حكايات عن وصم الدورة الشهرية وتعنيف النساء بسببها
الأكثر مشاهدة
"العيب" الذي تربينا على إخفائه، وأن نستخدم عبارات وكلمات مستعارة للإشارة إليه، حتى بات الهاجس والرعب الذي يحاصرنا، وتشعر كل بنت أو سيدة في أثناء فترة الدورة الشهرية بأنها تريد أن تختفي، وكأنها ارتكبت إثما يجب أن يتم تعنيفها بسببه، ومعاقبتها عليه.
رغم أنها طبيعة فسيولوجية تحدث لكل سيدة، مع بداية بلوغها، ما زالت هناك معتقدات تُلحق الوصم والعار بالمرأة في أثناء الدورة الشهرية، وتعاملها بكثير من الاحتقار والدونية في مجتمعات مختلفة حول العالم، أو تعتبرها منكر يجب نبذه وتجاهله، وعلى أحسن الفروض، تفرض عليها تكتم الأمر، وتضع الحديث عنه علانية في خانة المحظورات، ليصح دم النساء "تابوه"، لا يمكن الاقتراب منه.
تعرفي على: حكايات مفزعة عن إزهاق ارواح النساء بدعوى الشرف
الدورة الشهرية
قبل أن نتطرق إلى الحكايات التي جعلت من الدورة الشهرية "عار"، ونبذت الحديث عنها، وجعلت النساء مذنبات بسببها، من المهم معرفة ما هي الدورة الشهرية؟ وكيف تحدث؟ وما الذي تسببه للسيدات؟ وأهميتها أيضا، وكيف أصبحت تُحاك حولها الأساطير؟
والدورة الشهرية أو دورة الحيض Menstrual Cycle مصطلح يشير علميا إلى التغيرات التي تحدث لجسم المرأة شهريا لإعدادها لاحتمالية حدوث حمل، فيتم إنتاج بويضة واحدة يستعد الرحم لها من خلال مجموعة من التغيرات الهرمونية، وفي حالة عدم تلقيح البويضة، تحدث فترة الطمث، وهي التي تخرج فيها بطانة الرحم من المهبل، ويتم حساب دورة الحيض أو الدورة الشهرية من أول يوم لدورة ما وحتى اليوم الأول للدورة التالية، وتتراوح ما بين 21 إلى 35 يوما، وتبدأ الدورة الشهرية عند الإناث في العمر ما بين 12 إلى 15 عام تقريبا.
آلام الدورة الشهرية
ما يمكن أن تسببه الدورة الشهرية لبعض النساء، قد يصل إلى محاولاتهن لإيذاء أنفسهن، نتيجة إصابة بعضهن بالاكتئاب خلال هذه الفترة، بخلاف الآلام المعتادة، والتي تؤثر بصورة كبيرة على صحة المرأة بشكل عام، ونجد كثيرون يقللون من صعوبتها، سواء من الرجال أو النساء، اللاتي يعانين مع الألم الذي يمكن وصفه بـ "الطبيعي"، ولكنهن لا يعرفن عن الأعراض الشديدة التي تصيب سيدات أخريات، فالألم وآثاره يختلف من سيدة للأخرى،ولا يوجد شعور مشابه لدى كل السيدات والفتيات، ولكن هناك أعراض عامة، وسنوضح ما هو الألم الطبيعي الذي تتعرض له أغلب السيدات، ويعد تحمله صعبا أيضا، وما هو الألم الشديد الذي يسبب الضعف والوهن.
تأتي الآلام المصاحبة للدورة الشهرية، كألم طبيعي في مجموعة من الأعراض الناتجة عن حدوث انقباض في عضلات الرحم، ومنها:
- في خلال أول يومين بالدورة الشهرية، من الممكن الشعور بألم شديد في منطقة الرحم، وأسفل البطن، نتيجة التشنجات.
- الشعور بالألم في المنطقة أسفل الظهر.
- الشعور بالغثيان، والرغبة في القيء.
- من الممكن أن يحدث إصابة بالصداع، أو الإسهال.
ويحدث أيضا قبل نزول الدورة الشهرية، ما يعرف بمتلازمة ما قبل الحيض Premenstrual syndrom أو PMS، وهي الفترة التي تسبق نزول الدولة الشهرية، وتُحدث مجموعة من التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الفتيات والسيدات نفسيا وجسديا، فقد يظهر لديهن حب الشباب وانتفاخ الثدي والشعور بالتعب والإنهاك والأرهاق، مع تغيرات الحالة المزاجية بصورة حادة وواضحة، وتستمر من أسبوع إلى أسبوعين قبل الطمث.
بعض الآلام قد تتطور بصورة مجهدة، وتؤدي إلى عدم قدرة المرأة على ممارسة روتينها اليومي بشكل طبيعي، وقد يمنعها من الذهاب إلى العمل أو الدراسة، فمن الأمور التي قد تسببها الدورة الشهرية ما عبرت عنه بعضهن لـ "احكي"، فتقول إحداهن أن الألم يسبب لها رغبة في القيء، وفقدان الوعي في بعض الأحيان، وجهلعا تؤذي نفسها في واحدة من المرات وهي بعمر الـ 14 عاما "في مرة حطيت مية مغلية على بطني عشان تسكن الألم، واتسببت بحرق لنفسي"، وأخرى توضح كيف أن التشجنات تجعلها غير قادرة على التنفس، وشدة النزيف جعلت المحيطين بها يعتقدون أنها "حامل في السر"، وتتعرض للإجهاد وتم نقلها للمستفى.
"وقت البيريود بيجلي درجة ما من الاكتئاب، وببقى عاوزة أذي نفسي فعلا"، للدرجة التي جعلتها تلجأ إلى دكتور نفسي ليساعدها عل تخطي الأمر، الذي بدات تدرك الطريقة المناسبة للتعامل معه من خلال ادوية وعقاقير تخفف من حدة هذا الاكتئاب. ويشير الخبراء إلى ان هذا الألم المضاعف من الممكن أن يشير إلى وجود أمراض اخرى، أو نتيجة لضعف عام يجب متابعته مع طبيب متخصص، ويكثر حدوثه في حالات الفتيات تحت سن الـ 20، ولدى النساء اللاتي لم يلدن أطفال من قبل، وكذلك، في حالات عدم انتظام مواعيد الدورة الشهرية، مع وجود تاريخ عائئلي مع حالات الألم هذه، وإذا كانت السيدة مدخنة.
حدوث فترة الطمث ونزول الدم أمر طبيعي، والدورة الشهرية هي السبب الأساسي في استمرار الوجود، لأنها التي تهيئ رحم الأنثى للحمل، وفي أساطير بعض الحضارات، ومنها الحضارة البابلية كان مهبل المرأة يتم تقديسه وعبادته على أنه سر الحياة واستمرار الوجود، فمن أين بدأ التعامل معها بازدراء؟
يشير البعض إلى أن العوامل الاقتصادية لها دورها في التعامل مع المرأة بشكل عام بدرجة أقل، فمرت النساء بفترات وعصور من التهميش والتقليل من شأنها، كون الرجل هو مَنْ يعمل وهو المتحكم في الحالة المادية للأسرة على المستوى الصغير، وكذلك على مستوى الدولة، فارتدت المجتمعات والدول عباءة الذكورية، وهو ما أثر على دور المرأة في المجتمع، وبدأ يتم تجاهل اهتماماتها واحتياجاتها.
وصم الدورة الشهرية
استمرت محاولات المرأة، وما زالت، من أجل مساواتها بالرجل في كثير من القضايا، واستطاعات أن تصل لمناصب قيادية نافست فيها الرجال وانتصرت عليهم أيضا، ولكن ظلت الدورة الشهرية "تابوه" غير مسموح الحديث حوله، وكل ما يخص يعد هامشي، مما أثر على صحة السيدات، بعد أن بتن يلجأن إلى وسائل وطرق شعبية من أجل امتصاص نزيف الحيض.
وانتشرت الأساطير حول الدورة الشهرية، التي تناقلتها الحفيدات من الجدات، فمن منّا لم تتربى على أن المرأة في الدورة الشهرية لا يمكنها زيارة أي امرأة أخرى حديثة الزواج، ولا تدخل على امرأة حديثة الولادة، وفي بعض الثقافات والشعوب وصل الأمر إلى اعتبارها مصدر نجاسة.
وفي بلاد أخرى، تعتبر المرأة في فترة الحيض وصمة وعار، فلا يتم لمسها أو التعامل معها، وتتردد مقولات أنها "إذا لمست الطعام أو قامت بإعداده، فسيصبح فاسد"، و"إذا نظرت إلى الناس ستجعلهم يمرضون"، و"ستجعلها السدادات القطنية (التي تستخدم لامتصاص النزيف) تفقد عذريتها"، وغيرها من الخرافات التي ادت غلى عزلة النساء في كصير من البلدان في أثناء فترة الدورة الشهرية.
ويتم منع النساء أيضا من التواصل الجسدي مع أي شخص، ورفض مشاركتها بأي من المناسبات الاجتماعية، ولا يُسمح لها بالاستحمام، وقد يتم عزلها في كهوف أو مناطق نائية، مما قد يعرضها لخطر الاغتصاب والتحرش، وبسبب هذ الخوف من العزل والعنصرية، لجأت النساء إلى مسميات واستعارات تشير بها إلى الدورة الشهرية، فباتت تسميها "اللعنة"، أو "الرمز الأحمر"، أو "إنفلونزا البنات".
اقرئي أيضا: مقاييس الجمال تفسد حياة البنات وتفقدهن الثقة بأنفسهن
حكايات الدورة الشهرية
تقول سابا، 18 عاما، إن والدتها لم تستطع أن تُحضر لها الفوط الصحية "أخبرتني أمي أن استخدم القماش خلال الدورة الشهرية، لأنها لن تستطيع تحمل تكاليف الفوط الصحية"، وذلك رغم أنه لا يشعرها بالراحة، وتطاردها دوما الرغبة في إخفاء فترة الحيض عن الجميع.
وفي أوغندا، تستخدم ليبرا جويس، 23 عاما، جلد الماعز، الذي تعتبره الوسيلة التقليدية الأكثر شيوعا في بلادها، "ولا أضطر أن أدفع مقابل الحصول عليها"، فالوسائل الأخرى تعتبرها جويس غالية الثمن، ولكن جدتها علمتها كيف يمكن استخدام جلد الماعز في أثناء فترة الدورة الشهرية.
والوضع يعتبر أسوأ في زامبيا، حيث تضطر ليمبو، 22 عاما، إلى استخدام فضلات وروث الأبقار، ووضعه داخل أقمشة قطنية، كونه الطريقة الأنسب والأرخص بالنسبة لها للتخلص من نزيف الدورة الشهرية، "ليس لدي أي بديل لاستخدام وسيلة أخرى"، ومثلها تفعل نوفانا، 45 عاما، التي تتمنى أن تتعلم تصنيع الفوط الصحية للتخلص من الطريقة التقليدية في زامبيا، والتي تعلمنها من جداتهن، واعتمدن عليها بسبب ندرة المال والفقر.
تقوم الأوغندية مونيس باتبع طريقة أخرى للتخلص من دم الدورة الشهرية، فهي لا تملك القدرة المالية على صنع أدوات ومواد لامتصاص النزيف، وتقول مونيس، البالغة من العمر 44 عاما، إنها فور أن تشعر بالنزيف "أقوم بحفر حفرة في الأرض والجلوس عليها"، تلك هي الوسيلة الأرخص والأنسب لها "لا يمكنني الركض والسماح لأحد برؤيتي في هذه الفترة".
أما الفتاة سافالتا روكايا التي تقطن في قرية بغرب نيبال، فهي تجلس وحيدة داخل كهف من الطين يُسمى "شاوبادي" في أثناء فترة الدورة الشهرية، وهو يعد من أكثر الطرق قسوة في التعامل مع المراة خلال فترة الحيض، كونه "شاوبادب" تعني الكائن المنبوذ، ويتم وضع البنات والسيدات داخل هذا الكهف الطيني مع الماشية، وتقول روكايا "أشعر بالخوف من بسبب رائحة روث البقر والحشرات، ووجود التراب والقش في جميع أنحاء جسدي".
فقر الدورة الشهرية
وحول العالم، يوجد 1.25 مليار فتاة وسيدة لا يملكن حمامات خاصة نظيفة وصحية، وآمنة أيضا، حسبما تؤكد إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة، كما أن هناك 526 مليون فتاة وسيدة لا يستطعن الوصول إلى دورات مياه من الأساس، غير ان الفقر يجعل من حصولهن على مواد إدارة الدورة الشهرية من الفوط الصحية والسدادات القطنية، والمسكنات لتحمل آلام تشنجات الرحم أمر من الصعب تحقيقه.
ومن الممكن أن تلجأ السيدات بسبب ذلك إلى استخدام أوراق الجرائد، أو ورق التواليت، أو الاعتماد على الأكياس البلاستيكية والملابس القديمة، مما يؤثر على صحتهن ويسبب لهن أمراضا بكتيرية قد تؤدي إلى إزالة الرحم، ومن الممكن أن يعرضهن العزل في الكهوف وبعيدا عن الناس إلى الاغتصاب والسرقة أيضا.
ويعتبر فقر الدورة الشهرية Period Poverty قضية تواجه أغلب السيدات في جميع أنحاء العالم، حيث يتم التعامل مع احتياجاتهن من الفوط الصحية وأدوات العناية الشخصية خلال هذه الفترة على أنه رفاهية، والأمر لا يقتصر على الدول الفقيرة والتي تعاني من نقص الخدمات بصورة عامة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية قام مجموعة من النشطاء بعدد من الفاعليات والمبادرات مع تنظيم التظاهرات والمسيرات للتخلص من فقر الدورة الشهرية، والتعامل مع المنتجات المتعلقة بها على أنها ضرورات صحية، وتقديمها بشكل مدعم ومجاني للطالبات في المراحل الدراسية.
ونتيجة الضغط، قامت الحكومة الأمريكية بتوفير منتجات الدورة الشهرية في السجون مجانا بداية من عام 2018، مع توفير برامج تخاطب طالبات المدرسة من أجل توعيتهن بماهية الدورة الشهرية، وكيف يمكنهن الحفاظ على نظافتهن الشخصية وصحتهن، أما في المملكة المتحدة، فتشير منظمة بلان الددولية الخيرية للأطفال إلى أن من بين عشر فتيات (تتراوح أعمارهن بين 14 - 21 عاما)، هناك فتاة واحدة على الأقل تعاني من فقر الدورة الشهرية، وعدم القدرة على الوصول إلى المنتجات الصحية المتعلقة بها.
للوصم المتعلق بالدورة الشهرية دورا في هذا الفقر، فبسببه يصبح صعب على الفتيات المراهقات والشابات الوصول إلى المنتجات الصحية نتيجة الخجل والأفكار النمطية لدى المجتمع، ولتعامل معه قامت إسكتلندا بتوفير منتجات الدورة الشهرة بشكل مجاني للأسر ذات الدخل المنخفض، كما أن الحكومة الأسكتلندية أعلنت في 2018 أنها أول حكومة تقوم بتوفير هذه المنتجات بشكل مجاني في جميع المدارس والجامعات، وخصتت الحكومة الإنجليزية كذلك مليون جنيه إسترليني لتحسين المرافق في المدارس حتى تتناسب مع تعامل الفتيات مع الدورة الشهرية.
وفي بعض البلدان، التي تتعامل مع منتجات الدورة الشهرية على أنها رفاهية، يتم فرض ضريبة مرتفعة عليها، بخلاف سعرها الأساسي المترفع نسبيا، خاصة، بالنسبة لكثير من الفتيات والسيدات، فيصبح الحصول على الطعام والاحتياجات الأولية أمر أكثر ضرورة من شراء المنتجات الصحية، وفي الهند، يمكن لـ 12% فقط من السيدات الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية، وتلجأ أخريات إلى استخدام مواد تقليدية وغير آمنة.
وفي مصر، كان الحديث عن الدورة الشهرية ومحاولة كسر الصمت والتابوه من خلال قيام واحدة من الشركات الخاصة بوضع سياسة جديدة للعمل، تضمن للسيدات يوم أو يومين إجازة من العمل في أثناء الدورة الشهرية من أجل الحصول على الراحة، في حين أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مبادرتها "الدورة الشهرية في السجون" في مارس 2019، من أجل توفير الفوط الصحية ومنتجات الدورة الشهرية للسجينات داخل السجون المصرية، كونهن يعانين من صعوبة الحصول عليها، خاصة، مع أوضاع السجن غير الآدمية نتيجة عدم توفر المياه طوال الوقت، وعدم جاهزية المرافق.
ما يجعل من فقر الدورة الشهرية مأساة حقيقية، هو النتائج المترتبة عليه، فلجوء السيدات إلى حلول تقليدية، أو استخدامهن للفوط لفترات طويلة، أو استعمال أقمشة قديمة أكثر من مرة، من الممكن أن يؤدي إلى مضاعفات مميتة، نتيجة الإصابة بالتهابات في المهبل، وحدوث العدوى البكتيرية.
يمكنكن التعبير عن ما تعانين منه خلال الدورة الشهرية، وتعرضن تجربتكن الخاصة مع "أول مرة بيريود" بالمشاركة في حملة احكي "البيريود مش عيب"، وملء الاستمارة من هنا، مع التأكد أنها تحافظ على خصوصية هوياتكن ولا تفصح عنها في حال لم ترغبن بذلك.
*القصص من موقع refinery29
اقرئي أيضا:
التحرش في أماكن العمل جريمة مسكوت عنها بسبب لقمة العيش
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٣١ أكتوبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا