حقوق الأم العاملة أقرتها القوانين وضاعت عند التنفيذ
الأكثر مشاهدة
في كينيا، تعرضت النائبة زليخة حسن للطرد من إحدى جلسات البرلمان، بعد أن قوبل وجودها مع طفلها الرضيع بالرفض، ورغم محاولات المؤازرة والدعم التي تلقتها من النائبات الأخريات، اللاتي انسحبن من الجلسة، كان قرار البرلمان وفق اللوائح بعدم حضور الغرباء للجلسات، حتى وإن كانو اطفالاً.
نتيجة لظروف شخصية، اضطرت النائبة الكينية، في أغسطس الماضي، إلى اصطحاب طفلها الرضيع، الذي لم يتخط عمره الخمسة أشهر لحضور جلسة البرلمان، خاصة، مع عدم وجود حضانة، وهو ما يسترجع مواقف مشابهة مع سيدات في مهن مختلفة حول العالم، اضطررن إلى اصطحاب أطفالهن إلى مقر عملهن بسبب ظروف طارئة، في حين لم تكن بيئة العمل قادرة على استقبالهن والتعامل مع احتياجاتهن المختلفة كأمهات عاملات.
تعرفي على: حراك النساء في لبنان تختزله النكات وتعليقات التحرش
تحديات الأم العاملة
عمل المرأة والأم، الذي تفرضه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة في أغلب الأحيان، رغم أنه حق بديهي وأساسي، تقرّه الدساتير والقوانين والأعراف الدولية، ما زال هناك مَنْ يتعامل معه باعتباره وجاهة لا داعي لها، أو يقبله أصحاب العمل والشركات على مضض، فلا يتم توفير عوامل تراعي عمل الأمهات، وتوفق لهن الأوضاع المناسبة، مما يجعل أي امرأة عاملة أصبحت أم تشعر بكثير من الضغوط الاجتماعية والنفسية، وإن كان ذلك لا يؤثر على إنتاجيتها في العمل.
في الدستور المصري، توضح المادة (11) أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأضافت "تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية.. وتكفل حقها في تولي الوظائف العامة.."، وهو ما يعني اعتراف الدولة بضرورة توفيق الأوضاع والقوانين لتحقيق مزيد من المساواة في العمل.
في أثناء حضوري لمؤتمر عن الصحافة، قال أحد رؤساء التحرير المتحدثين إنه متعاون ويرغب في توظيف الصحفيات، ولكن بسبب ظروفهن الاجتماعية واحتمالية الحمل والولادة يفضل عليهن الرجال، ويعتبر أنهم أفضل من حيث المرونة في مواعيد العمل، وتغافل وجود صحفيات علاّمات على مدى تاريخ المهنة مثل الأسطورة روزاليوسف التي نعت مجدا مختلفا للصحافة، وصفاء صالح الصحفية التي غطت أجواء الحروب مع داعش في سوريا والعراق، وهديل اليماني الصحفية اليمنية التي نالت جائزة الشجاعة.
اقرئي أيضا: قصص عن التبني في مصر واجهت المجتمع والحرمانية
الطريقة التي انتهجها رئيس التحرير في التعامل مع عمل المرأة بمؤسسته، تعتبر هي الطريقة التي تتبعها أغلب المؤسسات في كل المجالات، فلا يوجد نية لتطبيق قانون العمل الذي يكفل للأم العاملة إجازة وضع، حسبما تشير المادة (91) منه، وتقول "للعاملة التي أمضت عشرة أشهر في خدمة صاحب عمل أو أكثر الحق في إجازة وضع مدتها تسعون يوما بتعويض مساو للأجر الكامل.."، خاصة، مع وجود مطالبات بزيادة المدة إلى 6 أشهر.
ويحرص القانون على عدم فصل العاملة اثناء إجازة الوضع، مع ضرورة توفير دار حضانة أو التعاون مع دار خارجية لرعاية اطفال العاملات، إذا كانت المنشأة تضم مائة عاملة، وإذا كان عددهن أقل تصبح المنشأة أو المؤسسة ملزمة بتوفير دار حضانة لاطفالهن بمحيط منطقة العمل، حسبما تشير المادة (96) من القانون.
ومع وجود إلزام واضح بمواد قانون العمل بضرورة مراعاة الأم العاملة، لم تجد كثير من العاملات في القطاع الحكومي والخاص تنفيذ حقيقي وفعلي لبنوده، فالمراسلة التلفزيونية لمياء حمدين اضطرت أن تحمل ابنها في أثناء تأديتها لعملها وتسجيل المقابلات مع المواطنين في الشارع، بسبب عدم قدرتها على إنهاء عملها قبل مواعيد إغلاق حضانة ابنها الخاصة، التي تلحقه بها، ولا يتوفر بالمؤسسة التي تعمل بها دار للحضانة.
وخلال سنوات عملها بشركتي شيبسي وإيفا فارما، تقول ر. د لـ "احكي"، إن عدد العاملات في شركة شيبسي كثيرات، لكن الشركة لم توفر لهن حضانة، رغم مطالبات عدة من جانبهن، في حين عملت شركة إيفا على إنشاء حضانة داخل مقرها للعاملات، مع توفير سبل لرعاية هؤلاء الأطفال، وإبقاءهم على تواصل مع أمهاتهم، وكانت د. ف أيضا تعمل بعدد من المؤسسات والشركات على مدار الخمس سنوات الماضية، وكان عدد العاملات بها يتراوح من 50 إلى 100، وأخبرت "احكي" أنها لم تصادف قيام أي مؤسسة بإنشاء حضانة لأطفال العاملات، أو القيام بالاتفاق مع حضانة خارجية.
لجأت بعض السيدات إلى البحث عن حلول تعمل على التوفيق بين واجباتهن كأمهات، وأدوارهن في العمل، فكانت الحضانات الخاصة هي الوسيلة التي يمكن الاعتماد عليها، ولكن تبقى ساعات عملها المحدودة لها تاثيرها، ولذلك، لجأت سالي أسامة إلى إنشاء حضانة تعمل مع ساعات الصباح الأولى وحتى الثانية عشر منتصف الليل، لتزيح عن كل أم تعمل عبء البحث عن المكان الذي يمكنها أن تترك طفلها به بأمان.
وعلى صعيد الوطن العربي، رفعت مؤسسة "صداقة" في الأردن شعار "نحو بيئة عمل صديق للمرأة" منذ عام 2012، من أجل الضغط على جهات العمل لتوفير حضانات للأطفال التي تزيد بها عدد العاملات عن العشرين، وتضافرت جهودها مع الجهات المعنية في الدولة، فتمكنت من المساهمة في تاسيس 70 حضانة مؤسسية (بمعنى تابعة لمؤسسة ما)، ووقع المجلس الوطني لشئون الأسرة مع المؤسسة لتفاقية من اجل البدء في تعميم إنشاء هذه الحضانات في جميع أنحاء الأردن.
وعلى مستوى العالم، صادفت كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين نائبات في البرلمانات العالمية اصجبن أطفالهن الرضع في الجلسات، رغم الاعتراضات والصعوبات، لكنهن كن قادرات على تقرير حقهن في التواجد كسيدات عاملات وأداء أدوارهن كأمهات، مثل النائبة اليابانية يوكا أوجاتا، ونائبة البرلمان الإسباني كارولينا بيسكانسا، والنائبة السويدية جيتي جوتلاند في البرلمان الأوروبي.
اقرئي أيضا:
حكايات مفزعة عن إزهاق أرواح النساء بدعوى الشرف
الكاتب
احكي
الخميس ٠٧ نوفمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا