التحرش في أماكن العمل جريمة مسكوت عنها بسبب لقمة العيش
الأكثر مشاهدة
كانت كل يوم بعد أن تستيقظ، وتتجهز للذهاب إلى عملها، تحمل هم الشارع والمواصلات ونظرات الرجال، وتفكر في طريقة تتجنب بها محاولة أحدهم للمسها، حتى أُضيف إلى يومها عبء جديد بعد قيام أحد زملائها بمحاولة التحرش بها ولمس جسدها.
عندما يصبح الشارع مكانا غير آمن، نتحمل ذلك من أجل الوصول إلى أماكن عملنا ونقابل زملاء لنا نقضي معهم وقتا أكثر مما نقضيه مع أسرتنا، لكن عندما تتحول أماكن العمل إلى بيئة غير آمنة، ونخشى التواجد بها، فهذا يعني أن هناك خللا يجب أن يتم معالجته.
في تقرير لهيئة الأمم المتحدة، أشار إلى أن 99% من فتيات وسيدات مصر تعرضن للتحرش الجنسي، وبعيدا عن دقة الإحصائية من عدمها، فيوم النساء في الشارع المصري لا يخلو من تعليقات سلبية أو إيجابية على مظهرها، ومحاولات لمضايقتها، وأصبح كذلك داخل أماكن العمل أيضا.
اقرئي أيضا: منى يسري الصحفية التي فجرت المسكوت عنه في أماكن العمل
تعريف التحرش
بالنسبة للبعض، تعريف التحرش يبدو غامضا، ولا يمكن التعرف على ما إذا كان الشخص متحرشا، أم أنه فقط يعرض المساعدة أو يقول إطراء، رغم أن التعريف المتوافق عليه، والذي قدمته عدد من المبادرات والهيئات العالمية، من بينها مبادرة خريطة التحرش، توضح أنه "أي صيغة من الكلمات أو الفعلا غير المرغوب بها، وتحمل طابعا جنسيا، بما ينتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص آخر، وتجعله يشعر بعدم الارتياح أو التهديد أو الخوف وعدم الأمان".
في القانون المصري، تشرح المادة 306 مكرر (أ) التحرش على إنه: "كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص او مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية"، وأوضحت المادة أن مرتكب هذه الأفعال يتم معاقبته بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة ما بين 3 إلى 5 آلاف جنيه.
التحرش وأنواعه
يمكن معاقبة التحرش، بداية من النظرة والإيحاء وحتى الفعل واللمس، فهناك أنواع من التحرش، التي قد تجهل بعض السيدات أنه يمكنها أن تعاقب المتحرش عليها، وأبرز سلوكيات المتحرشين (حسب مبادرة خريطة التحرش) والتي يمكن تصنيف أنواع التحرش وفقا لها:
- النظر المتفحص، والتحديق للشخص بشكل غير لائق، وعلى مناطق من جسده أو عينيه.
- تعبيرات الوجه التي تحمل إيحاءات جنسية معينة.
- محاولة النداء باستخدام التصفير أو الصراخ المتعمد بجانبها، أو استخدام أصوات لها إيحاءات جنسية.
- الكلام والتعليقات، وإبداء الملاحظات على جسد الشخص بصورة سلبية أو إيجابية، واقتراح أمور جنسية أو مسيئة.
- طرق الملاحقة والتتبع، أو الانتظار أمام مكان العمل أو المنزل.
- إظهار أجزاء من الجسم، وخاصة مناطق الأعضاء التناسلية، أمام الشخص.
- المكالمات الهاتفية من أشخاص مجهولين، التي تتطرق إلى الحديث في موضوعات جنسية أو تقوم بإلقاء النكات، كما أن الإرسال الرسائل والصور والفيديوهات من خلال الإنترنت يعد تحرشا من خلال المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني.
- محاولة لمس الجسد، وتقديموتوجيه دعوات غير مرغوب بها، مثل الدعوة عل العشاء أو الذهاب إلى أي مكان سويا.
اقرئي أيضا: ضرب وأذى ومحاولات انتحار وتحرش.. حكايات صامتة عن العنف الأسري
أرقام عن التحرش
أظهر الاتحاد العام لعمال مصر في دراسة لعام 2014 أن 30% من السيدات العاملات في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي، في حين تزايدت نسبة المرأة المعيلة، التي يحتاجها سوق العمل، وتُعيل أسرتها بالدخل الذي تقدمه، فـ 30% من الأسر المصرية أصبحت تعتمد على عمل المرأة، ووصلت نسبة النساء العاملات في القطاع غير الحكومي إلى 35%، وفق إحصائية تابعة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017.
اقرئي أيضا: بيوت على أكتاف النساء.. "ست بمية راجل"
الأرقام تعبر عن مدى احتياج الشركات والقطاعات الحكومية والخاصة إلى عمل المرأة، كما لا يوجد منزل يعتمد اقتصاديا على عمل الرجل وحده، وبخلاف احتياج المرأة إلى العمل لتحقيق هدفا ذاتيا، أصبحت الحاجة الاقتصادية الملحة قد تُرغمها على العمل، حتى وإن لم تكن تريد، فانخراطها في العمل لم يعد رفاهية.
عمل المرأة، الذي يساهم في قوة العمل في مصر بنسبة 22.9%، طبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يواجه عدد من المعوقات والصعاب، من أهمها التحرش داخل أماكن العمل، الذي قد يضطر النساء إلى ترك وظائفهن، وفي ظل غياب سياسات واضحة تلزم الشركات والمؤسسات الحكومية بالتعامل ع هذا النوع من التحرش، والتصدي له لجعل بيئة العمل آمنة.
حكايات عن التحرش في العمل
في إطار سعي "احكي" إلى فتح مجال للنساء ليفصحن عن معاناتهن داخل أماكن العمل، استقبلنا على استمارة إلكترونية خاصة، لا تفصح عن هوية البنات أو السيدات، رسائلهن وقصصهن مع التحرش الذي صادفهن في أماكن عملهن، فجاءت أغلبها من الرؤساء، وبعضها من زملاء العمل.
تقول فتاة من بني سويف تعمل سكرتيرة إنها واجهت تحرش من مديرها "كان يوم صعب أوي، طلب مني ورق وقع جنب المكتبن ولقيته بيشدني عليه (يقربني منه).. ضربته بالقلم وسيبت المكان (تركت العمل) ومشيت، مكنش ينفع أقدم شكوى علشان هو المسئول"، وعلى العكس من موقفها لم تستطع الفتاة، التي لم يتعد عمرها الـ 19 عاما، أن تترك العمل رغم ما تتعرض له من تحرش لفظي إلى جسدي حتى كاد صاحب العمل أن يغتصبها، لكن حاجتها للمال منعتها من ترك العمل.
وصل التحرش إلى أماكن الدراسة والجامعات أيضا، فعندما حاولت طالبة الماجستير أن تشتكي أحد الأساتذة في الكلية بسبب تحرشه بها لفظيا وجسديا "الكل عارف إنه مش كويس لكن وقفوا معاه ضدي، ولما عملت شكوى أنا اللي تم فصلي"، الأمر الذي يشير إلى عدم وجود آليات تردع المتحرش حتى في علاقة العلم.
"يا أنام معاكي يا أقرفك في الشغل" لم تصدق الموظفة صاحبة الـ 30 سنة ما سمعته من زميلهان فهو المسئول عن مواعيد العمل في المكان الذي تعمل به، وعندما تجاهلته استمرت مضايقاته لها "وضع العراقيل قدامي لمدة 6 شهوروكنت غاضبة جدا وبفكر في الانتقام، وبحاول أتجنبه.. لما قدمت شطوى للمسئول قالوا منقدرش نعمل حاجة".
أظهرت حكايات النساء عن التحرش الذي عانين منه داخل أماكن العمل وجود جراة من المتحرش على القيام بفعله، فهو لا يخشى عقاب أو ينتظر مسائلة، كونه يشستغل سلطته ونفوذه.
تعرفي على: ميراث النساء في مصر.."حق أكله حلال"
كيف تحمي نفسك من التحرش؟
من أجل اتخاذ إجراءات أكثر حماية للنساء العاملات في مصر، وضع المجلس القومي للمرأة ضمن الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التي أصدرها في 2014 مع المجتمع المدني والسلطات القضائية والتشريعية، بعض الأمور التي يجب توفرها في بيئة العمل والمجال العام حتى يكون لها حق الحصول على الفرص والتحكم في مقدرات حياتها.
أشار المجلس في الاستراتيجية إلى ضرورة تفعيل القوانين التي تحمي حق المرأة في وجود آليات تضمن لها التظلم في حالات التحرش، مع وجود إجراءات لمكافحته داخل مكان العمل، إلى جانب التوسع في تفعيل مبادرات مكافحة التحرش الجنسي والتوعية به من خلال الجامعات ومراكز الشباب ومنظمات المجتمع المدني.
عملت عدد من منظمات المجتمع المدنى على تحسين أوضاع المراة داخل بيئة العمل، فأوضحت لـ "احكي" منى عزت، مديرة برنامج المرأة والعمل في مؤسسة المرأة الجديدة، ان هناك تعاون بين المؤسسة وعدد من الشركات والمصانع، التي تتواجد بها النساء بنسبة كبيرة، من أجل العمل على خلق سياسات واضحة للتعامل مع التحرش وخلق بيئة عمل آمنة.
"اشتغلنا على وجود سياسات حمايةن وعمل تدريبات للسيدات وبناء قدراتهن، فتعرف إزاي تطرح الموضوع في حالة حدوث التحرش، وطريقة التعامل معاه"، فالهدف، كما توضح منى، أن تكون النساء العاملات على علم بالطرق التي يمكنها أن تدافع بها عن نفسها، والإجراءات القانونية التي عليها إتباعها، كما عملت المؤسسة مع النقابات العمالية وصناع القرار من أصحاب الشركات والمستثمرين ليكون العمل داخل الشركة أو المصنع مساحة آمنة يمكن للسيدات أن تنتج بها.
اقرئي أيضا: أماني عبد العال كابتن ويندو لمواجهة التحرش
تكمل منى "وضحنا لصناع القرار أن تعرض العاملات للتحرش والسكوت عنه هيأثر على بيئة العمل، وعلى إنتاجيتها هي نفسها لأنها هتكون في حالة من القلق والترهيب طول الوقت، وأحيانا بتضطر تسيب (تترك) العمل، فيخسر صاحب العمل عمالة مدربة"، مما يعني الحاجة إلى وجود آلية للشكوى تضمن خصوصية النساء وتوفر لهن الحماية، فتشير منى إلى أن التحرش داخل مكان العمل يُعد أصعب، فالعاملة قد تتراجع عن الشكوى بسبب خوفها من سلطة صاحب العمل أو الرئيس المباشر لها.
وضمن التدريبات، استمعت منى وفريقها إلى شكاوى النساء عن تعرضهن للتحرش "بداية من النظرة إلى حد ملامسة الجسد ومحاولات الاغتصاب أحيانا"، ولكن مع معرفتهن بحقوقهن والطرق التي يمكنها أن تجنبهن أذى المتحرش أصبحن أكثر جرأة وتضامن في وجه أي حادثة تحرش تتعرض لها إحداهن، كما توجهت التدريبات إلى الرجال العاملين أيضا.
وتسعى مؤسسة المرأة الجديدة إلى وجود قوانين تختص بمعاقبة المتحرشين داخل أماكن العمل، فتتوى التعاون مع مجلس النواب لتعديل قانون العقوبات بإضافة مادة تشير إلى العنف الجنسي داخل أماكن العمل، والعقوبة الخاصة به، مع مجموعة من التوصيات والسياسات التي يجب إتباعها في أماكن العمل الحكومية والخاصة.
موقف الشركات وأماكن العمل
كنتيجة لتعاون المؤسسة مع عدد من الشركات والمصانع، قالت منال محمد، موظفة بإدارة شئون العاملين بأحد شركات المنطقة الاستثمارية في بورسعيد، لـ "احكي" إن الإدارة قررت أن تتبع سياسات رادعة في حالات التحرش "الشركة فيها عاملات أكثر من ثلثي الموظفين، فعددهم 1700 من بين 2000 عامل، والاعتماد الكلي في العمل عليهم"، مما جعلهم يقررون أن تكون المساحات التي يمر منها الموظفون واسعة حتى لا يتحجج أي موظف ويلامس زميلته.
وقامت الشركة بتخصيص أبواب لخروج السيدات وأخرى للرجال، "أي حالة تحرش بتتحول للتحقيق، وبعد التأكد منها بيتم فصل الموظف أو العامل"، وأوضحت منال أن الترتيب الوظيفي أو كون الموظف أعلى سلطة من العاملة لن يمنع من التحقيق معه، وأشارت إلى حادثة تم فصل أحد المهندسين بسببها بعد محاولته اختلاس النظر على إحدى العاملات أثناء وجودها في الحمام.
تؤكد منال أن محاولات التحرش، بعد اتباع سياسات واضحة ورادعة للتعامل مع المتحرش، انخفضت بصورة كبيرة "كل واحد بقى بيخاف على أكل عيشه" في حين لم تعد تخشى النساء من الإبلاغ ومواجهة المتحرش أيا كان موقع سلطته الوظيفية.
اقرئي أيضا: باكستانية تروي واقعة تحرش بها في "الحرم"
وفي محاولة للتعرف على السياسات التي تتبعها الشركات الكبرى، حاول "احكي" الاتصال بإحدى شركات الاتصال، التي امتنعت مسئولة العلاقات العامة بها عن الرد على سءالنا، ورفضت أن يقترن اسم الشركة بـ "موضوع من النوع ده".
وتواصل "احكي" مع نورهان علي، مسئول العلاقات العامة بشركة أوبر، التي أوضحت وجود سياسة واضحة للشركة خاصة بعدم التسامح مع التحرش في بيئة العمل، وتوجه السائقين او الركاب إلى ضرورة وقف الرحلة في حالة وجود أي سلوك يتضمن العنف أو التحرشن مع التوجه لأقرب مركز شرطة للإبلاغ عن الواقعة، التي تتعاون أوبر في إمداد جهات التحقيق بكل المعلومات التي تساعد على تحقيق العدالة في كشفها.
وتعتبر الشركة أن توفير بيانات الراكب والسائق يعمل على تحقيق الأمان بصورة أكبر، كما أنها تُخضع جميع السائقين إلى عمليات فحص قبل أن يتمكنوا من استخدام التطبيق، ولم تُشر الشركة إلى وقوع حالات تحرش من قبل، ولكنها أوضحت أن استخدام التكنولوجيا يعمل على تحسين سبل السلامة عن طريق خلق المسئولية والشفافية.
وقالت نيللي عليوة، مديرة التسويق بالشركة، "نحن لا نتهاون مطلقا مع التحرش الجنسيفي أوبر، فلدينا موقف وقيم واضحة حول هذا الموضوعن ولذلك قمنا بالشراكات المختلفة مع مؤسسات مثل خريطة التحرش"، موضحة أنه يسعدها أن يتم تكريس قيم التصدي للتحرش الجنسي في الحياة اليومية وأماكن العمل.
اقرئي أيضا:
"سمرا بس حلوة".. عنصرية المصريين على أنفسهم
"تشويه الأعضاء التناسلية".. ما بين العلم والتقاليد
وحدهن في العاصمة الصاخبة.. لاستقلال الفتيات وجوه كثيرة
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا