فجوة الأجور بين الجنسين أزمة تهدد عمل المرأة
الأكثر مشاهدة
تجلسين في عملك لثماني ساعات، قد تطول في بعض الأيام، وتحاولين كل يوم أن تثبتين جدارتك بأوقات إضافية أو أداء مهام أنتِ غير مسئولة عنها، متوقعة أن تكون النتيجة هي التقدير، ولكنك تكتشفين أن زميلك، الذي يحمل نفس مسماكِ الوظيفي، ويؤدي نفس مهامك، وأحيانا أقل منها، يتقاضى أجر أعلى، فقط لأنه "رجل".
أزمة فجوة الأجور بين الجنسين، التي تؤدي إلى أن يتقاضى الرجل أجر أعلى عن المرأة رغم أداء كل منهما لنفس المهام الوظيفية، أدت إلى كثير من المشكلات الاقتصادية التي عانت منها الأسر في مختلف أنحاء العالم، فوفقا لتقرير صادر عن إحدى المؤسسات الأمريكية، فالتفاوت الحادث في الأجور داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كلف النساء الأمريكيات حوالي 500 مليار دولار في السنة.
تعرفي على: لماذا النساء بعيدات عن جائزة نوبل خاصة في العلوم
الفجوة في الأجور
ويمكن تحديد مجموعة من الأمور التي تجعل الفوارق في الأجور توصف بالظلم وعدم المساواة، وتعد فجوة بين الجنسين، وذلك عندما يصبح هناك فروق في متوسط الأجور للرجال والنساء العاملين بدوام كلي، وتقيسها منظمة العمل الدولية بمعدلات أجور الرجال والنساء الذيم يقومون بعمل محدد، في حين تعتمدها منظمات أخرى بفارق الدخل السنوي لكل من الرجال والنساء العاملين بدوام كامل على مدار العام، وترى المفوضية الأوروبية أنها الفارق في متوسط الدخل بين الرجال والنساء في الساعة.
ووفق تقرير الأجور العالمية 2018- 2019، الصادر عن منظمة العمل الدولية، الذي تم الاستعانة فيه ببيانات من عاملين في نحو 70 بلدا، كانت المرأة في جميع أنحاء العالم تتقاضي أجر يقل عن الرجل بنسبة 20%، وعبر عن ذلك جاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية قائلا "تمثل فجوة الأجور بين الجنسين واحدة من أهم مظاهر الظلم الاجتماعي في العالم اليوم"، وشدد على ضرورة اتخاذ التدابير التي تعمل على التعجيل بحل هذه الأزمة.
غير أن هناك كثير من العوامل التي تعمل على توسيع الفوارق في الأجور بين الجنسين، كون النساء يلجأن إلى العمل بالوظائف غير الرسمية التي تفتقر إلى كثير من الحماية الاجتماعية، ويحدث ذلك في أكثر من 90% من بلدان إفريقيا، و89% من دول جنوب آسيا، وذلك يجعلهن عرضة للعمل في مهن محدودة المهارة ومنخفضة الأجر، وتحت ظروف عمل سيئة.
وتشير روزالينا فازكير- ألفاريز، عالمة الاقتصاد الإحصائي في منظمة العمل الدولية، إلى أن التحصيل العلمي للمرأة في كثير من الأوقات يبدو أكبر من الرجل، ولكن نجد انها تتقاضى أجور أقل حتى عن نفس المهنة، وتضيف "للحد من فجوات الأجور بين الجنسين، يجب التركيز على ضمان المساواة في الأجور، والتوقف عن بخس قيمة عمل المرأة"، ولكن توضح الدراسات أن المرأة أحيانا ما تميل إلى اختيار الوظائف التي تضمن لها القياد بدورها الأسري، أو التي تتوافق مع طبيعة المجتمع، فنسبتهن ترتفع في مجالات التعليم والرعاية الصحية ورعاية الأطفال، والعمل الإداري.
وتعتبر الأمومة وإجازة الوضع واحدة من الأمور التي تجعل السيدات يتقاضين رواتب أقل، ليس فقط عن الرجالن ولكن أيضا عن زميلات العمل من السيدات غير المتزوجات أو الأمهات، الأمر الذي يشير إلى وجود تمييز واضح ضد المرأة، وعدم وجود مراعاة لدورها الاجتماعي والأسري، على العكس، يصبح التقليل من راتب الأم والزوجة له تأثيره الأكبر على أوضاع أسرهن الاقتصادي والاجتماعي، فتقول إحدى الناشطات "عندما تذهب الأم العاملة إلى السوق لا تقدم لها البضائع بأسعار أرخص كون أجرها أقل، رغم أنها تساهم براتبها في الإنفاق على الأسرة".
لم يعد عمل المرأة رفاهية، وأضحى واحد من دعائم الاقتصاد في كثير من البلدان حول العالم، فتم تقدير أعداد السيدات العاملات في العالم بـ 1.3 مليار مقابل ملياري رجل، في حين تؤكد منظمة العمل الدولية طبقا لأبحاث التي قامت بها أن النساء تحصل على 77 سنتا مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل، مما يجعل الرغبة في سد فجوة الأجور بين الجنسين أمر قد يستغرق سبعين عاما حتى يحدث.
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن عام 1966، كان يمثل أسوا الفترات التي شهدت تزايد الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، حين كانت نسبتها قد وصلت إلى أكثر من 40%، ورغم التحسب الذي يظهر على مستويات فوارق الأجور مع مرور لسنوات، فكثير من التقديرات تشير إلى ضرورة العمل على حلها، حتى لا تضطر النساء أن تنتظرحتى عام 2059 لتحصل على أجر متساو مع الرجل.
ولا تقتصر عدم المساواة بين الأجور على أعمال بعينها، فحتى على مستوى نجوم هولييود العالميين، تواجه الممثلات ظلما في تقاضي أجور أقل عن زملائهن الرجال عن نفس العمل، رغم الشهرة الواسعة التي تمتلكها كل منهن، وفي تقرير أنتجه مجموعة من الاقتصاديين بتتعب أجور النجوم العالميين، تبين أن الممثلين الرجال يتقاضون أجر أكبر بـ 1.1 مليون دولار عن الممثلات النساء للفيلم الواحد.
وفي تقرير لمركز أبحاث بيو، تمت الإشارة إلى أن السيدات يحتجن إلى العمل 44 يوما إضافيا على الرجال لنيل أجر مساوٍ لهم في نهاية العام، كما أشار تقرير فجوة الأجور الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في عام 2016 إلى أن دول الشرق الأوسط ووسط آسيا من مقدمة الدول التي تعاني من عدم التكافؤ والمساواة بنسبة 39%.
وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة أقل دولة عربية تعاني فيها النساء من فجوة الأجور، ولكن عالميا كانت في المرتبة الـ 124، تلتها تونس ثم الكويت والبحرين، وجاءت مصر في المرتبة الـ 132، وفي المملكة العربية السعودية رصد أحد المراكز المحلية الفوارق بين الجنسين في الأجور، فوجد أنه في عام 2014 بلغ الفارق 324 ريال سنويا، في حين وصل في عام 2016 إلى 1077 ريال في العام الواحد.
أما على مستوى أفضل الدول في معالجة الفجوة في الأجور، فجاءت آيسلندا في المرتبة الأولى، تلتها فنلندا ثم النرويج، فالسويد، وبعدهم رواندا، التي تمتلك تجربة تم وصفها بـ "الرائدة" في معالجة فجوة الأجور بين الجنسين كدولة إفريقية عانت من الحرب الأهلية لسنوات، ولكنها استطاعت أن تصدر مجموعة من القرارات التي ساهمت في تحسين الوضع الاقتصادي للنساء، وللدولة بصورة عامة، فعملت على رفع نسبة النساء في مراكز القرار ووظائف الجيش والشرطة، ونص الدستور على أن 30% من الممثلين الحكوميين في جميع المستويات يجب أن يكن من النساء.
اقرئي أيضا: حقوق الأم العاملة أقرتها القوانين وضاعت عند التنفيذ
تحسين فجوة الأجور بين الجنسين
وتشير منظمة العمل الدولية غلى أن تحسين فجوة الأجور بين الجنسي من الممكن أن يحدث من خلال مجموعة من القرارات والقوانين التشريعية التي يجب أن تعتمدها كل دولة، إلى جانب مراعاة الواجبات الأسرية التي يجب تقاسمها بين الرجل والمرأة، مما يعني تغيير ثقافة كثير من المجتمعات، حتى لا تضطر المرأة إلى اختيار مهن لا تناسب قدراتهن.
ومن السياسات التي يُنصح باتباعها حتى يتم تقليل الفجوة، هو اعتماد نظم ممولة من الحكومة لمنج لإجازات أمومة وأبوة، والعمل على إلغاء العبء الضريبي على دخل الأسرة بالكامل، والاكتفاء بالضرائب الفردية وفق دخل كل شخص، معمنح أصحاب الأجور المنخفضة خصوما أو مزايا ضريبية، أو إعفائهم من الرسوم في بعض المعاملات، ومن الممكن أن تقوم كل دولة بوضع السياسات والحلول التي تتوافق مع وضعها الاقتصادي، خاصة أن الفجوة في الأجور لها تأثيرها أيضا على الاقتصاد بشكل عام.
اخبرينا عن تجربتك في التعرض للظلم وعدم المساواة في الأجر، إن كنتِ قد مررتِ بهذا الموقف من قبل.
اقرئي أيضا:
حكايات عن وصم الدورة الشهرية وتعنيف النساء بسببها
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا