وسيناريو وحوار يوسف فرنسيس وإخراج كمال الشيخ.
أفضل أفلام الأكشن التي ستستمتعين بها
2- السراب (1970)
ربما تلعب الصدفة دورا مهما في حياة الكثير من الفنانين ولكن هذه المرة كانت السبب في نقطة التحول الأهم في حياة النجم الراحل نور الشريف، عندما عرض الدور الرئيسي لفيلم السراب وهي رواية للكاتب نجيب محفوظ تحمل نفس الأسم، على كلا من حسن يوسف وإيهاب نافع ولكنهم رافضوه فكان نور الشريف هو "البديل الأرخص لحسن يوسف" حسب ما نسب إليه، فكان الدور الأهم في حياته نظرا لصعوبة تأدية شخصية "كامل" بطل الرواية وهي شخصية معقدة للغاية مليئة بالعديد من الصراعات والعقد النفسية التي نجح نور الشريف في تجسيدها.
أما عن الرواية فهي تدور بشكل أساسي حول عقدة شهيرة في علم النفس وهي "عقدة أوديب" التي نجدها ظاهرة في شخصية بطل الفيلم "كامل رؤبه لاظ" والتي يصل إليها بسبب خوف أمه الشديد عليه بعد طلاقها من والده وأخذ ولديها الأثنين ليعيشا معه، فنتج عن هذا تعلق الولد والأم الشديد ببعضيهما وسيطرة الأم الشديدة على الولد حتى أنه كبر بشخصية خجولة لدرجة لا تصدق فلا يستطيع التعامل مع البشر بشكل طبيعي والأمر الذي أدى في النهاية إلى حدوث عجز جنسي بشكل ما بحيث لا يستطيع أن يتم العلاقة الحميمة مع زوجته رباب ولكن يكون على طبيعته مع عشيقته السيدة العجوز التي تكبره بأعوام كثيرة ما يؤدي إلى المزيد من التعقيد في هذه الشخصية.
وعلى الجانب الأخر، نرى التعقيد في شخصية الزوجة التي لا تستطيع كمشاهد أن تحدد موقفك منها، فهل تتعاطف معها لأنها كانتتحاول تعويض ما فقدته مع زوجها عندما تقوم بخيانته مع الطبيب النفسي الذي تذهب إليه ليجد حل لمشاكلها الزوجية ومن ثم تجد في أحشائها جنين لا تعلم ماذا تفعل به؟ أم تشعر بالغضب لأنها في نهاية الأمر خيانة لا مبرر لها ابدا؟
الفيلم والرواية يضعان المشاهد أمام الكثير من التساؤلات والكثير والكثير من المشاعر التي لا يستطيع تحديد موقفه منها.
الفيلم من بطولة: نور الشريف، ماجدة، عقيلة راتب ورشدي أباظة ومن تأليف نجيب محفوظ وسيناريو وحوار علي الزرقاني ومن إخراج أنور الشناوي
اقرئي أيضا: 8 أفلام تركية مترجمة خطفت مشاعر الجمهور
3- أين عقلي (1974)
يبدو أن تقديم الفنان رشدي أباظة لدور الطبيب النفسي جعله يتقن الدور بدرجة كبيرة فنجد أنه في هذا الفيلم أيضا قام بأداء الدور على أكمل وجه ولكن كما تعودنا فإن أفلام الصراع النفسي تدور دوما حول البطل والذي لا نستطيع أن ننكر دور محمود ياسين في إضافة الكثير من الأشياء لهذه الشخصية المعقدة مما جعلها تتألق على الشاشة وتضع المشاهد أمام حيرة التعاطف والتأنيب مرات عدة.
يجسد الفنان محمود ياسين شخصية الدكتور توفيق الطبيب المصري العائد من أوروبا بعد تمضية حياة طويلة فيها بين دراسة وعمل، فنجد التعود على الحياة الأوروبية المنفتحة والتأثر بها ولكن ما إن يتم زواجه من عايدة الفتاة التي يتوفى خطيبها منذ سنين بعد علاقة معه تجعلها تفقد عذريتها، فهل يتقبل الطبيب المصري ذو المبادئ الأوروبية هذا الأمر أم أن طباعه الشرقية سوف تنتصر في النهاية؟
الحقيقة أن مناقشة أمر العذرية بهذه الجرأة في الفيلم جعله محل نقاش كبير بين فئات المجتمع المصري في هذا الوقت ووضع الجميع أمام مرأة لرؤية حقيقة ربما كان كثيرون ينكرونها لوقت طويل، الصراع الداخلي في شخصية الطبيب بين العادات والتقاليد وبين ما يؤمن به من حرية رآها بعينه في بلاد الغرب تجعله مريض نفسي يحاول إيهام زوجته بأنها مصابة بالجنون وتتخيل أشياء غير حقيقية بينما يذهب هو لتنفيس عقده في فتيات الليل فيخيل لنفسه حمايتهن ومن ثم يلومهن على ما يفعلن ثم يقضي ليلته يخون زوجته وفي داخله صراع لا ينتهي ابدا.
الفيلم من بطولة: محمود ياسين، سعاد حسني، رشدي أباظة وعماد حمدي ومن تأليف إحسان عبد القدوس وإخراج عاطف سالم.
4- خللي بالك من عقلك (1985)
صعوبة الفيلم وتأدية أدواره بل وتقديمه للجمهور تكمن في جمعه بين الصراع النفسي والدراما والكوميديا في عمل واحد، فاستطاع عادل إمام بمنتهى التلقائية والبساطة الجمع بين هذه العناصر الثلاثة دون أن تشعر كمشاهد بثقل أو أن هناك شيئا غريبا بالفيلم.
أما براعة شريهان فتظهر في تجسيدها لدور المريضة النفسية بهدوء وسلاسة دون أي مبالغة، المريضة التي تتكون لديها عقدة من الجنس الأخر نتيجة اعتداء زوج أمها عليها كي يستطيع السيطرة على ميراثها فتصاب بصدمة شديدة تدخل على إثرها إلى المصحة النفسية.
الفيلم من بطولة: عادل إمام، شيريهان،جلال الشرقاوي، واحمد بدير ومن تأليف أحمد عبدالوهاب وإخراج محمد عبدالعزيز
اقرئي أيضا:
أهم أفلام شاروخان في السينما العالمية
الكاتب
رضوى سمير
الأربعاء ١٥ أغسطس ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا