مقاييس الجمال تفسد حياة البنات وتفقدهن الثقة بأنفسهن
الأكثر مشاهدة
"مقاييس المجتمع للجمال دي مقاييس مريضة ومش حقيقية.. أنتي مش شوية تعليقات.. وشكلك أو جسمك أو طولك أو وزنك مش هما اللي بيحددوا أنتي مين.. أنتي جميلة بقدر ما أنتي شايفة نفسك جميلة" رغم أنها تعاني من تنمر المجتمع تجاه وزنها الزائد، رفضت صاحبة الـ 24 عاما أن تخضع لتقييمات المجتمع.
عندما كنا أطفال، ومع الكبر، اعتدنا سماع التعليقات السلبية على شكلنا وملامحنا، من الأقارب والأصدقاء قبل الغرباء، ومن الممكن أن نكون أحد مَنْ أطلقوا هذه التعليقات على الآخرين، فالأمر يشبه الدائرة، فكل منا يعتقد أن رؤيته للجمال هي الرؤية الأفضل والأكثر كمالا، وأن المثالية لها مواصفات بعينها، فنبدأ في نشر التعليقات السلبية على من حولنا أو نصبح أحد ضحايا الـ Body Shaming.
اقرئي أيضا: التحرش في أماكن العمل جريمة مسكوت عنها بسبب لقمة العيش
الوصم بسبب الشكل
Body Shaming تعني أن يعاني الشخص من التعليقات السلبية والتلميحات الساخرة بسبب شكله ووزنه، فيتعرض لما يشبه التنمر الذي يتعرض له الأطفال، فيستمع إلى التوبيخ والرفض، ويواجه التقليل من شأنه بسبب أنه أو أنها لا ترتقي إلى مقاييس الجمال، كما يعتقد البعض، ويمكن أن تطال هذه السخرية ما يتعلق بوزن الشخص الزائد أو النحافة، كما أن لون البشرة وظهور علامات على الوجه والجسم وزيادة الطول أو القصر من الأمور التي يتعرض بسببها الشخص للإهانة، باعتباره غير متوافق معى مقاييس الجمال.
وفي دراسة نشرتها مجلة Obesity الأمريكية المتخصصة في السمنة، أوضحت أن ما يقرب من 94 في المائة من الفتيات في سن المراهقة في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرضن للتنمر والسخرية بسبب الشكل أو الـ Body Shame، وكانت الفتيات اللاتي يعانين من الزيادة في الوزن ويتعرضن لتعليقات مسيئة بسبب هذا الوزن، معرضات للإصابة بأمراض القلب والسكر والسكتات الدماغية بصورة أكبر، مما يعني أن التلميح والتعليق لم يقف عند كونه مجرد كلام، فتعميق الشعور بالعار والخزي بسبب الشكل ارتبط بتدهور الصحة.
لا توجد دراسات محلية سواء مصرية أو عربية عن التنمر والسخرية بسبب الشكل، ولكن في الولايات المتحدة تتعرض السيدات بصورة أكبر للسخرية والإهانة بسبب شكلها من المجتمع والمحيطين بها، حسبما أوضح أحد استطلاعات الرأي على 1000 رجل وسيدة أمريكيين، عبرت من خلاله السيدات عن تعرضهن للانتقاد والشعور بالخزي بسبب الشكل بنسبة 92.7%.
انتقاد شخص ما دون علمه أو محاولة إلقاء النكات الساخرة عليه أمام الأخرين، فعل يمارسه كثيرون من بيننا دون إدراك للتاثير الذي يمكن أن تحدثه كلماتنا، وتعتبر السيدات أكثر الفئات تعرضا للوصم والعار بسبب الشكل، على خلفية أن كل امرأة يجب أن تكون مثالية، وأن تحقق مقاييس الجمال، التي لا يوجد اتفاق عليها.
تعرفي على: ميراث النساء في مصر.. "حق أكله حلال"
مفيش مثالية
لذلك، مع انتشار موجات التنمر والسخرية والتقليل من شأن الآخرين على خلفية الشكل والوزن، فتحت "احكي" المجال للفتيات والسيدات أن يشاركن بتجاربهن عن الـ Body Shaming، ويعبرن عن تأثير ما نعتبره فكاهة و "خفة دم" على نفوسهن وثقتهن بأنفسهن.
أطلقت "احكي" حملة "مفيش مثالية"، واستقبلت على استمارة إلكترونية قصص ورسائل لسيدات وفتيات تنوعت أعمارهن ما بين 16 إلى 30 عام، عبرن من خلالها عن التعليقات اليومية من المحيطين بهن بسبب وزنهن الزائد أو وجود علامات جسدية غير مألوفة، وأيضا بسبب لون البشرة وطول أو قصر القامة.
عانت أغلب المشاركات في الاستمارة من التعليقات على الوزن الزائد بنسبة 64%، بينما تعرضت 15.7% منهن للسخرية من لون بشرتها، وكانت التعليقات على تغيرات الجلد بشكل عام من سيلوليت وعلامات تمدد والبهاق بنسبة 14.6%، وتنوعت أشكال الـ Body Shaming ما بين سخرية من ضعف النظر أو صغر حجم الثدي، حتى كبر حجم الأنف وعلامات حب الشباب.
واجهت المشاركات في الاستمارة تعليقات ساخرة، وتلميحات مهينة حتى من أقرب الأشخاص "للأسف، التعليقات كانت من أمي وعائلتها لأني- على حد تعبيرهم- سمرا شوية، وكانت بتقولي محدش هيبصلك ده منظر.. كانت بتجيبلي كريمات تفتيح وتفرد لي شعري، ولغاية ما اتجوزت وخلفت (أنجبت) بتنصحني أروح مركز تجميل"، ومثلها واجهت أخرى تعليقات سلبية من عائلتها بسبب السمنة الوراثية "كانوا بيضحكوا عليا ويقولوا لي يا غوريلا وفلافيلو".
اقرئي أيضا: في مجتمعنا.. الاعتراف بالحب جريمة
"أنتي شكلك مضحك أوي" سمعتها فتاة في الـ 18 من عمرها، لأن طول قامتها لم يتخط الـ 150 سنتيمتر، و"أنتي عمود نور" سخرية من فتاة أخرى بطول أكثر من 175 سنتيمتر، بينما عانت أخرى من نحافتها، فكانت دوما ما تسمع تعليقات "يا هيكل عظمي، بتاعة المجاعة، يا سودة يا فحمة"، بينما اعتادت فتاة من المشاركات على سماع "أنتي موميا.. كان نفسي أتقدملك بس أنتي رفيعة".
"وشك طافح فيه مجاري.. أنتي مناخيرك طويلة أوي.. لازم تخسي عشان بتكسف أمشي جنبك بحجمك ده.. شعرك خشن أوي.. وشك (وجهك) صغير ومعضم" تعليقات قاسية اعتادت الفتيات على اختلاف شكل أجسادهن، وطبيعة وجوههن، بسبب اعتقاد فئات من المجتمع أن هناك معايير للجمال على الجميع الالتزام بها، والسيدات على وجه الخصوص.
كان للتعليقات تأثيرات سلبية واضحة على ثقة معظم المشاركات بأنفسهن، ورغم أن أغلبها تعليقات اعتدن سماعها وهن في سن صغيرة، ما زالت آثارها عالقة بأرواحهن، فتقول إحداهن "فضلت 21 سنة من حياتي شايفة نفسي مش جميلة كفاية عشان مش عارفة أتوافق مع مقاييس المجتمع للجمال"، ووضحت أخرى "بقيت شخص معدوم الثقة في نفسه، وشايفه أنه الحب والاهتمام حاجة ماستحقهاش".
اقرئي أيضا: بيوت على أكتاف النساء.. "ست بميت ست"
في حين كانت تعاني من النحافة، أثرت الانتقادات سلبا عليها "ساعات بكره شكلي في المراية، ومع كل مرة حد ينتقد فيها وزني كنت بخس أكتر"، بينما كان الشعر الخفيف سبب معاناة إحداهن "كل حد يشوفني يقولي شعرك خفيف أوي كده ليه، فمبقتش أحب أظهر بيه قدام الناس"، وانهارت ثقة أخريات بأنفسهن "كنت بشوف نفسي جميلة، حاليا أنا أقبح واحدة في نظري"، وثقتهن بأقرب المحيطين بهم "أصبت بالاكتئاب والإحباط واليأس، وعدم الثقة في ماما".
رغم الأم الذي عايشنه، والبكاء المرير الذي بوحن به لأنفسهن لليالٍ طويلة، واختصار حياتهن في عدم القدرة على الحظي بعريس يقبل بهن، كانت الفتيات والسيدات قادرات على المواجهة والتعامل مع هذه التعليقات، فبعضهن استطاعت أن تثبت أن شكلها لا يحدد شخصيتها، فاجتهدت كي تعمل في واحدة من أكبر شركات الطيران، وأخرى سعت إلى تعليم نفسها "قرأت كتير وفي كل حاجة عشان أكون مثقفة، وأثبت لهم أنه مش بالطول ولا الشكل".
وفي حين لم تتمكن إحداهن أن ترد على تعليقات المحيطين بها "أنا ضعيفة جدا، كل اللي بعمله بحط الهاند فري (السماعات) في أذني وأسمع أغاني بصوت عالي عشان مسمعش جد"، كانت أخرى قادرة على أن تواجه "برد على الكلام اللي بيضايقني، ومش بدي حد فرصة يتعدى حدوده"، وقررت فتاة أخرى "فهمت أن رحلتي مختلفة عن أي حد، وكفاية أني من جوايا إنسانة كويسة".
وتمكنت صاحبة الـ 31 عاما أن تتقبل إصابتها بالبهاق، ولم تعد تهتم بتعليقات الآخرين الخائفين من أن يكون مرض معدي "قررت أتقبل البهاق كصديق لحياتي، وأنزل عادي من غير ميكاب، وأحب شكلي، واللي مش عاوز يتقبلني هو حر وشكلي شيء ميخصهوش"، وكي تمحي واحدة من المشاركات الشعور بالتقليل والعار الذي وصمه به المجتمع "قرأت أكثر من 100 كتاب، واتعلمت 4 لغات، واتعرفت على ناس جديدة".
مقاييس جمال جسم المرأة
في الإعلانات، وعلى أغلفة المجلات، تبهرنا صور الممثلات وعارضات الأزياء، اللاتي يتم تصديرهن لنا كرمز للجمال المثالي والكمال، فلا عيوب في الوجه، ولا زيادة في الوزن، ولا آثار لعلامات تمدد أو تجاعيد، وفي بعض الأحيان تتعمد بعض منتجات البشرة ومساحيق التجميل أن تظهر أن البشرة السمراء غير مثالية، وأن الوزن الزائد دليل على عدم الجمال.
تعرفي على: "سمرا بس حلوة".. عنصرية المصريين على أنفسهم
في ظل ذلك، اتجهت شركات عالمية إلى التخلي عن وجود مثال معين للجمال، فأصبحت هناك عارضات أزياء من الوزن الزائد، وتم منع استخدام المقاس صفر Zero Size في عالم صناعة الأزياء، وتم التعهد من بيوت الأزياء العالمية بعدم اعتماده بعد أكثر من 15 عاما من المبادرات والنداءات المستمرة، كما اشتهرت عارضة الأزياء ويني هالو، التي كسرت الأفكار التقليدية عن الجمال، وكانت أول عارضة أزياء مصابة بالبُهاق.
ورغم أن فنانات التمثيل ونجوم السينما، يتم التعامل معهن كمثال للجمال الكامل، تعرضت كثيرات منهن للوصم بسبب عيوب في الشكل، ومن بينهن دينا شربيني، التي تعرضت لسيل من التعليقات الساخرة على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهورها في حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي، فوصفها متابعون بـ "هي مالها بقت سوسة كده ليه"، وقال عنها آخرون "برج الحوت بقى بسريا".
وحكت الممثلة أمينة خليل عن بداياتها، وكيف كانت تتعرض للتقليل من شأنها بسبب شكلها "مخرجين كتير قالوا لي أنتي هايلة.. بس مناخيرك وحشة" للدرجة التي كادت معها أن تقتنع بحديثهم، وبدأت تشعر أنها قبيحة واردات أن تخضع لعملية تجميل، ولكنها تراجعت "مكنتش مرتاحة أني أعمل حاجة تفسد حياتي لبقية عمري، عشان أرضي ناس تانيين".
وكثيرا، ما تنال الممثلات ذوات الوزن الزائد واللاتي تعانين من السمنة، من التهكم والسخرية على أجسادهن في الأعمال الدرامية والكوميدية، والتعامل معهن كمادة للتندر والسخرية وجلب الضحكات من الجمهور، وهو ما يحدث مع دينا محسن المشهورة بـ "ويزو"، وشيماء سيف.
معايير الجمال في العالم
إذا أردت أن تعرف من أحد ما هو تعريفه للجمال؟ وكيف يحدده؟ لن تحصل على إجابات محددة، فالجمال نسبي، ورغم ما يُشاع عن مقاييس عالمية تريد للنساء جميعهن أن يكن قوالب متشابهة، فهذا لا يعكس الواقع، الذي يشير إلى أن المراة الجميلة عند الكوريين هي صاحبة الوجه الشاحب، وفي بورما تسعى الأمهات غلى إطالة رقاب بناتهن حتى يناسب معايير الجمال، وفي بعض الدول الإفريقية السعي نحو اكتساب الوزن الزائد هو فرصة لمنافسة الجميلات.
اختارت كثيرات من المشاركات في حملة "مفيش مثالية" أن يكن أنفسهن، واعتبرن أن ميزتهن في اختلافهن، وعبرن عن ذلك من خلال رسائلهن "مفيش بنت وحشة، كل بنت فيها حاجة تخليها حلوة"، "الشيء الناقص عندنا هو اللي بيخلينا مختلفين.. جمالنا في اختلافنا"، "مفيش مقياس معين للجمال، ومش من حق حد يمشي عليا نظرته الخاصة للجمال"، "متسمحيش لحد يقلل منك ويجي على كرامتك، أنتي أجمل منهم وأحلى منهم".
اقرئي أيضا:
"حلم الفتيات بالسفر".. بين رفض الأهل وإصرارهن
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا