قصص عن التبني في مصر واجهت المجتمع والحرمانية
الأكثر مشاهدة
"أول ما حضنته بين إيدي، اتملكني الخوف والرهبة مع الفرح والبهجة" لحظات لا يمكن للكلمات أن تصفها، ويقف اللسان أمامها عاجزا، فاختلاط المشاعر وتضاربها يبدو مربكا في هذه اللحظة، التي تحكيها كل أم وأسرة استطاعت أن تحظى بطفل، لم يمكنهم منه القدر والنصيب، ولكنهم يصطدمون معها بالواقع الذي يصرخ "التبني حرام".
يعتبر اللجوء إلى دور الرعاية لكفالة واحتضان طفل لا أهل أو نسب له، أو كما يعرف بالتبني، فرصة تناسب الأمهات والأسر التي ترغب في تنعم بطفل يملأ حياتها بهجة وسكينة، في حين لم تُرزق بنعمة الإنجاب، كما بات أيضا وسيلة كثيرين من المشاهير من الفنانين حول العالم في انتزاع أطفال من أوضاع صعبة عايشوها في بلدان فقيرة تواجه الحروب والصراعات.
ومن بين أشهر الفنانين، الذين أقدموا على خطوة تبني الأطفال، الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي، التي تبنت أربعة أطفال من مناطق متفرقة حول العالم، فلديها ابن من كمبوديا وطفلة من من إثيوبيا، وولد من فيتنام، وآخرهم موسى من مخيم اللاجئين في سوريا، وتبنت المغنية الأمريكية مادونا أيضا طفلين، ومثلها فعلت ساندارا بولوك، ونيكول كيدمان وتوم كروز.
وفي مصر وبلدان العالم العربي، قامت كثير من الفنانات المصريات بالإقدام على قرار التبني، من بينهم الفنانة تحية كاريوكا، التي وجدت طفلة رضيعة أمام شقتها في أحد أيام، فقررت أن ترعاها وتمنحها السلام والسكينة، وأسمتها "عطية الله"، وقبل وفاتها، أوصت كاريوكا أن ترعى الفنانة فيفي عبدة هذه الطفلة، وبالفعل ألحقتها بأفضل المدارس وأبعدتها عن الإعلام والصحافة، لتسير حياتها بطريقة طبيعية.
وكانت الفنانة ليلى علوي قد أقدمت على التبني، بعد أن أوصتها إحدى قريباتها، التي كانت تعاني من المرض وعلى مشارف الموت، أن ترعى ابنها الوحيد، فضمتها ليلى علوي إليها بعد وفاة الأم وكذلك الأب، خاصة، وأنها لم تنجب، ولكن اعتبرت "خالد" هو ابنها، الذي ترعى غيره خمسة أطفال آخرين مقيمين في دور الرعاية.
وبعمر الـ 43، قررت مذيعة الموضة والجمال اللبنانية جويل مردينيان أن تتبنى طفلا، رغم أنها تملك ولدا في السابعة عشرة من عمره، وبنتا في الثامنة، لكنها سعت إلى تحقيق رغبتها التي كانت تحلم بها منذ كانت طفلة، وكاستجابة لشعورها بالمسئولية الاجتماعية، تبنت طفلا من إحدى دور الرعاية في ديسمبر 2018، متحدثة عن مشاعرها تجاهه التي ولدت فور حملها له بين يديها، وتقبل أبنائها له وحب الأسرة لوجوده.
اقرئي أيضا: بيوت على أكتاف النساء "ست بميت ست"
احتضان الأطفال
ونظرا لأن إنجاب طفل، قد يضطر الزوجين إلى قضاء سنوات طويلة محاولين مع عمليات الحقن المهجري والتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب، مستهلكين الكثير من المشاعر والمحاولات، والمال أيضا، قررت بعض الأسر أن تسعى نحو التبني أو احتضان الأطفال، لينعموا بفرصة تنشئة طفل، على أن يمنحهم حياة راضية، ويوفرون له فرصة الحصول على رعاية يستحقها.
قبل أكثر من عشرين عاما، كانت تسعى رشا مكي وزوجها للحصول على طفل، فقامت بتجربة كل الطرق التي تُمكنها من الإنجاب، ولكن في كل مرة تجد الطريق مسدود، "كنت عاوزة ابن من صلبي، بس كنت أتمنى وقتها حد يقولي قد إيه هأحب ابني بالتبني، يمكن كنت بدأت الإجراءات بدري"، فأدركت بعد محاولاتها المتككرة أن التبني هو خيارها المتاح، وقررت وعمرها 45 عاما أن تتبنى الطفل "مصطفى" من غحدى دور رعاية الأطفال اليتامى.
وبسبب التعليقات السلبية التي حاوطتها عندما قررت تبنيه، ابتعدت رشا بطفلها الجديد عن المجتمع، "كنت بسمع كلام زي دول راحوا جابوا طفل من الشارع عشان يصرفوا عليه فلوسهم"، فقررت ان تبدأ حملة من خلال إنشاء صفحة على موقع فيسبوك باسم "An adoption story in Egypt" لتحكي قصتها، وتشجع أمهات أخريات على الإقبال على هذه الخطوة، مقدمة لهم الدعم بالمعلومات والتعريف بالإجراءات التي اتبعتها، كما تعرض قصصهن، وتشير إلى حكم الدين الإسلامي في التبني. (الصورة الرئيسية لرشا مكي مع ابنها مصطفى)
وفي السعودية، انتظرت سميرة لثماني سنوات بعد زواجها حتى تتمكن من الإنجاب، ومع فشل محاولاتها مع عممليات أطفال الأنابيب، بدأت في الإلحاح على زوجها من أجل احتضان طفل "في البداية رفض بشدة، وأنهى الموضوع بصرامة"، ولكنها لم تيأس واستمرت تحاصره بطلبها حتى تمكنت من إقناعه بالذهاب إلى وزارة الشئون الاجتماعية، وحظيت بالطفلة الرضيعة، التي أسمتها "لين" في الثاني من ديسمبر عام 2014.
تعرض سميرة يومياتها مع ابنتها لين، التي تناديها بـ "ابنة قلبي"، على حسابها على إنستجرام، فخورة بقدرتها على تنشئة طفلة كان مقدرا لها أن تعيش وحيدة، فأصبحت لين في الخامسة من عمرها، وتعبر سميرة عن حبها لها في كل يوم، وتنشر صورها وتفاصيل حياتهما معا.
تعرفي على: ميراث النساء في مصر "حق أكله حلال"
شروط التبني
في المادة 20 من اتفاقية حقوق الطفل، التي تم التصديق عليها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 20 نوفمبر عام 1989، تمت الإشارة إلى توفير رعاية بديلة للطفل، الذي حُرم من عائلته بصفة دائمة او مؤقتة، على أن تكون هذه الرعاية كما في الكفالة الواردة في الدين الإسلامي أو التبني أو في الدور المناسبة لذلك، مع وضع خلفياته الثقافية والدينية والعرقية في الاعتبار.
والتبني، بالنسبة لحكم الدين الإسلامي يعتبر محرما، كما أوضحت دار الإفتاء المصرية على موقعها الرسمي، فالمسموح به هو الكفالة أو الاحتضان، لكن لا ينسب الطفل إلى الأسرة التي تكفله، حسبما تشير الآية القرانية في سورة الأحزاب: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)، بمعنى أن يظل نسب الطفل كما هو سواء كان معروفا أو تم اختيار اسم عشوائي يتم تأليفه له، ولا تقوم الأسرة التي تكفله بنسبه لها على الإطلاق.
وفرّق الإسلام في ذلك بين التبني والكفالة، فالتبني الذي يجعل الطفل منسوبا للكافل يعتبر حرام، ولكن الكفالة والاحتضان برعاية الطفل وتنشئته مع أسرة وعائلة جيدة يعتبر مستحب ومشروع، وذلك حتى لا يحدث اختلاط في الأنساب، مما يؤدي إلى الفساد في المواريث والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
وفي المملكة العربية السعودية، تعطي وزارة الشئون الاجتماعية الأفضلية للأسرة التي تتمكن الأم فيها من إرضاع الطفل، عن طريق تعاطي هرمونات إدرار الحليب، ومع ضرورة أن تكون الأم سعودية، والأسرة قادرة على أن تمنحه الاهتمام والرعاية والسلام النفسي، كما تمنح الوزارة الأسرة الحاضنة للطفل مكافأت مالية شهرية تصل إلى سنة آلاف ريال.
أما عن قوانين وإجراءات التبني، كما توضحها وزارة الشئون الاجتماعية المصرية، فهي تشترط أن يكون الزوجان مصريان، ويحملان نفس ديانة الطفل، وأن يتوفر فيهما مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي، بناء على البحث الذي تجريه الوزارة، مع توفر الصلاحية الاجتماعية والنفسية، ولديهما مسكن ملائم، ودخل كافي، وأن يكون لدى كل منهما قدر كافي من التعليم لا يقل عن شهادة الثانوية العامة، وغيرها من الشروط والإجراءات التي يمكن الإطلاع عليها من هنا.
وتبقى أهم الميزات، التي توفرها الوزارة في برنامج "الأسر البديلة ورعاية الأطفال" هي سماحها للسيدات الأرامل والمطلقات، واللاتي لم يتزوجن من إمكانية احتضان وكفالة طفل، طالما تخطى عمرها الـ 35 عاما، كما أنها سمحت للأب البديل أن يستمر في رعاية الطفل في حالة وفاة الأم البديلة، بعد موافقة اللجنة العليا للأسر البديلة، كما يجب أن تقوم الأسرة الراغبة في احتضان الطفل بفتح حساب خاص له أو دفتر توفير بمبلغ لا يقل عن 5 آلاف جنيه.
وكانت اللجنة العليا للأسر البديلة قد استقبلت خلال عامي 2017- 2018 ما يقرب من 282 طلب من الأسر الراغبة في كفالة الأطفال، وتمت الموافقة على 180 طلب منهم.
اقرئي أيضا:
الكاتب
هدير حسن
الخميس ١٧ أكتوبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا